رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احنا بنشك ليه؟


يحكى أن سيدا غنيا أقام حفل عشاء فخما، ودعا أهل مدينته لحضوره وأبلغهم بأن هناك مفاجأة ستعلن فى نهاية الحفل. لما اقترب موعد العشاء، اجتمع أهل المدينة أمام القصر يتساءلون عن سبب هذه الدعوة. فقال واحد منهم «لا شك أن السيد يريد أن يجمعنا كلنا فى قصره لكى يقبض علينا ويسجننا. لأنه ربما قد لاحظ تقصيرا فى عملنا أو اكتشف سرقتنا له» قال آخر «إن السيد حريص على أمواله فهو لابد سيطالبنا بديوننا، فهى فرصة ليطالبنا بالدفع». وأضاف الثالث «لا شك أن السيد سيلزمنا بدفع الفوائد المتراكمة علينا، فسيستعبدنا ويستعبد أولادنا، وما هذا العشاء إلا حجة لتقييدنا بسندات وفوائد ترافقنا حتى الموت».

فبدأوا فى الانسحاب من أمام القصر ورفضوا الدعوة مشككين فى نية السيد من اقامة هذا الحفل. إلا شابا واحدا كان يستمع إلى أحاديث أهل المدينة، لكنه لم يكن موافقا على شكهم وصمم على الحضور.

جاء موعد الحفل، أقفل باب القصر، قدم العشاء الفخم، وفى نهاية الحفل، أعلن السيد المفاجأة «أن كل من حضر الحفل ستسقط عنه كل الديون والفوائد المتراكمة عليه». فخرج الشاب فائزا، بينما خسر كل أهل المدينة هذه الفرصة بسبب شكهم وسوء ظنهم . هذا هوحالنا كمصريين، أصبحنا نشكك دائما فى كلام المسئولين، الوزراء والقيادات.. فقد فقدوا مصداقيتهم لأن تصريحاتهم على مر السنوات والعقود كانت أكبر من الأفعال؟ أصبحنا لا نثق فى قدرات أو وعود أى مسئول أو فى نيته بأنه يعمل لصالح الوطن وليس لمصالحه الخاصة، حتى القوانين التى تصدرأصبح الشك يلازمنا بأنها لمصلحة أحد بعينه . صحيح أن الشك مفتاح الحقيقة وأساس الحكمة . صحيح أن «أعمق موضوع فى تاريخ الإنسان هو صراع الشك»، كما قال «جوته». وأنه من المهم أن يصاحبنا الشك حتى نصل به إلى اليقين. لكن مشكلتنا الآن... أننا أصبحنا نشك فى الجميع... فى قدراتهم... فى نياتهم .الشك أصبح يصاحبنا طوال الوقت حتى أننا أصبحنا «مرضى الشك». أصبحنا كمصريين نشك حتى فى أنفسنا، فى قدراتنا، فى امكانيتنا الفكرية، العقلية، الاقتصادية والعلمية.

إننا نشك فى نوايا ووعود الرؤساء، الوزراء، المحافظين، أعضاء مجلس الشعب، رجال الأعمال، القوى السياسية، رجال القضاء، الشخصيات العامة، الإعلاميين، الكل مشكوك فيه وفى نواياه .

الشك أصبح راسخا فى قلوب وتراث المصريين من تكرارالكذب والوعود الزائفة والاحلام الوردية التى عاشوها على مر العصور وتحطمت بالسراب والفشل والفساد الذى أحاط بهم .

من المسئول؟ هل الشعب أم الرؤساء؟ هل الشعب أم المسئولون؟ هل الشعب الذى صدق أم الرئيس أو المسئول الذى وعد؟ أم هى مسئولية الاثنين معا.

فى مرحلة بناء مصر الجديدة، على المسئولين... على جميع القيادات فى جميع المجالات... أن يعلموا» أن وعودهم مشكوك فيها وأن عليهم أن يتحملوا شك المصريين فيهم حتى يروا هذه الاحلام واقعا يعيشونه. وعلى المصريين.. أن يشاركوا المسئولين فى تحقيق الحلم بالعمل والجهد.