رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أسرار 3 يوليو 2013


فى هذا اليوم توجهت صباحا إلى مكتبى بماسبيرو وكنت أعلم أن الساعات المقبلة ستكون فارقة فى تاريخ الوطن خاصة أن النظام الإخوانى الحاكم فى ذلك الوقت قد فقد سيطرته على مفاصل الدولة لاسيما الجيش والشرطة والإعلام وكل الأجهزة السيادية فى الدولة وأصبح محمد مرسى معزولا فى قصر الاتحادية ولم تكن لديه قناة اتصال غير الارشاد.

القوات المسلحة أصدرت عدة بيانات بدأت بالمطالبة بضبط النفس وصولا إلى اعطاء الجميع بمن فيهم مؤسسة الرئاسة مهلة للخروج بالبلاد من الموقف العصيب الذى تمر به لكن بعد نزول الجماهير يوم الأحد 30 يونيو انطلقت الثورة بشكل جعل أحد المذيعين فى التليفزيون الرسمى يطلق على أحداث الـ 30 من يونيو (ثورة) الأمر الذ جعل الوزير يثور ويطلب وقف المذيع وتحويله للتحقيق فورا ولكن تسارع الأحداث وإعلان اتحاد الإذاعة والتليفزيون تأييده للثورة وضع الوزير الإخوانى أمام الأمر الواقع.

فى يوم 3 يوليو لم أتحدث إلى الوزير ولكن كانت كل الاتصالات تتم عبر رئيس الاتحاد وقد ساعدنى ذلك على إدارة التغطية بهدوء بعيدا عن أى ضغوط واعطاء الفرصة للفريق المعاون ومن تحت رئاستهم العمل وفق ما يمليه عليهم ضميرهم المهنى وكان متوقعا أن يصدر بيان عن القوات المسلحة فى الساعة الرابعة ولكن الوقت مر ببطء وامتلأت الشوارع والميادين بالجماهير وأغلق مبنى ماسبيرو أبوابه وأحكمت السيطرة الامنية عليه مما اضطر الوزير إلى مغادرة المبنى للمرة الاخيرة عصر هذا اليوم ربما بتعليمات من مكتب الارشاد.

صعدت إلى مكتب رئيس الاتحاد لإدارة الموقف فى إطار مايشبه القيادة الجماعية ومرت الدقائق ساعات ونحن فى انتظار اللحظة الحاسمة إما بالنقل على الهواء لإذاعة بيان الجيش أو وصول البيان مسجلا وساد الجميع قلق لاسيما بعد ما دخلت ساعات المساء حيث تجهز غرفة الأخبار نشرة التاسعة الرئيسية وفى الساعة الثامنة مساءً جاء أول اتصال من إدارة الشئون المعنوية مفاده أن شريطا يتحرك نحو مبنى ماسبيرو برفقة احد قادة القوات المسلحة.

وكنت أتابع من مكتب رئيس الاتحاد التحرك لحظة بلحظة بينما الفريق المعاون وفرق العمل على أهبة الاستعداد سواء فى صالات تحرير الأخبار أو استديوهات الهواء فيما توقعت وصول الشريط إما قبل نشرة التاسعة أو إثنائها وفى كل الأحوال اتفقنا على أنه بمجرد وصول الشريط تضم كل القنوات المرئية والشبكات الإذاعية على استديو 11 الخاص بالأخبار بإشارة معينة وهى إذاعة أغنية (مصر تتحدث عن نفسها) بعدها يبدأ بث موحد بالإذاعة والتليفزيون . وفى الساعة الثامنة و50 دقيقة مساء وصل الشريط وانتقلنا إلى الاستديو وفى الساعة التاسعة حبسنا الأنفاس حتى سمعنا صوت أم كلثوم يشدو ويتوحد الارسال وتسلم مذيع الاستديو مقدمة الخبر ليقدم الخبر الذى ينتظره الملايين وتنضم كل القنوات الفضائية فى مصر والعالم العربى إلى التليفزيون الرسمى فيما طيرت الخبر العاجل وكالات الأنباء وكثير من المحطات الإخبارية العالمية .وبدء الفريق أول عبدالفتاح السيسى ــ وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ــ يلقى البيان فى مؤتمر حضره الرموز السياسية والدينية وأعلن الاستجابة لإرادة جماهير الشعب المصرى وسقوط نظام الإخوان وعزل محمد مرسى وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم حتى اجراء انتخابات رئاسية وحدد البيان خارطة للمستقبل من عدة نقاط تبدأ باعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه ثم تتوالى بعد ذلك بقية الاستحقاقات.فى استديو 11 لم يتمالك الجميع أنفسهم وسالت دموع الفرحة بنجاح الثورة وتعانقوا فى لحظة تاريخية اعتبرتها الإنجاز الأهم فى حياتى المهنية على مدار أكثر من 38 عاماً. وعندما غادرت المبنى فى الساعات الأولى من فجر يوم الرابع من يوليو شعرت بأننى أتنفس هواء مختلفا عن ذى قبل وسرت بين الآلاف الذين تجمعوا على كورنيش نيل ماسبيرو عادت البسمة إليهم وهم يرفعون علم مصر مؤكدين أنه لايصح إلا الصحيح!! للحديث بقية.

رئيس قطاع الأخبار السابق