رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الفوز أو الموت»

شعار الفاشية فى المونديال


 بسبب السياسة وصراع الأيديولوجيات إبان حقبة الحرب الباردة انفرط عقد منتخب المجر الأسطورى وتحول لاعبوه إلى لاجئين سياسيين فى مختلف الدول الأوروبية.

فقد نجا النجم الأسطورى «بوشكاش» من الموت رمياً بالرصاص بتهمة «الخيانة العظمى» على أيدى القوات السوفييتية التى اجتاحت المجر لقمع الثورة فى مطلع سبتمبر عام 56.

فحين وصل إلى الأراضى النمساوية عبر الحدود مختبئاً فى «شوال» فوق شاحنة تحمل أجولة بطاطس، أذاعت الـ «بى. بى. سى» أن «بوشكاش» نجا من مجزرة بودابست ونال حريته!

وكانت الإذاعة البريطانية قد أذاعت قبل ثلاثة أيام أن بوشكاش قُتل مع قوات المقاومة، وأن القوات السوفييتية تبحث عن جثته فى الشوارع.

وانتقل اللاعب الأسطورى من النمسا إلى إسبانيا ولعب لنادى «ريال مدريد» وقاده لأعظم أمجاده على مدى عشر سنوات.

وأثناء الغزو السوفييتى للأراضى المجرية كان فريق نادى «الهونفيد» المجرى يقوم بجولة فى أوروبا، وكان هذا الفريق يضم ستة من نجوم منتخب المجر الذهبى، فرفضوا جميعاً العودة إلى الوطن وتحولوا إلى لاجئين سياسيين فى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وصنعوا أمجاداً للأندية التى لعبوا لها.

أما حارس المرمى «جروشتس»، فقد ألقى القبض عليه وأودع المعتقل لمدة سنتين بتهمة الاشتراك فى انقلاب على نظام الحكم «الديمقراطى»، وبعد خروجه هرب إلى رومانيا على طريقة بوشكاش، ولكن داخل «كونتينر» يحمل قطع غيار لآلات زراعية.

ولم يكن منتخب المجر الذهبى هو الفريق الوحيد الذى حالت النظم الديكتاتورية والصراعات الأيديولوجية دون فوزه بكأس العالم عام 1954 ودون مشاركته فى كأس العالم عام ١٩٥٨ فى السويد، ولا كان نجمه الأسطورى بوشكاش هو النجم الوحيد الذى أقُصى عن المشاركة فى المونديال للسبب ذاته، فقد تكرر الأمر بعد عشرين عاماً مع منتخب هولندا الذهبى الذى كان مرشحاً دون منازع للفوز «بمونديال الأرجنتين» عام 1978 ومع نجمه الكبير «يوهان كرويف» الذى حُرم من المشاركة فى ذاك المونديال واضطر لإعلان اعتزاله بعد تلقيه تهديدات بالقتل إذا وطأت قدماه الأراضى الأرجنتينية.

فقد كانت الأرجنتين ترزح تحت حكم الديكتاتور «فيديلا» وكان الفوز بكأس العالم هدفاً استراتيجياً لترسيخ دعائم نظامه القمعى وتصدير صورة زائفة للعالم وتجميل وجه النظام الذى ارتكب مجازر وحشية طالت ثلاثين ألفاً من معارضى نظامه.

وأقيم المونديال فى مناخ مرعب ورغم ذلك صعدت هولندا للمباراة النهائية بعدما سحقت كل الفرق وصعدت الأرجنتين للنهائى بكل الطرق غير المشروعة «رشوة الحكام وإرهابهم وتهديدهم بالقتل، ورشوة حكومة «بيرو» بصفقة قمح مجانية وخمسة ملايين دولار للاعبى منتخب بيرو»، فقد احتاجت الأرجنتين للفوز 4/ صفر على بيرو لتصعد للنهائى بدلاً من البرازيل بفارق الأهداف.

وسجلت الأرجنتين بدلاً من الأهداف الأربعة ستة أهداف، وكانت فضيحة كبرى.

وفى المباراة النهائية، فوجئ المشاهدون بأن منتخب الأرجنتين تحول إلى وحوش كاسرة، وأن نشاطهم فى الملعب طوال المباراة ووقتها الإضافى غير طبيعى وفازوا بكأس العالم بعدما تغلبوا على هولندا «3/1».

وبعد سنوات قليلة سقط حكم الجنرال فيديلا، وتكشفت الفضائح ونشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تحقيقاً بعنوان «كيف سرقت الأرجنتين كأس العالم من هولندا»، وشمل التحقيق تفاصيل رشوة «بيرو»، فضلاً عن اعترافات طبيب الفريق الأرجنتينى بأن الفريق تعاطى منشطات بأوامر من «فيديلا»، وأن عينات «البول» التى كانت تُسلم بعد المباريات للكشف عن المنشطات لم تكن عينات اللاعبين المشتبه بهم، وإنما كانت عينات لصبية الملاعب، وأن إدارة منتخب الأرجنتين خدعت اللجنة الطبية التابعة للفيفا.

ولم يكن الجنرال «فيديلا» أول ديكتاتور يوظف المونديال ويستخدم كرة القدم كأداة لدعم نظام حكمه، فقد سبقه الزعيم الفاشى «بينيتو موسولينى» الذى رصد ميزانية ضخمة لاستضافة بطولة كأس العالم الثانية عام 1934، وذلك لكى يجعلها «فاترينة عرض» للأيديولوجية الفاشية.

وقبل بداية المونديال اجتمع موسولينى مع لاعبى المنتخب الإيطالى وقال: «الآن دخلت إيطاليا الحرب وليكن شعاركم «الفوز أو الموت» وليس أمامكم خيار آخر».

أما كيف فازت إيطاليا بكأس العالم، فعلى أشلاء الضحايا، فقد تحولت المباريات إلى ساحات قتال، وتحولت الملاعب إلى برك دماء واستقبلت المستشفيات 25 جريحاً من الفرق التى واجهت الفريق الإيطالى بعدما تعرضوا للضرب على مرآى الحكام.

وأما كيف كانت نهاية «الفاشية»، فكلنا نعرفها، وأما نهاية «موسولينى»، فقد مات معلقاً كالذبيحة من قدميه داخل محطة بنزين بإحدى المدن الشمالية بإيطاليا.

فقد تعرف الأهالى عليه أثناء هروبه من قوات المحور، ولم يسمحوا لأحد بالاعتداء عليه بعد تعليقه من قدميه.. سمحوا فقط لمن يرغب أن يبصق عليه