رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبلاء لا يموتون


كلنا سنموت .. وإن تعددت الأسباب .. فقد رحل عن دنيانا .. ابن القرية العامل البسيط والمناضل .. الذى حفر لنفسه مكانة فى قلوب كل المصريين .. من خلال مشواره الطويل وجهاده المستمر والوقوف فى خندق الغلابة والمساكين .. فى قرية الدواخلية المتاخمة لمدينة المحلة الكبرى كانت النشأة.. وكانت المرارة التى تذوقها وهو صغير.. لم يعش حياة الرغد ولم يعرف عنها التكسب من عالم السياسة.. فهو المغموس من رأسه إلى أخمص قدميه فى حب الوطن.. فى شركة «مصر للغزل والنسيج» بالمحلة الكبرى بدأ مشواره النضالى عاملاً بسيطاً فارتفع صوته وأصبح هو دون غيره المنادى دائماً بحقوق العمال والواقف على الدوام فى خندق المقهورين والمكلومين.. يومها لم يرق للرئيس الراحل أنور السادات ما يقوم به ابن القرية أبو العز الحريرى .. فكان قراره بنقله للعمل فى إحدى الشركات بمدينة الإسكندرية.. وهناك حملوه على الأعناق .. واختاروه نائباً عنهم فى كل انتخابات .. ليكون رفيقاً للعظماء «محمود القاضى وحلمى مراد وقبارى عبدالله وعادل عيد وممتاز نصار.. إلخ» فى مجلس الشعب كان أصغر الأعضاء سناً عام 87 ، وفى عام 81 كان ضمن من قيدت حريتهم من شرفاء الوطن.. أبو العز كان من أوائل من رفض معاهدة «كامب ديفيد» وما تحويه من عزله وتقييد للإرادة.. تحت قبة البرلمان كان معارضاً شرساً لم تلن له قناة .. أرهبوه وسجنوه وسحلوه إلا أنه كان عند عهده ووعده .. لهم بالمرصاد .. فى كل انتخابات كانت الجماهير تحمله، إلا أن تعليمات الأمن بل النظام كانت تقف حجر عثرة أمام وصوله إلى البرلمان وفى عام ٢٠٠٠ عندما أُجريت الانتخابات تحت الإشراف القضائى كان الأول على منافسيه.. وكان من هتافات أنصاره «يا أبو العز قووول قووول على غلوووا علينا الفول» وعُرف بقوته فى تقديم طلبات الإحاطة وتصديه لطموحات المفسدين وعلى رأسهم أحمد عز وعصابة الأربعين حرامى.. تصدى لفساد الحزب الوطنى .. وامتد موقفه للوقوف ضد صفقات حزب «التجمع» الذى ينتمى إليه والتى كانت تبرم بليل مع قيادات الحزب الوطنى .. أبو العز هو من وقف ضد سياسات الترقيع والأمركة والإنزواء وانتهاء دور الدولة .. عندما تولى الإخوان الحكم كان لهم أيضاً بالمرصاد وكان من نصيبه علقة ساخنة نالها ربما لأنه صاحب الصوت المسموع والكاشف لما كان خافياً على الجميع.. من أول وهلة كشف أباطيرهم وزيف مشروعهم الفوضوى.. وما يريدونه للبلاد من خراب وهدم وتدمير.. فى كل المواقف الوطنية كان فى مقدمة الصفوف.. وبدلاً من تكريمه جوزى بالمطاردة والملاحقة.. فناله جزاء سنيمار المهندس الذى شيد قصراً أنيقاً وبدلاً من تكريمه، جوزى بالإعدام حتى لا يشيد قصراً آخر.. ضد الصهاينة كانت مشاركاته فى المظاهرات، مما دعا وسائل إعلامهم إلى وصفه «بالعدو اللدود» .. قال للسادات «لا» فأسقط عنه عضوية البرلمان.. وقال لمبارك «لا» فى الوقت الذى كان فيه الإخوان يعقدون فيه الصفقات سراً وعلانية.. أبو العز الحريرى هو من رفع شعار« لا» فى وجه كل المتآمرين والخونة والعملاء.. رحل بجسده المنهك من هموم تعترى أمته ومسيرة الوطن.. إلا أنه سيظل نبراساً وعلامة مضيئة أمام كل الراغبين فى غد أفضل والطامعين فى مستقبل مشرق.. رحم الله أبو العز الحريرى العامل والمثقف والمناضل .. جزاء ما قدم للبلاد من ضحيات وإيثار .. وكفاه أنه عاش فقيراً ومات فقيراً، لم يتكسب طوال مشواره السياسى كما فعلها ويفعلها آخرون.

وكيل وزارة الأوقاف - بكفر الشيخ