رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل مصر دولة بلا تقاليد ديمقراطية


أعداء الديمقراطية المؤمنون بها أصلاً ينطلقون بكثير من الزعيق والصراخ زاعمين بأن مصر ليست مؤهلة للديمقراطية، ويحاولون التخفيف من المعنى بالقول مصر سنة أولى ديمقراطية لتبرير إعادة إنتاج أنظمة القمع والفساد وكأن ثورة الحرية فى يناير

كانت حلم صيف قصير وانتهى. والواقع أنه ليس صحيحاً أن مصر دولة بلا تقاليد ديمقراطية أو أننا مازلنا فى مرحلة إعداد الشعب وتعليمه قواعد الممارسة الديمقراطية، فالتاريخ السياسى الحديث لمصر يزخر بالمواقف الحاسمة التى تشهد بالممارسات الديمقراطية ضد السلطة المستبدة، نذكر مثلاً بيان مجلس شورى النواب فى يناير 1879 الذى ورد فيه «نحن نواب المصرية ووكلاؤها المدافعون عن حقوقها المطالبون بمصلحتها» ووصف المجلس بأنه «أساس المدنية والنظام وعليه مدار العمران».

وهو السبب الموجب لنوال الحرية التى هى منبع التقدم والرقى وهو الباعث الحقيقى على بث المساواة فى الحقوق التى هى جوهر العدل والانصاف، ومن قبل ذلك بأكثر من نصف قرن فرضت الحركة الشعبية المصرية محمد على والياً على مصر، ورد فى محضر الاجتماع الذى تم بين زعماء الشعب ومحمد على أن للشعوب طبقاً لما جاء العرف قديماً ولما تقضى به أحكام الشريعة الإسلامية الحق فى أن يقيموا الولاة ولهم أيضاً أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنة العدل وساروا بالظلم.

نذكر أيضاً يوم تحطيم السلاسل فى ام 1930 عندما أمر إسماعيل صدقى- رئيس الوزراء- بإفلاق أبواب البرلمان بالسلاسل وحاصرت قوات البوليس المبنى حتى لا يمكن أعضاء البرلمان من مناقشة قراره بتأجيل انعقاد البرلمان لمدة شهر، وعندما وصل أعضاء المجلس طلب ويصا واصف رئيس مجلس النواب استدعاء قومندان قوة البرلمان وأمره بإزالة السلاسل، وفى فترة الكفاح الوطنى ضد دستور صدقى بعد أن ألغى دستور 1923، رفضت بعض المحاكم الأخذ بالقوانين التى تصدرها الحكومة بطريقة مخالفة للدستور. والتراث العربى تراث حافل بالحرص على الحرية وكان المصرى رفاعة الطهطاوى «1801-1873» هو الذى نوه قبل غيره بفكرة الحرية، ووحد بينها وبين مفهوم «العدل والإنصاف» فى التراث الإسلامى، ثم اعتبرها شرطاً لتقدم الأمة وتمدنها، وكانت طبيعة النظام العثمانى الاستبدادى والرغبة فى الحرية هما اللذان ولدا العمل البارع الذى وضعه عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه «طبائع الاستبداد». فحريتنا هى نحن، هى ذاتنا ومقوم ذاتنا، هى معنى أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحرية، وهكذا مثلت الحرية فى الثقافة العربية طوال عقود القرن العشرين رغبة عارمة وحاجة حيوية ومطلباً رئيسياً وشعاراً قوياً يرفعه على وجه الخصوص تيار «الفكر الحر» وتيار الاستقلال الوطنى على حد سواء ولدت قوة الدعوة إليها- أفراداً وجماعات وأحزاباً- «قطيعة» مع أحوال الماضى و«غاية» منشودة للحياة والمستقبل.

نعجب فى خلق الناس بالرفق والجود، والصراحة والنزاهة وصدق الإدراك والشعور، وهى الصفات التى تلازم الفشل فى نظامنا الاجتماعى، ونكره فى خلق الناس الشطارة والطمع، وحب الاستيلاء والخسة، والدناءة والأثرة والأنانية، وهى الصفات التى تلازم النجاح فى نظامنا الاجتماعى، وبينما يحترم الناس تلك الفضائل، فإنهم يعشقون نتاج كل هذه الرذائل.

■ أستاذ العلوم السياسية