رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحديثُ موصولٌ لفضيلة الإمام الأكبر


تناولتُ فى مقال يوم الخميس الماضى، ما تتعرضُ له أمتنا العربية من تآمر وحروب شعواء لتفتيت وحدتها وطمس هويتها وتقزيم دورها فى الحضارة الإنسانية، ولقد كان اعتقادى وما زال أن العداء للأمة العربية نابعٌ من فكْرٍ وعقيدة أكثر من أى شىء آخر...

... ولذا فقد سبق أن طالبت بأن يكون الحوار والتفاوض مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حواراً عقائدياً لتصحيح ما لديهم من فكْرٍ مغلوط، وليس مجرد تفاوض دبلوماسى يقومُ على تبادلِ المصالح. ومن ناحية أخرى فقد ناشدتُ فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن يتبنى مؤتمراً لتصحيح الفكْر وتوحيد الصف، ويُدعَى إليه ممثلون عن كلِ الفصائل المتحاربة وأنظمة الحكم وفقهاء الدين ورموز الفكْر المستنير، ثُم تصدرُ بناءً عليه وثيقةٌ من الأزهر الشريف توضح للأمة معالم الطريق الصحيح من الوجهة الشرعية. بعد نشْر ذلك المقال، تلقيتُ اتصالات عديدة من المهتمين بالشأنِ العام ما بين مؤيدٍ ومُعارض، وأعرض لوجهة النظر المُعارضة وردى عليها فى النقاط التالية:-

(1) تساءلَ البعض كيف نقبلُ تفاوضاً بين الدولة وجماعات إرهابية؟ والرد أن المقترح ليس تفاوضاً، فالتفاوض هو مقايضةٌ للمصالح للوصول إلى حلٍ وسط بين طرفين، وأما المقترح فهو حوارٌ دينى على قاعدةٍ علميةٍ رصينة لتصحيح معتقدات خاطئة أو استجلاء حقائق صحيحة.كما أنهُ حوارٌ لا تُجريهِ الدولة وإنما يضطلعُ بهِ الأزهر الشريف منارة الوعى الإسلامى ومنبر الوسطية الرشيدة.

(2) ظنَ البعض أن مجردَ الحوار مع مثل تلك الجماعات والفصائل، يُعدُ تقنيناً لأعمالها الإرهابية أو استسلاماً لها. والردَ على ذلك بأن مُفترض الحوار سيكون بالفحصِ والتمحيص لمرجعياتِ تلك العناصر والمعتقد الذى أودَى بها إلى مستنقع التحارب ودِنو الأعمال الإرهابية، وبالتالى فهو لن يكون أبداً تقنيناً أو استسلاماً لأى عملٍ غيرِ مشروع، ولنتذكر أن العرب أبرموا معاهداتٍ بعد تفاوضهم مع إسرائيل وهى دولةٌ إرهابية من الأصل، ورغم أن التفاوض غير الحوار فإنهُ لم يُرتب تقنيناً أو اعترافاً أو استسلاماً لأعمالها غير المشروعة.

(3) قال البعض إن قادة تلك الجماعات والتنظيمات والفصائل، لا يحملون أى فكْر إسلامى ولا يدينون بدينِ الحق وأنهم مأجورون لتنفيذ مخططات دولٍ وأجهزة استخباراتٍ أجنبية، وأنهم فقط يرفعون شعاراتٍ دينيةٍ لا يعرفون عنها شيئاً، وأنهم لذلك سيرفضون المثول لأى حوار. والرد على ذلك بأن الحوار بآلياتهِ المُقترحة وسواءً بمثولهم أو عدمه، سيكون أفضل وسيلة لإقامة الدليل على صحةِ هذا القول، وبالتالى تستبين الشعوب العربية حقائق الأمور والأحداث وتتوحد قناعتُها وإرادتُها ومسيرتُها فى الاتجاه الصحيح، وهذا هو الهدف الأعظم المنشود.

(4) افترض بعضُ المعلقين سلامة وإخلاصِ نوايا أى من هذه الجماعات وعدم فساد معتقداتهم، وتساءلَ عن جدوىالحوار إذا كان قصدهم الوصول للسلطة وإصرارهم على الحكم؟ والردُ ببساطة أن هؤلاء لو كانوا حقاً أصحاب نوايا حسنة وعقيدةٍ صحيحةٍ خالصة وفكْرٍ واعٍ مستنير، فسيكون الحوار معهم أسهل وأجدى، لأن ولايةَ الأمر فى الإسلام لها منهجها وشروطها وضوابطها الشرعية، وبالحوارِ والحُجة يتّضِح السبيل القويم، ومن خرجَ عليهِ وجبَ قتالهُ.

(5) أما عن دواعى تمثيل الحكومات فى هذا المؤتمر المقترح فذلك لكونها الطرفَ الآخر فى كلِ الأحداث الدامية التى تشهدُها الأرضُ العربية، ويتعينُ عليها أن تعرضَ ما لديها من معلومات وما ترصدهُ من وقائع، لتكون الصورة واضحة المعالم أمام علمائنا الأجلاء المأمول منهم هذا الدور التاريخى المرتقب. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

لواء بالمعاش