رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

28 نوفمبر .. شهادة الوعى المصرى


شعب مصر العظيم، ياله من شعب محير لا يقدر على فهم خصائصه إلا من غاص فى أغواره ولمس طبائعه وتعايش مع حضارته وموروثه الثقافى العريق. إنه شعبٌ نفيس كالذهب الخالص الذى قد يعتريه التراب أو تكسوه العوالق لفترةٍ من الزمن، ولكنه أبداً لا يصدأ ولا يفقد قيمته حتى تحين لحظة اكتشافه وهى دائماً لحظةٌ فارقة.

لقد ترقب العالم كله دون مبالغة، ذلك اليوم الذى دعت إليه جماعات وقوى الإرهاب المختلفة، ليكون يوماً لما أسمته بالثورة المسلحة, وحددت له يوم الجمعة 28/11/2014 وراحت تروج له بكل وسائل النشر والإعلام فى الداخل والخارج زاعمةً أنها ستكون ثورةً شعبيةً إسلاميةً لإسقاط النظام واستعادة الدولة إلى قبضتها. وإذا كان ذلك اليوم قد مر ولله الحمد بأمن وسلام ولم تستطع قوى الشر تحقيق مآربها، إلا أن تناول الحدث بالفحص والتمحيص والتأصيل يظل واجباً على المهتمين بالشأن العام لضرورته العملية فى رسم وتوجيه المسار الوطنى، وإسهامه فى التسجيل التاريخى لمراحل حياة الأمة.

من هذا المنطلق أستعرض ذلك الحدث وأراه من ثلاثة جوانب على النحو التالى: (1) لقد تمنت جماعة الإخوان الإرهابية ومن يؤازرها تكرار سيناريو يوم 28 يناير 2011 المسمى بجمعة الغضب، بالاعتداء على كل المنشآت العامة ومؤسسات الدولة الحيوية وتخريبها وشل حركتها الحياتية بما يؤدى إلى خلخلة دعائم الدولة وبالتالى إلى سقوط النظام الحاكم. ونظراً لافتقاد الجماعة هذه المرة لأهم عناصر نجاح مخططها فى السيناريو السابق وهو الغطاء الشعبى الذى احتشد تحت زعم ووهم الثورة فكان ستاراً لجرائمها الإرهابية، فقد جنحت إلى حيلةٍ خبيثة وهى الدعوة إلى التظاهر بالمصاحف لتحقيق غرضين، الأول استقطاب أكبر عدد من المواطنين الشرفاء لمسايرتها فى التظاهر بدافعٍ من فطرتهم الدينية وما يمكن أن ينطلى عليهم من ظنون خاطئة، وفى هذه الحالة يتوافر لها الغطاء الشعبى المطلوب والسند القوى لما تنتويه من جرائم إرهابية، والغرض الثانى أن رفع المصاحف بأيدى المتظاهرين سيعيق قوات الأمن عن مواجهتهم بدواعى القيم المعنوية لدى القوات ذاتها فضلاً عن الاعتبارات العملية التى يجبُ التحسبُ لها. من ناحيةٍ أخرى كان ضمن تخطيط الجماعة الإرهابية استدراج قوات الأمن إلى اشتباكات مسلحة تسفر عن بحورٍ من الدماء تشعل نار الفتنة وتؤجج مشاعر الغضب وتشيع حالة الفوضى بالبلاد. (2) على الجانب الثانى كانت الدولة بشعبها العبقرى وأجهزة أمنها القوية، حيث أزاح الشعب الغشاوة التى حاول البعض فرضها على بصيرته، وأدرك بحس عبقرى حجم المخاطر التى تحيط بالوطن وتبين حقيقة النوايا المغرضة لتلك الجماعات الإرهابية المستترة بعباءة الدين أو غيرها من الأقنعة، فكان قراره الجمعى بإرادته الحرة بعدم النزول إلى الشارع فى ذلك اليوم، وكان هذا الموقف الذكى رسالة ذات شقين، الأول رفض استخدامه كغطاء لأعمال إرهابية ممقوتة وأفكار منحرفة غير مقبولة، وهو ما أدى بقدرٍ كبير إلى إفشال المخطط الإرهابى، والشق الآخر كان تعبيراً عن رغبة الشعب فى القصاص العاجل من تلك الجماعات الآثمة بتركها منفردةً بالساحة أمام قوات الأمن. أما بالنسبة لأجهزة الأمن شرطةً وجيشاً، فقد كان أداؤها رائعاً سواءً من ناحية التخطيط والإعداد والتمهيد الإعلامى أو من ناحية التنفيذ والانتشار الجيد المتوازن والمتسق فيما بين كل المحافظات مع الالتزام الواثق بأحكام القانون وقواعد ضبط النفس. (3) الجانب الثالث فى رؤية هذا الحدث هو رد الفعل الدولى، وأعتقد أن كثيراً من الدول المعادية بعد رصدها للمشهد المصرى فى ذلك اليوم، سوف تغير موقفها سريعاً تجاه مصر.

وللحديث بقية..

■ كاتب