رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرص الضائعة فى حياة المصريين


توازى ذلك مع قيام «الجزيرة مباشر» بفتح شاشاتها لما قدمته باعتباره تعليقات المشاهدين، وهى تحمل قدرًا أكبر من التحريض والسب والتجاوز.

لقد كان أكثر ما يميز عصر مبارك هو أنه عصر الفرص الضائعة فرص عديدة كان يمكن أن تكون بداية حقيقية للتحرك إلى الأمام لاستعادة نهضة الدولة المصرية، لكنها ضاعت الواحدة تلو الأخرى وكانت الأخيرة فيها الانتخابات البرلمانية فى 2010 التى سبقت اندلاع الثورة بأقل من شهرين لكن تم إجهاض الفرصة كالعادة. إن واحدًا من أهم الأخطاء التى اتفق معظم المراقبين عليها هو تلك العلاقة المركبة بين جمال مبارك وأحمد عز وقد كان من أهم أسباب مشكلات مصر السياسية فى الفترة الخيرة وجود وسيطرة أحمد عز على الحزب الوطنى، وإزاحته لمعظم الحرس القديم أو تحجيمهم، واستغل قدرته المالية فى التحكم فى كل القواعد الحزبية، ويذهب البعض إلى أن وجود أحمد عز إلى جوارجمال مبارك، كان واحدًا من الأسباب المهمة فى زيادة نفور المصريين منه.

لقد كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2010 التى أدارها أحمد عز وجمال مبارك، هى المفجر لما شهدته مصر بعد ذلك حيث تم الاتفاق بين عز وجمال على الفوز بكل المقاعد إن أمكن لهم ذلك وبالتالى إسقاط جميع القوى المعارضة التى شاركت فى الانتخابات لكن مبارك الأب فوجئ بهذه النتائج وغضب غضبًا شديدًا لأن الأمور بهذا الشكل تتجه نحو الأسوأ وهو ما حدث بالفعل.

إن المجموعة التى أدارت الأزمة ومنهم صفوت الشريف وزكريا عزمى وعلى الدين هلال ومفيد شهاب وأحمد عز وبالطبع جمال مبارك، راهنوا على ثلاثة أمور الأول الاقتناع بتلك القوة الرادعة والمسيطرة لجهاز الأمن الذى نقل دائمًا الإحساس بالثقة إلى جميع المستويات فى الدولة وعلى رأسها مبارك الأب نفسه، والثانى هو التجارب السابقة لتلك الجماعات المعارضة، من مظاهرات وإضرابات لم تسفر إلا عن أخبار صحفية وتليفزيونية أما العامل الثالث الذى كان مستقرًا فى نفوس من أداروا الأزمة ابتداءً من 25 يناير فهو الإحساس، بل القناعة بأن المصريين لن يثوروا، وأنهم بطبيعتهم يرضون بما قسمه الله لهم، وتعاملوا مع الشعب باعتباره جثة هامدة إن الخط العام الذى تعامل المسئولون الرسميون فى إطاره منذ البداية، هو الخط الذى يتبنى الهجوم على الإخوان المسلمين، واتهامهم بأنهم يقودون البلاد إلى الفوضى، ويحاولون أن يحققوا أهدافهم الخاصة وهو الخط نفسه الذى تبنته وزارة الداخلية فى بياناتها، بدءًا من مساء الخامس والعشرين من يناير 2011. وفى هذا الإطار تمت إعادة بعض الحلقات لبعض البرامج الحوارية - عبر التليفزيون المصرى - تتبنى الهجوم على الإخوان، لقد كان واضحًا أن رد الفعل لدى الحزب الحاكم والحكومة لم يكن بالمستوى المتوقع فى الأيام الثلاثة الأولى من الاحتجاجات والمظاهرات، ولم يكن لدى هؤلاء القدرة على قراءة أن الشعب وصل إلى مرحلة لن يتجاوب فيها معهم، كان المصريون يحتاجون إلىالتغيير، الذى كان إحدى الكلمات الأكر حضورًا فى القاموس السياسى المصرى فى السنوات الأخيرة، لكن الطرف الآخر «النظام» كان يتعامل معه بقدر كبير من الحساسية، بوصفه شكلاً من أشكال الضعف أو لى الذراع. إنه فى «يوم 25 يناير بدت الصورة وكأن قناة الجزيرة قررت أن تكون طرفًا أساسيًا فيما هو حادث على أرض مصر فمنذ اللحظة الأولى ضربت القناة عرض الحائط بكل التقاليد المهنية، والأعراف المرتبطة بحياد وسائل الإعلام ومواثيق شرف المهنة، واتخذت اتجاهًا محددًا، ومارست قدرًا كبيرًا من المغالاة فى نقل الصورة، وتضخيم ما يحدث وتبنى توجهات المعارضة بشكل عام، والإخوان المسلمين على وجه خاص.

