رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة النخبة


ما يقرب من أربع سنوات مرت منذ أن تحرك الشعب المصرى تحت مؤثرات كثيرة بعضها- داخلى وأكثرها خارجى- ليقود عملية التغيير فى وطن يواجه تحديات كبيرة أولها يتعلق بغياب دور الدولة الاجتماعى.
وثانيها يتعلق بانسداد الأمل لدى الشباب الراغب فى فرصة عمل، وثالثها يتعلق فى زواج المال بالسلطة وثمرته الرأسمالية المتوحشة، وكان طموح الشعب هو إجراء تغيير عميق ليس فى صورة المشهد فقط، وإنما أيضاً فى جوهر العملية السياسية والحزبية وهو ما لم يحدث، فالمشكلة الكبرى التى نعيشها اليوم أننا نتحرك للأسف من نقطه أقل من الصفر، فممارسات الحياة الحزبية المصرية ما بعد سنة 2000، قد أثرت -ليس فى هيكل النظام الحزبى- وإنما أثرت بشكل كبير على جوهر الحالة الفكرية للأحزاب السياسية .

منذ عام 2000 بدأت مصر تدخل منظومة العولمة، وكانت حكومة د. عاطف عبيد هى عنوان الغرق فى حالة العولمة، وبدأ المجتمع المصرى يفتح عيونه على العالم تحت مسميات عصر السماوات المفتوحة، ومع انفتاحنا غير المدروس على العالم بدأت حياتنا الحزبية تنفتح على تيارات الفكر الغربى أيضاً بشكل غير مدروس.

اندفع فى هذا التوقيت كثير من الأصدقاء من أبناء النخبة المصرية ممن كانوا جزءاً معتبراً من الحركة الطلابية فى السبعينيات، وكانوا يعبرون عن الأفكار القومية من منطلقات بعضها ليبرالى والآخر يسارى، للعمل ضمن منظومة المجتمع الدولى الذى عمل بشكل مخطط لتفكيك النخبة المصرية أيديولوجياً وفكرياً حتى باتت كثير من النخب التى كانت قادرة على ممارسة العمل السياسى من منطلق أيديولوجى مصرى النكهة إلى حقوقى مهمته الأولى التعبير عن موجة دولية تسعى لفرض نفسها على الوطن وتستهدف الغاء خصوصيته السياسية وحتى الاجتماعية والاقتصادية ليسهل لها تنفيذ مخططها، فالتمويلات الخارجية لعبت دوراً كبيراً فى تدمير بنية الحالة النخبوية المصرية، وشاركت بشكل كبير فى إفساد الحياة السياسية.الواقع يقول إن الأربعة عشر عاماً الماضية التى سمحت فيها مصر للمجتمع الغربى بأن يصنع النخبة المصرية، أدى- إلى جانب ممارسات سياسية سابقة- إلى تفريغ الحالة الحزبية المصرية من كوادرها الحقيقية، فطبقة «التكنوقراط» تحولت إلى مجرد صدى للفكر الغربى العالمى، وباتت تتعامل رأساً مع المراكز الحقوقية والمجالس المتخصصة المعتمدة على التمويل الأجنبى، وبات الناشط العمالى يسعى إلى إنشاء نقابة مستقلة استجلاباً للتمويل، وتحول العمل النقابى إلى نشاط حقوقى، وتحول البعض من ممارس للفعل السياسى إلى مجرد مرآة للمجتمع المدنى الغربى العالمى الذى بدأ فى تحويل حالة النخبة المصرية فى كل المجالات إلى عمل مفرَّغ من المضمون، ويراعى مصلحة الأجنبى أكثر مما يراعى المصلحة الوطنية!

إن التمويل الاجنبى هو إحدى» ظواهر التحول إلى العولمة بغير هوية، نعم إننا بلد عاش بلا هوية سياسية منذ العام 2000 تحديداً وحتى 30 يونيو 2013، وخلال هذه الفترة كنا بلداً يتخبط فى فضاء دول لها أجندات خاصة بها ويفقد إرادته بشكل تدريجى، إن إعادة إنتاج النخبة المصرية على أسس الهوية المصرية الوطنية والمؤمنة بالله هو جزء من عملية إنقاذ مراكز القرار الوطنى من الانهيار الذى أصابها خلال عقود تلاعبت بها السلطة تارة والدولار تارة أخرى.

رئيس حزب الجيل الديمقراطى