رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة عزل السادات لمبارك كنائب لرئيس الجمهورية


فى يوم الاثنين الموافق 2 يونيو 1980 تلقى الرئيس السادات أول تحذير من صديقه الرئيس الأمريكى جيمى كارتر تجاه النائب مبارك فى شكل ملف كبير أرسله كارتر للسادات مع مندوب رفيع المستوى قابل السادات سرا.

قصة عزل السادات لمبارك كنائب لرئيس الجمهورية

إن مبارك كان عاشقاً للتجارة يستمتع بعقد الصفقات التجارية العسكرية وهو ما كان يهم بريطانيا بالأخص وعندما ساءت العلاقات المصرية السوفيتية لم يكن فى القاهرة أحد يمكنه الاستمرار فى التعامل والتحدث والتوسط بين السادات مع الروس سوى مبارك الذى يعرف اللغة الروسية جيداً تحدثاً وكتابة، وكان يملك من الأصدقاء الروس فى موسكو ما لم يكن متوافراً للسادات نفسه، وكذلك كان مبارك له علاقات مع السعودية توصف بأنها علاقات خاصة جداً وهو السبب الذى جعلهم يوافقون سراً لدى وزارة الخزانة البريطانية على الاستمرار فى مساندة مصر فى شخص مبارك بأن استمروا فى دفع التزامات الضمان المالى السنوى المفروضة عليهم طالما استمرت المساعدات العسكرية لمصر حتى فى قمة العلاقات مع مصر 1979 وعام 1980 وهو ما كشفته الوثائق الرسمية.

المثير أيضاً أن العلاقة بين مبارك وبين لندن كانت متشعبة لحد كبير ومن المستندات السرية نجدها كانت مبنية على التعاون المشترك بينهم وبينه كشخص وإنها كانت علاقة تبادل ونفع فبقدر الاستفادة التى حصل عليها مبارك سياسياً استفادت بريطانيا بالمليارات من وراء عقود المشتريات التى سيوقعها مبارك لحسابهم بعد ذلك، حيث نجد أنهم فى مقابل منح مصر ما تريده من معونات من مبارك أن ينظر ويقرر ويراجع العقود المصرية للمشتريات وهى العقود التى كان يتحكم فيها منفرداً بالأخص ملف التطوير الجوى على أن يوافق هو على التوقيع على شراء المعدات العسكرية البريطانية الصنع بجانب المعدات الأمريكية حتى تضمن لندن عميلاً وسوقاً جديدة بالشرق الأوسط لمبيعات الصناعات العسكرية البريطانية وهو ما تكشف عنه الوثائق الرسمية بشكل مباشر وأيضا دون تفنيد أسماء المعدات التى وافق مبارك على طلبها.

فى يوم الاثنين الموافق 2 يونيو 1980 تلقى الرئيس السادات أول تحذير من صديقه الرئيس الأمريكى جيمى كارتر تجاه النائب مبارك فى شكل ملف كبير أرسله كارتر للسادات مع مندوب رفيع المستوى قابل السادات سراً وسلمه الملف الذى ضم مستندات شديدة الخطورة قبلت من يومها الحسابات لدى السادات وبدلت وجهة نظره تجاه نائبه محمد حسنى مبارك. فى الواقع جاءت الخطوة بعد أن خطط كارتر بشكل مباشر لكشف النائب حسنى مبارك أمام السادات والعمل على كشف اتصالاته المريبة مع المرشح الرئاسى الأمريكى رونالد ريجان منافس كارتر الذى وجه يومها ضربة سياسية قاضية للحزب الديمقراطى برئاسة كارتر بسبب علاقاته العميقة مع نظام الخمينى الذى تسبب فى أزمة الرهائن الأمريكيين.

وأول ورقة فى الملف الذى أرسله كارتر لصديقه الرئيس السادات حصلت عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من غرفة نوم مبارك بواشنطن بعد أن كتبها مبارك بالقلم الرصاص على أوراق غرفته إلى رونالد ريجان منافس كارتر على الرئاسة أثناء إقامة مبارك فى واشنطن خلال الفترة من 23 مايو وحتى 26 مايو 1980 عندما أرسله الرئيس السادات برسالة شخصية منه إلى كارتر بشأن مفاوضات السلام والوضع النهائى فى تلك الرسالة بعد أن نجح علماء معاملهم وخبرائهم فى إظهار محتواها بدا مبارك وريجان وكأنهما يتفقان بكلمات تحمل أكثر من معنى على الخطوط العريضة لتولى مبارك حكم مصر خلفا للسادات فى حالة فوز ريجان بالرئاسة.

وهو ما يتعارض مع فكرة ولاء مبارك الأعمى للنظام كما كان يعتقد الرئيس السادات وغيره، أما الأخطر فقد كان فى تقديرهم وتشكل خطورة يستوجب معها حماية الرئيس السادات فى مصر من نائبه حسنى مبارك والسادات رغم دهائه وعمق تفكيره إلا أنه كان يحاول أن يهتم بصحته كثيراً بخلاف عبدالناصر الذى كان يعمل لآخر نفس ويقرأ كل ورقة وكل صغيرة وكبيرة والسادات لم يكن «مجنون شغل» وبالتالى عندما كانت هذه التقارير ترفع إليه كان يحيلها إلى نائبه مبارك ومن هنا استغل مبارك هذه الفرصة لمعرفة كل كبيرة وصغيرة وأصبحت «بطن البلد مفتوحة أمامه» وكان نشيطا يجلس ليل نهار يشتغل ويتعلم ويقرأ ويعرف تفاصيل الأمور ومداخل البلد، خاصة أنه كان قبل أن يتولى منصبه هذا يجهل بأمور عديدة وليس لديه أى دراية بها حتى عندما كان يأتى القائد العام للقوات المسلحة المشير أحمد بدوى للسادات بحركة التغييرات والتى بالطبع تتضمن خروج بعض القيادات عن العمل كان يحيلها أيضا إلى مبارك.

وبالتالى كان مبارك يستغل هذا الأمر لصالحه والتعظيم من مكانته وسيطرته داخل القصر الرئاسى. فقد توقف السادات قليلاً وتذكر شكوى وشكوكاً بدت حقيقة ضد مبارك كان السادات قد سمعها عدداً من المرات من وزير الدفاع المصرى الجديد فى الواقع كانت شكوى وشكوك المشير أحمد بدوى ــ وزير الدفاع الجديد يومها ــ من تدخل مبارك فى كل كبيرة وصغيرة بشأن المشتريات قد نبهت عقل السادات ولأن الفريق كمال حسن على كان قد ترك لتوه وزارة الدفاع ليتولى وزارة الخارجية وبسبب خبرته الطويلة فى الدفاع ولأنه عاصر مبارك منذ بداية تعيينه نائباً فى 14 أبريل 1975 فقد دعاه السادات وسأله بشكل مباشر عن حقيقة شكوى أحمد بدوى وشكوكه ضد النائب مبارك وهل سمع هو أو كان شاهدا على تصرفات من هذا النوع لنائبه وعندما ضغط السادات وأصر على الحصول على إجابات شافة أجابه كمال حسن على بالإيجاب وأن مبارك يسيطر بالفعل على المشتريات بطريقة مثيرة للجدل فقد فوجئ كمال حسن على بالسادات يطلب منه يذهب فورا ليخبر مبارك ليترك القصر الرئاسى ويذهب إلى بيته حتى يقرر الرئيس استدعاءه للعمل مرة أخرى.

■ أستاذ القانون ــ جامعة طنطا