توازى ذلك مع قيام الجزيرة مباشر بفتح شاشاتها لما قدمته باعتباره تعليقات المشاهدين، وهى تحمل قدرًا أكبر من التحريض والسب والتجاوز، ضد النظام المصرى القائم وأركانه وقتئذ، والتأكيد من خلال هذه التعليقات على أن ما يحدث فى مصر هو ثورة مشابهة لما حدث فى تونس، رغم أن الأمور كانت فى بدايتها، ولم تكن تنبئ بذلك، ولم يكن مفهومًا على الإطلاق لقناة إعلامية اختيارها أن تكون طرفًا فى صراع مع نظام. حتى جاء خطاب الرئيس يوم الثلاثاء الأول من فبراير ليلعب على الوتر العاطفى لدى المصريين وإيقاظ التعاطف مع كبير العائلة، وساد الحديث فى الشارع وعلى الفضائيات عن هذا المعنى، معنى الاقتراب من الشخص والتعاطف معه. كانت هذه فرصة كبيرة أخرى أمام الرئيس مبارك، ينبغى استغلالها للخروج من المأزق، والوصول إلى بر الأمان بشكل يحفظ الحد الأقصى من المكاسب، على البر السياسى والانتقال السلمى للسلطة، وتحقيق مطالب المصريين أو الجزء الأكبر منها، لكن الوضع تغير تمامًا مع عصر اليوم التالى، عندما بدأت تتدفق على ميدان التحرير ألوف من المؤيدين لمبارك، ومع بعضهم أكثر من عشرين من الخيول والجمال، من أهالى «نزلة السمان»، وهى منطقة بالقرب من أهرامات الجيزة، يعيش أهلها على السياحة وذلك فى إطار الترتيبات التى كانت قد أعدت فى تلك الليلة لإعلان تأييد مبارك. لكن قناة الجزيرة أذاعت أن بعض المؤيدين لمبارك يستخدمون الجمال والخيول وهم يحملون الأسلحة والكرابيج والسيوف اقتحموا ميدان التحرير من أجل تفريغ الميدان وتفريق المتظاهرين.. إن الذين قادوا هؤلاء المتظاهرين للوصول إلى ميدان التحرير، هم الذين يتحملون وزر إفشال استغلال هذه الفرصة لحل الأزمة وهم الذين يتحملون مسئولية التطورات التى شهدتها الساعات التالية فيما بعد إن السياسة التى انتهجتها قناة الجزيرة دفعت بعض القنوات العربية الإخبارية الأحرى لأن تنحو نفس المنحى الذى اتخذته الجزيرة بدرجات متفاوتة، وذلك بعد أن شعروا بأنها سحبت البساط من تحت أقدامهم بتلك السياسة التحريرية وبهذا الموقف الحاد أنه قبيل إعلان تنحى رئيس الجمهورية بوقت قصير، كانت الصورة واضحة بأن كل طرف حسم خياره، الأول وهو الرئاسة والسلطة التى كان يديرها جمال مبارك بالمجموعة التى سبق الحديث عنها، والثانى وهو القوات المسلحة التى حسمت موقفها أيضًا بالوقوف إلى جانب الشرعية بمفهومها العام، أى بجانب الناس وليس بجانب النظام وأشخاصه، وتحالف معها فى هذه المرحلة جهاز المخابرات العامة، وكان الطرف الثالث هو الشارع، الذى كان يتعاطف مع مفهوم التغيير وإن كان انقسم بشأن حدود ذلك التغيير هل هو الإطاحة التامة بالرئيس؟ أم القبول بما طرحه من خريطة طريق للوصول إلى انتخابات جديدة فى أغسطس أو سبتمبر التاليين ثم يكمل مدته؟.. وللحديث بقية

■ أستاذ قانون دولى