رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورث الإخوان المسلمين نظام مبارك كاملاً


فروض الولاء والطاعة التى قدمها التيار الإسلامى فى مصر أغضبت جموع المصريين ليس لأنهم يريدون حرق السفارة ومعاقبة القائمين عليها كما يتصور البعض خطأ ولكنها مواقف كشفت التلاعب بالعمل السياسى على حساب الدين

إن الصحوة الإسلامية التى بدأت فى نهاية السبعينيات ظهرت نتيجة للفشل الذى منى به العالم الإسلامى جراء سياسة الحلول المستوردة من علمانية وشيوعية واشتراكية وهلم جرا. وهذه الأنظمة وإن تربعت على العروش وتحكمت فى رقاب الناس لكنها فى واقع الشعوب كانت بعيدة كل البعد من حيث زعزعة التدين بل كان التدين وسط هذه الشعوب يزداد كلما ازداد فشل هذه الأنظمة فى البلاد الإسلامية، فكلما تأزم اقتصاد بنى على النهج الرأسمالى أو الاشتراكى، وكلما خاب مشروع وحدة قومية أو انتكس أمل شيدته أوهام الدعاية الغربية كان هناك شىء من ذلك فقد اشتدت روح القنوط من النظم والمناهج الغربية التى سادت العالم الإسلامى فى زمان الغفلة ولذلك بدأت العودة إلى الإسلام من الجذور وأصبحت تتنامى يوماً بعد يوم إلى أن قامت الثورة الإسلامية فى إيران فى عام 1979م، ودكت حصون الطغاة الشاه وأتباعه.

وقد أذهلت هذه الثورة الإسلامية فى إيران الغرب ممثلاً فى الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا، كما أذهلت العالم كله بسبب القوة التى أظهرتها هذه الثورة والإقدام والفداء الذى أظهره الشعب الإيرانى محركاً بدافع الإسلام فقد أثبتت الثورة الإسلامية فى إيران قوة الإسلام فى تحريك الجماهير لاسترداد حقها المسلوب وكشف النقاب عن طاقة هذا الدين المكنون فى ضمير جماهير المسلمين ولعل الملاحظ للثورة العربية التى بدأت فى العام الماضى وزلزلت عروش الفساد فى كثير من البلاد الإسلامية يلاحظ أن المحرك الأول لهذه الثورات الجماعات الإسلامية بل الإخوان المسلمين على وجه التحديد، وإن ثورة 25 يناير المصرية هى مصرية من الدرجة الأولى. والواقع أن الطريق إلى السلطة أمر مشروع بشرط إعطاء إشارات للمجتمع والدولة أن هذا الوصول لن يكون أبدياً ولن يكون على حساب الدستور وقوانين الدولة، وهو ما جرى عكسه تماماً فأديرت عملية تشكيل اللجنة التأسيسية بشكل خاطئ وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن مرشحها لانتخابات الرئاسة فى الوقت الذى تستهين فيه بقوانين الدولة التى ترغب فى حكمها، وترفض أن تكيف وضعها مع أى قانون حتى تستمر خارج الرقابة وفوق الدولة وقوانينها.

قدمت جميع الأحزاب الإسلامية بما فيها الحزب الإخوانى الحاكم فروض الولاء والطاعة للأمريكان والبيت الابيض وإدارته وقد عمل التيار الإسلامى على عدم إغضاب الجانب الأمريكى والشهير بالعم سام حتى لاينزل غضبه عليهم لأنهم يعلمون أن غضب العم سام عنيف والذى أذاقهم المرار قبل وصولهم للسلطة كما هو الحال بالنسبة للإخوان أو اعتقالهم ووضعهم على قوائم سوداء والاحتجاز داخل جدران سجون جوانتانامو وهو حال الفصائل الإسلامية الأخرى والمعروفة بالجماعات الإسلامية، وهذا ما كشفت عنه الأزمة الراهنة على خلفية الفيلم المسىء للرسول الكريم ـ صلى الله وعليه وسلم.

فالاحتجاجات التى قامت فى محيط السفارة الأمريكية واختفت منها التيارات والفصائل والذى وصل الأمر إلى إصدار بيانات تحمل فى شكلها الفتاوى بالتحريم لمحاولات اقتحام مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية فى القاهرة، كما حدث فى بنغازى وأدى إلى مقتل السفير الأمريكى وثلاثة من مساعديه احتجاجاً على الفيلم المسىء للإسلام ونبيه الكريم وهو ما خشى الإخوان الفريق الإسلامى الحاكم فى مصر ومعه التيار السلفى واكتفوا ببيانات تندد بالعمل ولكنهم لم يحملوا الإدارة الأمريكية المسئولية واكتفوا بالمسئولية التى ألقوها على صناع الفيلم ومنتجيه من أقباط المهجر.

