رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى هوامش المشهد المصرى


حدثان شهدهما الواقع المصرى خلال الأسبوع الماضى وأراهما فى غاية الأهمية، ولكن للأسف لم يحظيا بالإبراز الإعلامى المناسب ولم يلتفت إليهما المحللون السياسيون والمهتمون بالشأن العام، بالقدر الواجب. أما الحدث الأول فهو مناورة القوات المسلحة لعبور القناة، وأما الحدث الثانى فهو زيارة البابا تواضروس الثانى لروسيا
أبدأ بالحدث الأول حيث قامت قواتنا المسلحة بإجراء مناورة ناجحة لعبور قناة السويس، وتم الإعلان عنها بشكلٍ منفصل عن المناورة الكبرى التى سبقتها بعدة أيام وأُعلن عنها تحت مسمى «بدر 2014» والتى تعد أكبر مناورة للقوات المسلحة فى تاريخها العسكرى. وأعتقد أنه كان يمكن الإكتفاء بتلك المناورة الكبرى والإعلان عنها فقط، باعتبار أن عبوراً للقناة لابد أن يندرج ضمن محاورها التكتيكية، ولكن أن يتم إعداد وتنفيذ مناورة مستقلة لعبور القناة والإعلان عنها رسمياً، فذلك ما أراه جديراً بالاهتمام والتحليل, وأظن أنه ينطوى على مدلولات عديدة منها ما يلى:

(1) إن حجم المخاطر التى تهدد الدولة المصرية أكبر بكثير مما يتصور البعض، وأن التآمر عليها من قبل محور الشر الأمريكى - الغربى لم ولن يتوقف، بل وسيزداد حقداً وتصعيداً بعد أن استطاعت مصر بثورتها فى 30 يونيو 2013 أن توقف المخطط اللعين لتدمير وتقسيم المنطقة العربية، وأن هذا التآمر قد يصل إلى دفع الكيان الصهيونى لحربٍ عسكرية ضد مصر على نحو ما حدث سنة 1956، أو التدخل العسكرى المباشر من قبل قوات التحالف الدولى المشبوه تحت زعم محاربة الإرهاب فى كل مكان، وبالطبع يمكنهم تصنيف سيناء كأحد أماكن الإرهاب التى تهدد السلم الدولى. ولقد سبق أن أشرت إلى هذا الاحتمال فى مقالاتٍ سابقة.(2) إن الإرهاب الذى تشهده سيناء وإن كان مخططاً له خارجياً، إلا أن الأخطر أنه لا يعتمد على القدرات الذاتية للجماعات الإرهابية المنفذة له، ولكنه يقوم على إمداداتٍ عسكرية متطورة تتدفق إليه من الخارج، وهو ما يحتم شن حرب عسكرية تقليدية على جيوش الإرهاب التى يبدو أنها تنامت بشكلٍ ملحوظ فى سيناء، وبالتالى فقد تكون مناورة عبور القناة إنذاراً بهذه الحرب المرتقبة.

(3) إن المناورة تحمل رسالة واضحة إلى إسرائيل، بأن أى اتفاقيات أو معاهدات لن تعيق مصر أو تمنعها من الدفاع عن أمنها القومى مهما كانت الظروف والاعتبارات.

(4) إن القيادة السياسية تدرك بوعىٍ تام وتقديرٍ سليم كل ما يحيط بالوطن من مخاطر، وتملك بإذن الله كل مقومات وأدوات المواجهة للحفاظ على كيان الدولة المصرية.

أما الحدث الثانى الذى يوجب لصاحبه كل الاحترام والتقدير، فهو زيارة البابا تواضروس الثانى لروسيا، وهى أول زيارة خارجية له منذ اعتلائه كرسى الباباوية، بل هى أول زيارة من نوعها. ولقد كان لقاؤه مع سيرجيو لافروف - وزير الخارجية الروسى - فى غاية الأهمية، حيث بحثا أوضاع المسيحيين فى العراق وسوريا وحمايتهم فى ظل الحالة المتوترة بالمنطقة، وسبل تعزيز العلاقات القديمة بين الكنيستين المصرية والروسية، وقد عبّر البابا عن تقديره للرئيس عبدالفتاح السيسى، وأن سلامة واستقرار مصر يضمنان استقرار الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط. كان هذا هو الخبر الذى بثته وسائل الإعلام، وأعتقد أنه يبرز ويؤكد الدور التاريخى الوطنى للكنيسة المصرية ويبعث برسالة واضحة للجميع مفادها أن الكنيسة المصرية لن تخضع أبداً لأى ضغوط أو إملاءات سياسية أمريكية، وأنها ترعى المصالح المسيحية بعيداً عن المزاعم الغربية الزائفة التى ما كانت إلا لتأليب المسيحيين فى الشرق واستخدامهم ضد أوطانهم. إن هذه الزيارة بتوقيتها و مدلولها ونتائجها تستحق قدراً أكبر من التحليل والتثمين، فهى بلا شك ستزيد من عناصر القوة التى تحظى بها القيادة السياسية فى مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواءَ السبيل.

لواء بالمعاش