رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على كنبة الموتى


من هناك.. على الكنبة الحمراء الطويلة.. الكنبة تبدو كقطار طويل، هادئ لا يشتعل ولا يصطدم بقطار آخر لأنه آخر قطار يتحرك إلى هنا فلا توجد محطات بعدها ولا توجد قطارات أخرى محملة بأحياء، لا أستطيع أن احدد ملمس الكنبة لكنها مريحة تحتفظ بأرقام،ومقاعد شاغرة، وأماكن فارغة لا يخطأ الموتى أماكنهم.. قاموا باستقبالى كمن خرج للتو من مباراة كرة قدم استطاع أن يغلب فريق دولة أخرى فى نهائى كأس العالم، استقبالى المشروط، أن استمتع بـ «دوش» ساخن بمياه يعتبرها الموتى هى الأنقى فى عالمهم المجهول..لا أستطيع أن أحدد إذا كان الماء ساخنا أم بارداً.. فالأموات لا يشعرون بالبرودة أو السخونة (كل ما قالوه لى: خذى «دوش» ساخن بماء نقى غير ملوث ولم يحمل على سطحه أى أموات من قبل أو يسبب أى أمراض.

نحن بالفعل إذن فى المحطة الأخيرة.. هنا على الكنبة الحمراء سأجلس.. تبدو تلك الكنبة مريحة امام شاشة كبيرة بحجم الفراغ لأشاهدكم منها.. سأشاهد الشوارع التى فرحت وحزنت وتشردت بها.. سأشاهد البلد الكبير الذى ولدت فيه.أعلم الأماكن بدون خريطة.. بل وأحدد نقاطاً أراها.. لا أشعر بسعادة أو تعاسة.. أرى على شاشة الموتى مبانى وميادين ومدارس ومطاعم وباعة وبهوات.. لكن على كنبة.. الكل سواسية.. فلا تتلاقى الأعين.. يتحدثون لكن لا ينظرون إلى بعضهم البعض.. هناك أطفال لا ينظرون أيضاً الكل وجهه إلى الشاشة ووجوه جامدة، غريبة قوانين هذه الكنبة وغريبة عادات الموتى علينا كأحياء فى عالم الموتى لا يوجد مقهورون، ولا مظاليم، ولا بؤساء، ولا أراضٍ محتلة، ولا قتلى محروقون، ولا أطفال حضنت حبات التراب أجسادهم الضئيلة وتركت كفوف صغيرة ملوثة بالدماء بجانب دُمى وعرائس عجوزة لكن غير مهشمة رؤوسها.. سليمة لتقرأ سيناريو الجريمة لكل عابر سبيل ولنا نحن الموتى على الكنبة أيضاً لنتعرف على أصدقائنا القادمين المنضمين الجدد.. الشاشة التى أمامى منقسمة إلى قسمين جزء أبيض بنور (به أخيار، مازلوا يحتفظون بوجوههم كل من أفاد العالم)، وجزء أسود محروق وكأن الشمس لم تره يسير فيه الأحياء بدون رؤوس تائهون يتزاحمون ويرى الموتى خط سيرهم وكأنه شريط فيديو.هنا على الكنبة فى رقمى الصحيح .. ظهر هو على الشاشة، أعرفه هذا لقد أحببته يوماً ما، مع أنى قد أحببت غيره ولكن هذا كان الأخير، سراً يخفى الأموات على الأحياء ما يرونه، وما يشاهدونه، وما يسمعونه وهذا قانون وجودى هنا (الكتمان) سأحتفظ بجزء لنفسى.. سأروى ما رأيته على كنبة الموتى.. لكن لن أخبركم فى أى جزء من الشاشة.. كان فى جزء الأخيار (الجزء الأبيض) أم فى الجزء (فى الجزء المظلم).الموتى لا يأكلون ولا ينامون ولا ينظرون إلى بعضهم ، الموتى يشاهدون، يفكرون ويتذكرون ويرسلون أرواحهم إلى الأماكن والأحباء والأعداء... من على كنبة الموتى تنطلق الأرواح وقتما تشاء تعبر البوابات والسجون، والأبواب والحراس كل ما صنعه الأحياء، كنبة الموتى لها قوانين تحدثنا عن: أولا: الكتمان..ثانيا: لا أحد يستطيع ترك مقعده بكنبة الموتى.. فقط تطير الأرواح.. سأعرفكم على البقية لاحقاً فإقامتنا هنا تبدو طويلة.. للحديث بقية