رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى أسرار حرب أكتوبر


فى الفترة السابقة لحرب أكتوبر كنت فى السنة الثانية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وكانت الجامعة والوسط الطلابى «ترمومتر القلق» الذى يعيشة الشعب المصرى كله وتحديداً منذ 1972 عندما ترددت عبارات زادت من إحباط الجبهة الداخلية فما بالكم من الموجودين على خط النار مثل «اللاسلم واللاحرب»، وأن عام 72 هو «عام الضباب» الذى جاء نتيجة الحرب بين الهند وباكستان واندلعت المظاهرات بالجامعة الرافضة لأى محاولات لتكريس الأمر الواقع واستمرار أمد الانتظار الأمر الذى مثل ضغطاً متزايداً على الرئيس أنور السادات ومن حسن حظه فى ذلك الوقت أن الإعلام لم يكن فيه أشكال إعلامية تحث على الحشد والتحريض وتضخيم الأحداث.

كان الإعلام فى ذاك الوقت أقرب ما يكون للإرشاد والتعبئة والرأى الواحد المتمثل فيما تريده سلطة الحكم، ولكن الحركة الطلابية تحديداً فى جامعة القاهرة لم تقتنع بمبررات تأجيل استعادة الأرض وتحرير سيناء وبعد مرور 41 عاماً على حرب أكتوبر نؤكد أن كل ما طُرح من مبررات لتأجيل المعركة كان مقصوداً للتغطية، أو بالأحرى التعتيم على عمل عظيم يجرى التخطيط له فى صمت تام وتحمل الرأى العام تبعات هذا التعتيم وجاء استمرار حالة الغليان الشعبى متزامناً مع رؤية السادات فى عدم الإفصاح عن حقيقة الوضع القتالى للقوات المسلحة.. ما أدى إلى وقوع العدو فى شرك الاسترخاء ولم تساعده تقارير الاستخبارات التى ترد إليه يومياً من واشنطن والعواصم الغربية حول حالة الجبهة العسكرية بين مصر وإسرائيل فى كشف عملية الاستعداد للحرب على الجبهة المصرية.

ولم تكن جبهة الجولان فى سوريا مختلفة من حيث الهدوء والصمت ولو كان إعلام 73 مثل إعلام اليوم، فلنا أن نتخيل ماذا كان سيحدث من تهييج للجبهة الداخلية، ولكن يبدو أن لكل أيام رجالها فإن شخصية السادات لا تتفق مع هذا النوع من الإعلام الذى نعيشه اليوم، وإن كنت أرى أن صورة التمويه على العدو كانت ستكون أكثر حبكة مما كانت عليه حينذاك ولهذا كانت معارك 6 أكتوبر مفاجأة للجميع فى الداخل والخارج وكما يقولون «الحرب خدعة» فقد نجح أنور السادات فى أن يخدع الجميع ويحقق عنصر المباغتة، فجاء صباح يوم السبت السادس من أكتوبر عام 1973 هادئاً وتوجه الناس إلى أعمالهم ولم يكن يبدو فى الأفق أى شىء غير عادى.

وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل فى يوم العطلة الأسبوعية التى تزامنت مع الاحتفال بأحد أعيادهم الدينية وهو «يوم الغفران أو كيبور» وعندما دقت الساعة 1400 بدأت الضربات الجوية الأولى بشكل مفاجئ وغير متوقع من حيث التوقيت والحجم وأعقبها قصف مُركَّز بالمدفعية على طول خط القناة، ثم بدأت الموجات الأولى للعبور وفتح سلاح المهندسين الثغرات فى خط بارليف الذى وصفه الإعلام الإسرائيلى بأنه لن يُقتحم ولا حتى بالقنابل الذرية، فجرى اقتحامه وتفجيره بالمياه وخلال ساعة ظهر للعالم كله الموقف مصر وبدأت معركة التحرير.. وفى الجبهة السورية تحرك السوريون لمواجهة العدو على نفس النسق ولاشك أن هناك وثائق عن حرب أكتوبر لم تظهر بعد سوف تكشف أبعاد قرار الحرب رغم الضغط والغليان الشعبى وكيف لم يؤثر ذلك فى معنويات المقاتلين على خط النار الذين أذهلوا العالم لحظة العبور من غياهب الهزيمة إلى فرحة الانتصار، حيث ترددت فى الآفاق عبارة واحدة «الله أكبر» كان لها فعل السحر فى النفوس وربما كانت هى كلمة السر لنصر أكتوبر المجيد!!

رئيس قطاع الأخبار سابقاً