رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوعد المشئوم... والوعد المنسى


الشعب المنبوذ لا يمكن أن يحل مشكلته داخل التشكيل الحضارى الغربى عن طريق الاندماج فى المجتمعات الغربية، وإنما يمكنه حلها من داخل التشكيل الاستعمارى الغربى عن طريق التحول إلى مادة استيطانية نافعة بيضاء توطن خارج أوروبا فى أى بقعة فى آسيا أو أفريقيا.

عذراً إن كنت كتبت هذا المقال بعد الوعد المشئوم، فكدنا ننسى يوم الثانى من نوفمبر، وهو اليوم الذى صدر فيه وعد بلفور المشهور، ونحاول أن نتذكره الآن، لكى نعلم مدى المؤامرة التى تستكمل حلقاتها، وتسعى مصر جاهدة لإسقاط تلك المؤامرة.. فى عام 1905 التقى آرثر بلفور رئيس الوزراء البريطانى العالم اليهودى حاييم وايزمان، سأله بلفور مباشرة، لماذا لا يوافق اليهود على مشروع وطن قومى لهم فى البرازيل أو أوغندا، فرد عليه وايزمان بسؤال: هل توافق أن تأخذ باريس عوضاً عن لندن، فاستغرب بلفور السؤال وقال: ولكن لندن موجودة بالفعل، فرد عليه وايزمان بأن أورشليم كانت لليهود عندما كان مكان لندن مستنقعاً، وحدث جدل عنيف بين الرجلين، بلفور كان يرى فى المشكلة اليهودية أزمة دينية على المستوى البروتستانتى، وقد لخص فكرته فى المقدمة التى وضعها لكتاب «تاريخ الصهيونية، لمؤلفه سولوكوف، والتى يقبل فكرة المستوطن اليهودى خارج أوروبا، لأن العرق والدين والوطن أمور مترابطة فى حالة اليهود، كما أن ولاءهم لدينهم وعرقهم أعمق بكثير من ولائهم للدولة التى يعيشون فيها.

ولكن بلفور فى نفس الوقت يرى أن هذا الشعب العضوى المختار هو أيضاً جماعة أجنبية معادية تؤمن بدين هو محل كره متوارث من المحيطين بها، أدى وجودها فى الحضارة الغربية إلى بؤس وشقاء استمرا دهراً من الزمان وتطلب أن يرتاح المجتمع البريطانى من هذا الفائض البشرى غير المنتج الذى يتعاظم عدده كلما مر الوقت، ولأن تلك الحضارة لا تسـتطيع طرد أو اسـتيعاب هذه الجماعة، فهم يتسببون فى كوارث تحيق بإنجلترا، وانطلاقاً من هذا، فقد تبنى قانون الغرباء تعبر عن رغبته فى التخلص من اليهود لخدمة الحضارة الغربية، فالشعب المنبوذ لا يمكن أن يحل مشكلته داخل التشكيل الحضارى الغربى عن طريق الاندماج فى المجتمعات الغربية، وإنما يمكنه حلها من داخل التشكيل الاستعمارى الغربى عن طريق التحول إلى مادة استيطانية نافعة بيضاء توطن خارج أوروبا فى أى بقعة فى آسيا أو أفريقيا.

وهو ما جعله يفكر فى وطن بديل لليهود أو أوغندا أو البرازيل أو أى مكان، ولكن وايزمان تمكن إقناعه أخيراً بأن اليهود يريدون أرض الموعد ليجتمع الشعب والكتاب والأرض، وأنهم يحملون قيم الحضارة الغربية وأنهم شهود حى على صحة العهد القديم، وأنهم فى فلسطين يمنعون أى وحدة عربية فى المستقبل، وبعد لقاءات متعددة وحيل مختلفة اقتنع بلفور بحق اليهود فى وطن قومى لهم فى فلسطين، ولذلك أصدر وهو وزير للخارجية عام 1917، الوعد المشهور الذى أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، وفى جلسة مجلس العموم البريطانى فى ذاك اليوم وبعد صياغة الوعد، هرول وايزمان – وكان حاضرا - إلى التليفون مبشراً زوجته قائلاً: المولود ذكر، وأيد الوعد معظم دول أوروبا وأمريكا، وهكذا صار أشهر وعد فى التاريخ، والذى لم ينفذ منه حتى اليوم حق الشعب العربى فى فلسطين، وفى هذه الأيام نسترجع ذكرى الوعد ونحن نعيش أخطر من أيام إطلاقه، لنعلم أن الصهيونية والإرهاب وجه واحد مقيت لتحقيق ما فى الوعد، حفظ الله الجيش وحمى مصر.

كاتب