رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللغةُ العربيةُ أمانةٌ لدى الرئيس


فى مقالى السابق الذى نُشر بهذه الصحيفة الغراء، تناولت موضوع اللغة العربية والحالة المتردية التى وصلت إليها على ألسنة المتحدثين بها، رغم أنها أسمى لغةٍ عرفتها البشرية، وقد فضّلَ الله أمة العرب فجعلها لغة القرآن العظيم، فصارت اللغةُ بالنسبة لهم ليست وسيلة للتخاطب والتعارف والحوار فقط
...وإنما أصبحت هى الحبل المتين والسبيل القويم الذى يربطهم بدستورهم المقدس مصدرِ عزتهم وكرامتهم وعروةِ وحدتهم وقوتهم وباعثِ نهضتهم وتقدمهم.

لقد أدرك أعداء هذه الأمة تلك الحقيقة، فجنحوا – فى سبيل تدميرها- إلى التغلغل فى أحشائها بكل الأساليب العلمية الدقيقة والتقنيات الفنية المتقدمة، لتشويه وتخريب وتغريب اللغة العربية، ضمن مخططٍ أكبر بمنظومةٍ أشمل للغزو الثقافى الذى لجأت إليه تلك القوى المعادية، بديلاً لوسائلها التقليدية القديمة العسكرية والاقتصادية، والتى لم تحقق أغراضها العنصرية الاستعمارية عبر قرونٍ طويلةٍ سابقة.

إن ما تشهده مصر منذ ثلاثة عقودٍ أو يزيد، من حربٍ شعواء ضد لغتها العربية، يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومى، لأن ضياع اللغة يعنى فقدان الهوية، وهو ما يؤدى حتما إلى التفكك والانحلال وسقوط الدولة. فإذا كان الغباء أو التخاذل فى التصدى لتلك الحرب يشكل خطيئةً كبرى من خطايا نظام مبارك، الذى تدهور التعليم فى عهده وانهارت الثقافة وقيم الإبداع، بل وصارت اللغة العربية محلاً للسخرية والتهكم حتى من قِبل أصحاب الأفلام السينمائية الهابطة، فإننا الآن ونحن نعيد بناء دولتنا الحديثة بعد ثورة30يونيو المجيدة، يجب علينا أن نفطن إلى هذا التحدى الخطير، وأن نشحذ الهمم ونوجه الطاقات الوطنية فى ملحمةٍ للدفاع عن لغتنا العربية والحفاظ على نقائها وشيوعها بين الكافة وعلى كل المستويات الشخصية والمؤسسية، وطرد كل ما عداها من لغةٍ مستغربةٍ أو ألفاظٍ مستهجنةٍ تسللت إلى مجتمعنا المصرى وباتت تهدد بطمس هويته وموروثه الثقافى ومرجعيته الأصيلة.

إننى أعتقد أن هذا الموضوع المطروح ليس بالأمر الهين، وأن مسئولية الاضطلاع به ومواجهة مخاطره تقع على كل مؤسسات الدولة الرسمية والخاصة والأهلية، وفى الوقت نفسه فإن التدقيق فى الحالة المصرية والغوص فى خبايا الصور المرئية يظهر لنا الأصابع الخارجية الآثمة التى تحاول تخريب لغتنا واقتلاع جذورها، وهو ما يمثل خطراً على أمننا القومى، وهو ما يدعونا لمناشدة الرئيس عبدالفتاح السيسى ليضع هذا الملف ضمن ملفات الأمن القومى التى يوليها اهتمامه الشخصى المباشر.

من ناحيةٍ أخرى فهناك بعض الخطوات التى يمكن للحكومة وأجهزتها المعنية، أن تبادر باتخاذها على طريق تصحيح المسار واسترداد قيمة ومكانة وأهمية لغتنا العربية، ولنبدأ مثلا بالمشتغلين بالقانون سواءً فى مجال الهيئات القضائية أو المحاماة أو كليات الحقوق أو الإدارات القانونية، فاللغة العربية بالنسبة لهؤلاء تعتبر أداةً رئيسيةً من أدوات عملهم، وبالتالى لا يسوغ تعيين أحد فى هذه المجالات إلا إذا كان متقنا للغة مجيدا للخطابة بها. وبنفس القدر يجب أن يكون الاهتمام بالإعلام وعدم السماح بالخطاب الإعلامى العام إلا بلغةٍ عربيةٍ صحيحة، مع وضع الضوابط المحكمة لاختيار المذيعين والمعدين وفقاً لذلك. وهكذا يمكن للحكومة أن تعمل على المحاور الأخرى، كالأزهر الشريف بدوره الرائد علمياً واجتماعياً، ووزارة الاوقاف بالتأهيل الجيد لخطباء المساجد وتدريبهم على الخطابة، ووزارة الشباب بمعسكرات ومسابقات توعية الشباب واستئصال ما اعترى السنتهم من شوائب، ووحدات الحكم المحلى وتفعيل دورها فى رقابة الاعلانات واسماء المحال والشوارع بما يتفق وصحيح اللغة.

إن أهمية لغتنا العربية فى الحفاظ على النسيج والكيان الوطنى ودعم بناء المستقبل، يدعونا للمطالبة باعتبار إجادتها شرطاً للحصول على حقوق المواطنة السياسية، ومسوغاً ضرورياً لتقلد المناصب العليا بالدولة .

حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعا سواء السبيل