رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة الهوية «المزعومة»


كانت هاتان الكلمتان «معركة الهوية»، شعارًا واضحًا فى صدر بيان الجبهة السلفية، لدعوة الشباب المسلم أن يطلق انتفاضة ويعلن ثورة، يوم 28 نوفمبر 2014. وإلى جانب هاتين الكلمتين أو هذا الشعار، شعاران آخران هما «سنحيا بالدين، بشريعتنا معتصمين». وهناك العلم الأسود وفى وسطه «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وأوضح البيان أن أهدافهم من وراء الانتفاضة أو الثورة التى دعوا إليها ثلاثة، هى: فرض الهوية، رفض الهيمنة، إسقاط حكم العسكر.
لا أدرى ماذا سيكون عليه الوضع فى نهاية يوم الجمعة 28 نوفمبر 2014، وما ستنتهى إليه مظاهرات ذلك اليوم، إذ أننى أكتب هذا المقال مساء يوم الخميس 27 نوفمبر. نحن ضد كل الهيمنة - وخصوصًا الغربية، ولكن كيف نخرج منها، إن هذا يحتاج إلى بيان وتفصيل من المتخصصين.

هناك قراءات كثيرة عن نتائج ذلك اليوم، أقربها إلى المنطق والعقل والواقع، هو فشل تلك الدعوة والمظاهرات، إذ إن الأهداف التى وضعت غير مقنعة إلا لنفس العقول والأفهام، ونسى هؤلاء، أن رفع المصاحف، يشير إلى أهم فتنة كبيرة فى صدر الإسلام، وقعت بموقعة صفين، حيث تقابل الصفان أو الفريقان، فريق بقيادة «على بن أبى طالب«، والفريق الآخر بقيادة معاوية بن أبى سفيان. حيث قتل من الطرفين يومئذ ما يقرب من «70» ألفًا كما تقول المصادر، بعضهم من كرام الصحابة والتابعين وبعضهم من الخوارج. ظهرت فتنة الخوارج، وهم يدعون إلى التحكيم متذرعين بقوله تعالى: «إن الحكم إلا لله»، مطالبين الحكم بالإسلام والشريعة، وليس منهم ولا من بينهم من يعرف الشريعة وبالحكم الإسلامى ولا الهوية، مثل، سيدنا على بن أبى طالب، الذى قتلوه وزعموا أنهم أحرص على حكم الله منه، وهو من هو فى الاسلام، أول من أسلم من الشباب، وزوج فاطمة الزهراء، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عم النبى، وتربى فى بيته، فشرب الدعوة من صغره من مصدرها الأمثل، ومن الأسوة الحسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو والد الحسن والحسين، وهو الذى بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ضمن العشرة المبشرين بها، وهو باب العلم وهو من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وهو بالتأكيد يعرف معنى قوله تعالى: «إن الحكم إلا لله»، أكثر من كل المعارضين الذين نادوا بالتحكيم فى صفين، وأكثر من كل الخوارج منفردين ومجتمعين.

ولكن كل ذلك، لم يشفع له عند أجلاف العرب الذين دخلوا الإسلام حديثًا، ولم ينالوا قسطًا وافيًا من التربية الاسلامية أو فهم الإسلام. الحال اليوم – كما هى الحال آنئذ- مع فارق واحد أن أولئك هم السلف الصالح، وأن كثيرًا ممن يزعمون السلفية اليوم هم من المتسلفين، الذين يركزون على الشكل الإسلامى، أكثر من جوهر الإسلام وقيمه العظيمة.

كانت هذه المعركة فى ظنى، وحروب الردة، هى أسوأ ما فى تاريخ الإسلام العظيم، رغم الاجتهادات والتفسيرات المتعددة، ولكنها كانت فى جوهرها إيذانًا، بقرب انتهاء «الخلافة الراشدة»، وبدء مرحلة جديدة من الحكم باسم الإسلام ينزع إلى الوراثة، ولكنها تخالف فى كثير أو قليل من كانوا قبلها، وبدأت مرحلة الصراع على السلطة، بعد أن كان الصحابة – الذين مضوا – رضوان الله تعالى عليهم، لم يكن منهم أحد يسعى إلى السلطة أو يصارع عليها. بل كانت الدنيا كلها فى فهمهم وسلوكهم لا تساوى عند الله جناح بعوضة.اليوم يضيف الدعاة إلى هذه الفتنة «معركة الهوية»، عبئًا على الدولة شعبًا وجيشًا، نحن فى غنى عنه، وتأتى هذه الدعوة فى وقت لو عقله العاقلون، لإنضموا إلى الدولة فى حربها ضد الإرهاب، حتى لا ننزلق إلى وضع أسوأ، كما هى الحال فى سوريا أوالعراق أو ليبيا أو اليمن أو حتى الصومال. علينا جميعًا أن نأخذ بقوة على أيدى العابثين حتى وإن تأسلموا وتسلفوا، فالإسلام لا يعرف عبثًا، والسلفية الصحيحة لا تعرف صراعًا. وللحديث صلة عن القراءة الخاطئة للواقع فى مصر، وعن الأهداف الفاشلة التى أوردتها الجبهة السلفية فى بيانها لحشد الشباب المسلم، ورفع المصاحف أو إثارة الفتنة، بعد أن نامت أو كادت أن تنام. والله الموفق