من قال «لا» فقد أفتى
تسود المجتمع ظاهرة غير صحية.. دعونا نتأملها قليلاً: لماذا كل الناس يدلون بدلوهم فى كل شىء بدون سند من معلومات أو علم ويتحدثون مثل العالمين ببواطن الأمور.. الكل ضليع فى السياسة والاقتصاد والقانون والأمن والتاريخ والجغرافيا والاجتماع !! يتحدثون فى كل هذه الأمور فى آن واحد وكل منهم يرى نفسه هو «الرأى الناجع» والأصوب ولا يدرس، أو يتفهم الرأى الآخر رغم أن الإمام الشافعى - عليه رحمة الله - قال مقولته الخالدة « مذهبى صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرى خطأ يحتمل الصواب «وقد أتاحت وسائط الاتصال الحالية سواء أكانت مواقع التواصل الاجتماعى، أو القنوات الفضائية الفرصة لتعميق الظاهرة التى يشتد خطرها عند طرح قضايا عامة تهم حاضر ومستقبل الوطن، وفى الوقت نفسه تظهر حدة الخطر فى حال إنقسام المجتمع حيث إن الانقسام يزيد حالة الاستقطاب السياسى الذى يظل يشد الوطن إلى حالة عدم الاستقرار ولا يعطى فرصة التقاط الأنفاس والتطلع إلى البناء والتنمية وكلما زادت حدة الاستقطاب تراجعت فرص التغيير الايجابى وسادت أجواء من اللامبالاة والإحباط .
لكن إذا تحدث كل منا فى إطار حدود معرفته بالأشياء دون تنطع، أو تحذلق تنحصر عوامل الانقسام، وتقل خطورة الاستقطاب أو دعونا نقل إن القول عن جهل يؤدى إلى تعقيد الأمر والقول عن علم يؤدى الى انفراج الأزمات ولا تطفو على السطح سوى الآراء البناءة.. من هنا نصبح أمام الإنسان القادر على الإنجاز وهو ما نحتاجه فى مرحلة البناء، لأن القدرة المحفزة على العمل والإنتاج توحد المجتمع وتضعه على طريقه الصحيح!
إن ما تقدم جاء فى سياق موجات الجدل التى صاحبت صدور أحكام قضية القرن من تبرئة المتهمين فيها دون أن تبرئ الحيثيات نظامًا سقط فى سنواته العشر الأخيرة فى مستنقع الوهن والفساد فحدث الخلط بين الحكم القانونى والحكم السياسى، وتنافس المتجادلون فى محاولة توريط القاضى الجليل الذى حكم بالنص فى محاكمة النظام سياسيا وهو ما استغله البعض لصب الزيت على النار، حيث شهدنا فريقين أحدهما مؤيد للأحكام وآخر رافض لها مطالب بالقصاص لدماء الشهداء مما أعطى الفرصة على طبق من ذهب للإرهابيين والمتآمرين لإحداث شرخ فى النسيج الوطنى وهو فى اعتقادى هدفهم وبالتالى كان من الأهمية بمكان التحذير من الفتنة التى يحاولون إيقاظها لإسقاط الدولة المصرية بعد فشل كل المحاولات السابقة خلال السنوات الأربع الأخيرة للنيل من مصر.
وكما نعلم أن إحداث الفوضى فى المجتمعات تأتى بالعمل على انقسام شعوبها وتكسير مفاصل الدولة و وتمهيد المناخ لتجزئة إقليم الدولة إلى دويلات وهو ما يسمى الجيل الرابع للحروب أى إن الحروب لم تعد مثلما حدث فى أفغانستان أو الخليج والعراق أو كما يقول خبراء العلوم السياسية «توطين الصراعات».
من هنا فإن الرد على كل محاولات أعداء الدولة بالداخل والخارج لزعزعة الاستقرار يكون بتوحيد الصف والاصطفاف وراء رئيس مصر الذى وضع روحه على كفه فى مواجهة الظلاميين ودعاة الجاهلية خوارج العصر ونصر شعبه الذى لم يخذله فى ثورته الثانية ونحذر كل المصريين من الانسياق وراء دعاوى الفرقة ونداءات الباطل، والالتقاء على قلب رجل واحد من أجل هدف واحد هو عزة وكرامة مصر واستقرارها. وهذا لن يتحقق بالكلام المعسول أو الأمانى إنما يتحقق بالعمل والإنتاج بالتطلع إلى غد أفضل من خلال الالتفاف حول المشروعات القومية، ولن ننسى ماقام به المصريون قبل أشهر قليلة من جمع أموال حفر قناة السويس الجديدة فى أقل من عشرة أيام ليعطوا نموذجًا للوطنية والانتماء.
ولابد من أن تتزامن محاسبة سياسية للفساد والمفسدين مع التطلع للغد ونتوقف عن الخوض فيمالا نعلمه حيث إن من قال «لا» فقد أفتى!
■ إعلامى وكاتب مستقل