رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" ترصد المعاناة:

بالفيديو : الآلاف ينامون على أرصفة "القوى العاملة" في انتظار حلم السفر للخارج

وزارة القوي العالمة
وزارة القوي العالمة

عندما يتحول باب الرحمة للعاطلين إلى جحيم وجلاد لتعذيبهم، يقضي على ما تبقى لديهم من آمال، وعلى أعتابه يتذوق الآلاف مرارة الانتظار لأيام في الشارع بحثا عن قوت يومهم، مفترشين رصيف وزارة القوى العاملة تحت أشعة الشمس الحارقة، تمر عليهم الأيام والليالي كسنوات عجاف، حيث أصبح محيط الوزارة ساحة انتظار لأُناس جاءوا من أقاصي الصعيد والدلتا ململمين كل ما تبقى من أمل في حياة كريمة، تاركين وراءهم أطفال وزوجات يتضورون جوعا، بعدما لفظتهم قراهم ونجوعهم بلا مصدر رزق مناسب.

"حصيرة .. عربة فول .. راديو"، بهذه العُدة استعد الآلاف من الباحثين عن فرصة عمل للانتظار على رصيف القوى العاملة، لمدة قد تمتد لعدة ساعات أو أيام أو أشهر، افترشوا الأرض متوسدين أوراقهم، أملا في الفوز بفرصة عمل في إحدى دول الخليج العربي، ترتسم على وجوههم ملامح البؤس والإرهاق بعد قضاء ليلتهم الخامسة في الشارع وسط الكلاب الضالة والحشرات، تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة تكوي جلودهم بعيدا عن أهلهم، بسبب الروتين و بطء الإجراءات التي لم تراع ظروفهم، فضلا عن المماطلة سواء فيما يتعلق باستلام الأوراق اللازمة للتقدم للوظائف الخالية بالدول العربية، أو استيفاء إجراءات تسليمهم عقود العمل التي أرسلها لهم ذويهم من العاملين بالخارج.


أحمد السيد، ذو الستين عاما، افترش حصيرة لينام عليها إلى جوار سور الوزارة، جاء منذ أربعة أيام إلى القاهرة من محافظة سوهاج، بعدما علم بفتح باب تلقي طلبات العمل بدولة الأردن، إلا أن الموظفين ماطلوا في استلام الأوراق، فاضطر إلى المبيت في الشارع بعدما نفذت أمواله، ولم يتمكن من العودة إلى قريته قائلا : "استلفت أجرة السفر من أهل الخير عشان أقدم أوراقي للوزارة ، لكن فلوسي خلصت والوزارة مستلمتش أوراقي وكل يوم يقولوا تعالى بكرة، وبقيت قاعد على باب الله بشحت حق اللقمة ومش لاقيها".

وإلى جواره جلس رجب شحاتة، واضعا يده على رأسه مثقلا بالهموم ومتاعب الحياة، بعدما أنفق "تحويشة" عمره، وباع قطعة الأرض التي ورثها عن والده من أجل السفر للخارج بحثا عن فرصة عمل، وروى لنا شحاتة تفاصيل رحلة معاناته قائلا: "كنت بشتغل عامل بناء يوم بلاقي شغل ويومين مفيش. واليومية ما بين 70 - 80 جنيهًا، أقدر أعيش منها إزاي؟ وأصرف بيها على أسرتي وأولادي اللي بيدرسوا في المدارس والجامعة؟".

واتفق معه حسان محمد، مزارع، الذي وصف فرص العمل في مصر بـ"المنعدمة" خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي ترتبت على أحداث الثورة والمظاهرات، مشيرًا إلى أن العائد المادي لأغلب الوظائف لا تتناسب مع الغلاء الفاحش الذي يعاني منه المواطن البسيط.

وتابع :"اخويا الكبير سافر من سنتين إلى الأردن ووجد شغل كويس هناك، ومن 4 أشهر بعتلي عقد عمل في الأردن وجيت عشان استلمه من الوزارة، مش عارف هشتغل ايه هناك لحد دلوقتي لكن أي وظيفة ارحم من الجحيم اللي احنا عايشين فيه ده".

وأثناء تجول كاميرا الدستور بين طوابير العاطلين التي امتدت لعشرات الأمتار في محيط وزارة القوي العاملة، اعترض طريقنا الحاج سيد الأسيوطي، حاول منعنا من التسجيل مع المواطنين قائلا: "مش عايزين نشوه سمعة مصر .. إحنا صحيح عايزين نتغرب ونسافر لكن مش عايزين حد يستغل كلامنا ضد بلدنا اللي بنحبها ونفديها برقابنا .. ومهما اتغربنا مسيرنا هنرجعلها".

وتابع الحاج الأسيوطي: "كنت صاحب محل لبيع التحف والتماثيل الفرعونية في الأقصر؛ لكن الثورة خربت بيتي وتراكمت عليا الديون واضطررت لبيع المحل، و لم يعد أمامي سوى السفر إلى أحد الدول العربية، عشان أقدر أجهز بناتي الثلاثة اللي علي وش جواز، مراتي باعت ذهبها عشان أدفعها مقابل السفر للكويت، وفعلا قدمت الأوراق من 6 شهور حتى أبلغتني الوزارة بموعد استلام الأوراق استعدادا لاستخراج الفيزا والتأشيرة من سفارة دولة الكويت".

واستطرد: "أربعة أيام مرت وأنا مرمي في الشارع في انتظار نظرة رحمة من الحكومة عشان استلم أوراقي وأشوف حالي، ومش في جيبي غير 5 جنيهات ومقدرش ارجع قريتي في أسيوط ولا عارف اتصل أطمن أهلي عليا .. وبقيت عايش على أكل الفول من العربية كل يوم، ده غير المعاملة غير الآدمية اللي بنلاقيها من الموظفين ف الوزارة ".


أما زكريا ، 42 عام ، فهو أب لأربع أبناء، دفعته ظروف المعيشة الصعبة بقريته بمحافظة بني سويف إلى تقديم أوراقه لوزارة القوى العاملة للبحث عن فرصة عمل بدولة الكويت، عمل لفترة من الوقت كهربائي ثم ماسح أحذية و أخيرا بائع جرائد، لكنه فشل في توفير متطلبات أسرته من مأكل ومشرب وملبس، بالإضافة إلى عبء شراء العلاج لوالدته المصابة بالفشل الكلوي منذ 10 أعوام".

واستطرد زكريا: "لو كنا لقينا شغل مكناش اتغربنا واتبهدلنا بره بلدنا ووقفنا بالساعات في الشمس تأكل جسمنا".

واختتم زكريا حديثه بتقديم استغاثة إلى ناهد العشري، وزيرة القوي العامل، مطالبًا إياها بسرعة التدخل لإنهاء معاناتهم، التي استمرت لأكثر من خمس أيام، ينامون خلالها في الجوامع طوال الليل، ويظلون ينتظرون طوال النهار أمام مكاتب الوزارة، دون وضع حد لإنهاء الأزمة، وفتح باب الأمل أمامهم في العثور على فرصة للنجاة من الغرق في طوفان البطالة.