رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تصدير المستورد


لا تسمح قوانين بورصات القمح العالمية لأى دولة فى العالم بتصدير أقماح غيرها وكل دولة مسئولة عن تصدير قمحها فقط لتتحمل مسئولية فساده أو تسممه ولا تدعى أن مصر مثلا قامت بتسميم القمح للإساءة لسمعة القمح الأمريكى
بورصات الغذاء العالمية علم كبير وقوانين صارمة لا تسمح بأى استغلال أو خداع أو عمل يتسم بالنصاحة. فعندما يقنع وزير التموين الصحافة والإعلام ويظهر المتحدث الرسمى للوزارة يتحدث بغير علم على أن مصر ستستورد القمح العالمى فى أوقات انخفاض أسعاره لتعيد تصديره بضعف الثمن، فهذه أمور تجعلنا أضحوكة أمام العالم بأن مصر ليس لديها خبراء وأنها عادت إلى مصاف الدول المتأخرة التى تبحث عن المال بأى ثمن وبعيدا عن العلم والأصول.

لا تسمح قوانين بورصات القمح العالمية لأى دولة فى العالم بتصدير أقماح غيرها وكل دولة مسئولة عن تصدير قمحها فقط لتتحمل مسئولية فساده أو تسممه ولا تدعى أن مصر مثلا قامت بتسميم القمح للإساءة لسمعة القمح الأمريكي، بل إن الأمر يصل إلى تحريم تصدير المنتجات المصنعة من قمح ليس منتجا محليا لأى دولة بمعنى أنه لا يمكن لمصر مثلا أن تصدر مكرونة للدول المجاورة إلا إذا كانت مصنعة من قمحها المحلى فقط، أى أن الدنيا ليست سايبة وهناك قوانين صارمة لمن لا يعلم. أما نكتة أن مصر تشترى القمح وتخزنه فى صوامعها فى أثناء انخفاض أسعاره ثم تعيد بيعه فى أوقات ارتفاع الأسعار وكأننا فى سوق ساقية مكى للخضراوات، أو كأن العالم يشجع الاستغلال والاحتكار، فليس لها وجود لأن لبورصات القمح قواعد صارمة وهى تمنع شراء أكثر من ثلاث شحنات قمح من أى منشأ خلال أى مناقصة وألا تزيد الشحنة عن 60 ألف طن فقط، وللبورصة إذا ما شكت أن هناك استغلالا لانخفاض الأسعار ومبالغة فى الشراء بقيام دولة ما بالشراء يوميا مثلا بأن تقوم بإيقاف التعامل وفورا مع هذه الدولة ومنع بيع القمح لها من البورصات العالمية حتى تحافظ البورصة على حقوق المصدرين ومنع استغلال ونصاحة الفكر المستغل.

ونحن نوجه بعض الأسئلة لمسئولى الدولة حتى لا يسيروا وراء وزير التموين: مثلا هل يمكن لمصر أن تصدر موالح إلى روسيا فتقوم روسيا بإعادة تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبى متربحة منها، أم أن هذا يعد استغلالا لصادرات دولة أخرى؟! وهل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستورد قمصانا مصنعة من القطن المصرى ثم تعيد تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبى سواء بتغيير بياناتها أو بالإبقاء عليها، وهل تقبل أى دولة فى العالم أن تستورد ملابس قطنية من أمريكا وهى من غير صناعتها؟! وماذا لو أضافت أمريكا ميكروب الجرب مثلا للقمصان المصرية؟! هل يمكن لمصر أن تشترى الجلباب الأبيض الصينى وسجادة الصلاة ثم تقوم بتصديرها إلى السعودية فى موسم الحج متربحة من نصاحة وزير؟!

وهنا نتطرق للسؤال الخاص بالعودة للقمح وأوهام وزير التموين هل يمكن مثلا لمصر أن تستورد قمحا ثم تحوله إلى دقيق لإستغلال طاقات الطحن الزائدة لتصدره للدول الخليجية والأفريقية؟! والإجابة بالنفى ولا يمكن إلا إذا كان مصنعا من أقماح غير مستوردة!، وهل يمكن للسعودية أن تستورد قمحا وتطحنه فى مصر، الإجابة أيضا بالنفى فإما أن تستورده دقيقا من المصدر مباشرة وإما أن تقيم مطاحنها بداخلها!.

ففكرة هذا الموضوع والتى تقدمت بها إلى وزير التموين ورئيس الوزراء عام 2005 وقت عملى فى وزارة التموين، واستولى عليها الوزير الحالى ويريد تطبيقها بغير علم لخباياها كانت استغلالا لما قامت به البرازيل بتأجير مخازن للسكر وبعض منتجاتها فى سبعينيات القرن الماضى فى لبنان بحيث تقرب المسافة للمستوردين، لأن السكر البرازيلى يأخذ شهرا كاملا فى الإبحار للوصول إلى الشرق الأوسط بخلاف وقت الشحن والتفريغ وتكون هذه المخازن مثل القواعد العسكرية وتحت تصرفها الكامل وإدارتها عند التعاقد مع دول المنطقة لأى من هذه البضائع، على أن يكون التسليم من لبنان. هذا الأمر عند تطبيقه مع أمريكا وروسيا وأستراليا وفرنسا يعنى أن نقيم لهم مخازن «وليس بورصات» فى الموانئ المصرية يديرونها بأنفسهم وبعيدا عن أى تدخل مصرى «وفى هذا بعض الخطر على الأمن القومى المصرى والتجسس» لتسليم القمح وغيره إلى الدول المتعاقدة من الموانئ المصرية، وتستفيد مصر فقط من رواج موانيها ودخول وخروج السفن الأجنبية وما تدفعه من رسوم ولكن مصر ليس لديها أصلا شفاطات لنقل القمح من الصوامع إلى السفن وإنما العكس لنقل القمح من السفن إلى الصوامع لأننا دولة مستوردة، بالإضافة إلى حتمية إقامتها لهذه المخازن فى موانئ مفتوحة وليست ممرات مائية يسدد عنها رسوم باهظة لعبورها. وزير التموين يقول إن تخزين القمح فى محور القناة سيستفيد منه 16 مليار مستهلك عربى وأفريقى بينما عدد سكان العالم 7 مليارات فقط؟!

أستاذ بكلية الزراعة - جامعة القاهرة