رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توجيهات الرئيس.. وأجهزة الدولة


تبدو الوزارة كما لو كانت لم تدرك خطورة انقطاع الكهرباء إلا بتوجيهات رئيس الجمهورية، وهو أمر فى غاية الخطورة لو صح، وهو غير مقبول، وإذا لم يصح يكون وضع الإعلام فى حرج، حيث يقحم رئيس الجمهورية فى ما لا يجب إقحامه فيه، ويضعف من ثقة الشعب فى حكومته...
معروف أن مصر دولة مركزية يلعب فيها رأس الدولة دوراً مهماً فى حياتها وبغض النظر عن الدستور وعن لقبه، فرأس الدولة كان فرعوناً، وأحياناً إمبراطوراً، وعزيزاً ووالياً، وخديوياً وسلطاناً وملكاً، وأخيراً رئيساً للجمهورية وظلت مصر معلقة بدرجة كبيرة بما يصدر عن رأس الدولة فى جميع الأحوال، صحيح أنه فى أغلب الأحوال لم يكن هناك دستور يحدد سلطات رأس الدولة، وربما لم يكن هناك ما يحدد السلطات عموماً، لكن من الواضح أن وجود الدستور لم يغير من الأمر كثيراً، فقد ظل رأس الدولة مطالباً من الشعب بمواجهة متطلباته وتلبية احتياجاته، وبذلك اضطر فى أغلب الأحيان إلى التدخل خارج سلطاته الدستورية، كما إننا لا بد من أن نعترف بأن أى شخص يجد أنه يستريح أكثر بممارسة سلطات أكبر، أى أن السلطات الأكبر توفر له قدرة أكبر على مواجهة المسؤوليات التى يواجهها، وهى فى الوقت نفسه توفر له درجة أعلى من الراحة.

ولقد طالما عبنا على أجهزتنا وإعلامنا فى فترات سابقة الحديث دائما عن توجيهات الرئيس، وهو ما لانعترض عليه لو أن هذا هو الواقع، حيث يبدأ أى مسؤول حديثه عما فعله جهازه أو إدارته أو ما شابه ذلك بأنه «بناء على توجيهات السيد رئيس الجمهورية» ويستكمل بأنه عمل كذا وكذا، وحقق كذا وكذا ومنع كذا وكذا. وهو ما قد لا يكون هذا هو الواقع، حيث يفترض أن العمل يجرى وفقاً للخطة المتفق عليها من أول السنة المالية ووفقاً للميزانية التى صدق عليها المجلس.

دفعنى إلى هذا الحديث واقعتان أثارتا أسئلة لدى المواطنين، فقد أشار السيد رئيس هيئة قناة السويس إلى أن حفر القناة «الجديدة» سيحتاج ثلاث سنوات، فى حين أمر السيد رئيس الجمهورية بأن يتم العمل فى سنة واحدة وفسر ذلك بأنه أعمال حفر على الناشف، وأنه إذا كان العمل سيتم بثلاثين شركة فلتكن سبعة وأربعين، وإذا كان العمل سيكون وردية واحدة فلتكن ثلاث ورديات. من جهة أخرى نجد أن وسائل الإعلام تناقلت خبراً بأن السيد رئيس الجمهورية اجتمع مع السيد رئيس الوزارة وأنه وجه بوضع خطة للإسراع بحل أزمة انقطاع الكهرباء التى أثرت على حياة كل المواطنين بلا استثناء تقريباً.

هذا دفعنى ودفع غيرى إلى السؤال: هل كان مطلب إنهاء حفر القناة الجديدة فى سنة أو أقل أو أكثر غائباً عن تخطيط المشروع؟ وهل كانت هناك إمكانية لإنهاء العمل فى سنة وأصررنا على أن يتم فى ثلاث سنين، ولماذا؟ وهل يتطلب الوضع الجديد إمكانيات لم تكن متوافرة فى التخطيط الأول بحيث كان توافر إمكانيات جديدة مبرراً لانقطاع الزمن اللازم للحفر؟ ومتى توافرت الإمكانيات الجديدة؟ أخشى ما نخشاه أن يكون رئيس الهيئة الهندسية قد وافق على طلب الرئيس وفى ذهنه أن يطلب مطالب جديدة ولكن ليس على مرأى ومسمع من الجمهور. المشكلة لن تكون خطيرة لو أن متطلبات الخطة الجديدة توافرت، ولكن إذا لم تتوافر، فسيصبح موقف الرئاسة والهيئة الهندسية وهيئة قناة السويس فى حرج. وبالتالى ستكون مصر فى خطر.

نفس الموقف تقريباً فيما يتعلق بمشكلة انقطاع الكهرباء حيث تبدو الوزارة كما لو كانت لم تدرك خطورة انقطاع الكهرباء إلا بتوجيهات رئيس الجمهورية، وهو أمر فى غاية الخطورة لو صح، وهو غير مقبول، وإذا لم يصح يكون وضع الإعلام فى حرج، حيث يقحم رئيس الجمهورية فى ما لا يجب إقحامه فيه، ويضعف من ثقة الشعب فى حكومته، وكان يمكن القول إن رئيس الجمهورية راجع مع وزير الكهرباء ورئيس الوزراء خطة الحكومة لعلاج مشكلة انقطاع الكهرباء وقد يكون وجه لبعض النقاط التى يراها مهمة ولكن فى إطار الخطة.

هكذا يكون الإعلام عاملا فى معاونة الدولة فى حل المشكلة وهو أمر مهم للغاية فى الفترة الحالية، ويجنب الرئيس والأجهزة الحرج ويزيد من الثقة فى النفس. وهكذا لا نستمع مرة أخرى للأسطوانة المشروخة عن « توجيهات السيد رئيس الجمهورية».

خبير سياسى واستراتيجى