ولعل المشهد الرسمى لحزب الحرية والعدالة قد كشفه البيان الصادر باللغة العربية والذى ندد بالفيلم والأمريكان.. فى الوقت نفسه صدر بيان آخر على نفس موقع الإخوان باللغة الأمريكية يدين مقتل السفير الامريكى فى بنغازى وهو ما جعل الخارجية الأمريكية تعلق على البيانين بقولها إنها تجيد قراءة العربية وهو ما يعنى أن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية قد قرأتا ما نشر على موقع الإخوان باللغتين العربية والإنجليزية ويحمل كل منهما إدانة عكس الأخرى.

فى الجانب الآخر وداخل حزب النور السلفى أعلن عن وقفات احتجاجية أمام المساجد بعد أداء شعائر صلاة الجمعة الماضية، مندداً بمحاولة الخروج بمسيرات إلى ميدان التحرير، معلنين عن الأسباب التى دعتهم إلى ذلك هى اندساس بعض البلطجية وفلول الحزب الوطنى المنحل لصفوف الغاضبين بمحاولات لاقتحام السفارة الأمريكية وهو لا يأتى ضمن خطة احتجاج السلفيين.

فروض الولاء والطاعة التى قدمها التيار الإسلامى فى مصر أغضبت جموع المصريين ليس لأنهم يريدون حرق السفارة ومعاقبة القائمين عليها كما يتصور البعض خطأ ولكنها مواقف كشفت التلاعب بالعمل السياسى على حساب الدين كما أن المواقف المتناقضة للإسلاميين خلال الأزمة كشفت عن ازدواجية المعايير لهذه التيارات والتى تحمل عداءً تاريخياً للسياسة الأمريكية ولكنها لا تريد الكشف عنها فى الوقت الراهن حتى تصل إلى السلطة وفى حال وصولها كما فعل الإخوان فلن يغضبوا الأمريكان أيضاً حتى لا تسقطهم وتساعد آخرين فى الوصول إليها.

العلاقة بين الأمريكان والإخوان بدأت قبل قيام ثورة يوليو وذلك بعد انهيار الامبراطورية البريطانية حيث كانت العلاقة بين الإخوان والإنجليز مستمرة ما دامت مصالحهما لا تتعرض للمخاطر ثم تحولت تلك المصالح الإخوانية مع الأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت أمريكا هى القوة العظمى بجانب الاتحاد السوفييتى ولكن نظرا للتغيرات الاستراتيجية جعلت الإخوان يتجهون لأمريكا، خاصة بعد قيام ثورة يوليو والتى أظهر الغرب عداءه الشديد لها لأنها لن تحقق مصالحه إلى جانب العداوة التى ظهرت بين قائد ثورة يوليو جمال عبد الناصر والإخوان والتى جاءت على خلفية محاولة اغتياله فى المنشية عام 1954 والذى تسبب فى الحرب المعلنة بين التيارين الناصرى والإخوان والذى استمر لما بعد الحقبة الناصرية إلى اليوم وهو ما جعل الرئيس محمد مرسى الإخوانى يتجاهل ذكر قائد الثورة جمال عبد الناصر أثناء الاحتفال بها خلال العام الجارى، متخطياً منجزاتها ومذكرا بالمهالك التى لحقت بالإخوان خلال هذا العهد كما قال مرسى أثناء الاحتفال فى يوليو. فروض الولاء والطاعة بين الإخوان والسلفيين لن تنتهى مع الأمريكان فى ظل الهيمنة الأمريكية على الساحة السياسية العالمية فى ضوء المتغيرات والمصالح المشتركة بينهما، فرغم أن المواجهة الأولى فى المصالح قد باتت فى ناحية الأمريكان والذين راهنوا على وقوف التيار الإسلامى إلى الجانب الأمريكى فى القضايا التى يحاول الأمريكان الهروب منها داخل العالم الإسلامى بالاحتماء بالتيارات الإسلامية والتى يتشدق بها ذلك التيار الدينى ويستخدمها أداة للحصول على الأصوات الانتخابية بهدف الوصول إلى الحكم كما فعل الإخوان المسلمين فى مصر مؤخراً. موقعة السفارة الأمريكية وحمايتها بشكل متخف من جانب التيار الإسلامى قد تؤدى إلى انهيار شعبيته فى الانتخابات المقبلة لاسيما التصريحات المستفزة التى أصدرها قادة ذلك التيار وسوء تقديره لإدارة هذه الأزمة والتى جاءت منحازة للجانب الغربى بشكل استفز الأفراد والجماعات غير المنتمية إلى العمل السياسى.

■ أستاذ القانون الدولى