رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتح المعبر والنظرة إلى القضية الفلسطينية!


أظن أن جزءًا مهمًا من الحفاظ على تأييد الشعب لسياسة مصر الخارجية يتطلب إعادة النظر فى القضية الفلسطينية، والتركيز على التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وقرارات الأمم المتحدة خاصة القرار الخاص بحق العودة، مع الاستفادة من الاتجاه العام لانتقاد السياسة الإسرائيلية

شعرت بكثير من الارتياح بصدور القرار بفتح معبر رفح للعالقين من الفلسطينيين الذين تعطلوا بسبب إغلاق المعبر، وكنت أتمنى أن يكون الفتح مستمرًا، وأرجو أن يعاد فتحه وبصفة دائمة قريبًا، خاصة أنى أختلف مع بعض مشتملات النظرة الرسمية إلى القضية التى تعكسها بعض تصريحات المسؤولين، فإذا اتفقنا على أن مصر قد حملت على كاهلها هذه القضية لسنين طويلة، فإن هذا لا بد أن يُكسب مصر خبرة فى تناولها ويجعلها أقرب إلى النظرة الشعبية المصرية والفلسطينية، ويجعلها قادرة على التعبير عن وجهة نظرها بما يقربها من هذه النظرة ودون أن يورطها فى حرب هى ليست مستعدة لها فى الوقت الحاضر النظر.

مبعث اهتمامى بالقضية الفلسطينية ومعبر رفح هو اقتناعى على مدى السنين بأن القضية الفلسطينية هى قضية أمن قومى مصرى مثل - وربما قبل، أن تكون قضية فلسطينية، وأن الشعب الفلسطينى فى عمومه هو أقرب إلى الشعب المصري، وأن معاناة الفلسطينيين هى جزء من معاناة المصريين، لذا فإنى أشعر بألم المواطن الفلسطينى العالق على أحد جانبى المعبر وربما كان مريضا يستشفى فى مستشفى مصرى، ويعود إلى أهله فى قطاع غزة، وقد يكون طالبًا فى معهد فى مصر ويريد أن يذهب إلى أهله فى غزة لسبب أو لآخر، وقد يكون العكس هو فى غزة وفى حاجة إلى علاج أو دراسة فى مصر أو الخارج، وهكذا فإنه ينظر إلى مصر باعتبارها بوابته إلى الدنيا، ومعبر رفح هو الطريق إلى الجنة!

لا بد من القول بأن اعتبار القضية الفلسطينية قضية أمن قومى هو مفهوم يتعارض مع روح ونصوص معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأنه يعتبر أن مجرد وجود إسرائيل تهديد للأمن القومى المصرى والعربى فى آن واحد، وأن هذا المفهوم هو اقتناع الغالبية من المصريين، أو على الأقل اقتناع قطاع كبير من المصريين بما فيهم القيادات المصرية، ولكن اتخاذ موقف يعبر عن هذا المفهوم فى الوقت الحاضر يدخل مصر فى دوامة، بل وفى حرب ليست مستعدة لها، ولا تسعى إليها، لذا فإن المطلوب من القيادة المصرية أن تتخذ مواقف لا تتعارض مباشرة مع معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل، وفى نفس الوقت لا تبعدها عن المفهوم الشعبى للقضية، وهكذا، فإن عليها أن تتخذ مواقف مبدئية من القضايا دون أن تتخذ مواقف عملية تورطها فى صراع، وقد يكون من المفيد أن تستفيد من مواقف بعض الدول الأوروبية بأن تنتقد الإجراءات الإسرائيلية، وأن تبنى تصورها عن الحلول على قرارات الأمم المتحدة بدون تمييز، والقانون الدولى ومعاهدات جنيف وغيرها، وأن تبتعد عن تبنى مفهوم يتعارض مع مواقف بعض المنظمات الفلسطينية.

يحضرنى ما يجيء على ألسنة المسئولين عن حاجة إسرائيل إلى الأمن وحاجة الفلسطينين إلى الأمن، وعن استعداد مصر لإرسال قوات إلى الدولة الفلسطينية تضمن أمن إسرائيل، وكنت أظن أننا مستعدون لإرسال قوات مصرية إلى فلسطين لحماية الشعب الفلسطيني، أما إسرائيل فهى ليست فى حاجة إلى حمايتنا، ولسنا مسئولين عنها، وقد طالب الفلسطينيون بحماية دولية، ونستطيع أن نتطوع بأن تقوم القوات المصرية بهذه الحماية. أما عن حاجة إسرائيل إلى الأمن، فعلينا أن نؤكد أن الشعب الفلسطينى هو الذى فى حاجة إلى الأمن، وأنه من الغريب أن يأتى ذكر أمن إسرائيل ولا يأتى ذكر لأمن الشعب الفلسطينى و«فلسطين العربية»، أما القول بأن تكون دولة فلسطين دولة قابلة للحياة فهى وسيلة للتهرب من المسئولية الدولية عن أمن الشعب الفلسطيني، وعن مسئولية مصر فى ذلك.

أظن أن جزءًا مهمًا من الحفاظ على تأييد الشعب لسياسة مصر الخارجية يتطلب إعادة النظر فى القضية الفلسطينية، والتركيز على التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وقرارات الأمم المتحدة خاصة القرار الخاص بحق العودة، مع الاستفادة من الاتجاه العام لانتقاد السياسة الإسرائيلية خاصة «قانون اعتبار إسرائيل دولة يهودية»، والتنديد بقرارات هدم المنازل، وبأحداث القتل والإهانة لأبناء الشعب الفلسطينى والاستهانة بحقوقهم، وعلى القوى الدولية المختلفة أن تراجع موقفها بحيث تسود القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

■ خبير سياسى واستراتيجى