رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحرش الجنسى.. الداء والدواء


إذا كان هذا حال بعض الشباب، فلماذا لا نبحث على وسائل حماية له، بعدما نبحث الأسباب الحقيقية وراء الظاهرة المتكررة، إنشاء صندوق لتزويج الشباب، يتولى شئونه عدد من الجمعيات الخيرية التى تكون مهمتها تزويج الشباب وتذليل ما يكتنفهم من عقبات.

ازدادت فى الآونة الأخيرة حوادث التحرش الجنسى فى مصر، ووصلت إلى وقوع تحرش جنسى بشكل جماعى عدة مرات، وهى ظاهرة جديدة على المجتمع المصرى، وتختلف فى جوهرها عن حوادث المعاكسات الفردية. اللافت فى الظاهرة هو الاتفاق والمجاهرة وعدم الاكتراث من جهة الشباب، وعلى الجانب الآخر ضعف الردع من جهة السلطات، ووقوف المارة وأصحاب المحلات دون حراك. ورغم أن المجتمعات الأوروبية تعانى مما هو أسوأ من الظواهر اللاأخلاقية مثل جرائم الاغتصاب، والاعتداء على الأطفال، وزنى المحارم، إلا أنه لا مقارنة بين مجتمعاتنا الإسلامية والمجتمعات الغربية التى لا تعترف أكثرها بحاكمية الدين على سلوكيات وأخلاقيات الفرد.

لفظ التحرش جديد على الثقافة العربية، وهو ترجمة عن كلمة إنجليزية، وقد عرّف بعض المتخصصين معنى التحرش الجنسى بأنه «أى قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه» ويغلب ذلك من الذكر تجاه الأنثى، وذكروا بعض الأمثلة على ذلك مثل: النظرة الخبيثة أو ذات المعنى للأنثى بينما تمر من أمام الشخص، والتلفظ بألفاظ ذات معنى جنسى، أو تعليق صور جنسية أو تعليقات جنسية فى مكان يعرف الشخص أنها سوف تراه، أو تعمد لمس المرأة وهى تسير فى الشارع أو داخل أجهزة المواصلات أو فى أى مكان آخر.

يرجع انتشار التحرش الجنسى فى مصر إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسى فى المجتمع، إن «التحرش لا يرتبط فقط بمناطق الفقراء فى مصر، بل إن بعض الأماكن الراقية يحدث فيها ذلك، إن فكرة الزواج انتابها خلل اجتماعى حيث أصبحت تعتمد بشكل كبير على المصلحة، ولهذا يصيب الأزواج الملل عقب الزواج، فلم يعد هناك صفات القدرة على الكفاح والتحمل التى كانت سائدة فى الماضى وتعطى الفرد الإحساس بالمسئولية والانتماء للمنزل.

إن قيم الحصول على كل شىء دون مجهود أضحت سائدة فى المجتمع. إن خوف الفتيات من عدم القدرة على الزواج دفعهن إلى الخوض فى علاقات عاطفية فى فترة مبكرة، وأصبح هذا يتم بعلم الأهل، كما انتشرت ظاهرة الخيانة الزوجية أيضًا بشكل ملحوظ.

إن الثقافة المصرية تغيرت «انظروا إلى أولادنا اليوم، لا يوجد شىء يملأ حياتهم باستثناء التليفزيون والإنترنت، والآن لدينا مشكلة الزواج المتأخر، وعندما تجمع كل هذه العوامل فى سلة واحدة تكون النتيجة مشاكل اجتماعية مثل التحرش، ارتباط التحرش بالاقتصاد حيث أرجع أسبابه إلى البطالة التى يعانى منها 20% من المجتمع المصرى، والتى تؤدى إلى العجز فى إشباع الاحتياجات الاقتصادية، أنه يتم إنفاق 18 مليار جنيه على المخدرات، التى تساهم فى تغييب الوعى وتساعد على انتشار التحرش.

إن مجتمع رجال الأعمال وتزاوج السلطة والمال هو أحد أهم الأسباب التى أدَّت إلى انتشار ظاهرة التحرش، وكذلك الفراغ الكبير الذى يعانى منه الشباب، أحدث إحصائيات وزارة الداخلية التى أكدت أن التحرش الجنسى أصبح يمثل 13% من مجمل الجرائم التى تُرتكب فى المجتمع المصرى بعد أن كانت تُمثل فقط 6% قبل أعوام قليلة. أسباب الظاهرة فى عدة نقاط وهى: غياب الرادع الأمنى، وغياب الأمن الجنائى عن الشارع، بالإضافة إلى تعامل الشارع باستهانة شديدة مع التحرش طالما لم يصل إلى حدِّ الاغتصاب، وسيادة ثقافة الصمت داخل المجتمع وخشية الأنثى من الإبلاغ عن الحادثة تجنبًا للفضيحة، وبعض الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن المناخ العام فى البلاد، والذى أدَّى إلى الإحباط الناتج عن البطالة وعدم قدرة الشباب على الزواج وغياب الوازع الدينى والأخلاقى. اعترف 62 % من الرجال فى مصر بالتحرش جنسيًا بالنساء، وأفاد 83 % من النساء بتعرضهن للتحرش، وقال نصفهن: إن ذلك يحدث معهن بشكل يومى.

إن التحرش ظاهرة حقيقية فى مصر، وقد ساءت هذه الظاهرة خلال العشر سنوات الماضية بشكل لافت، «حتى السبعينيات لم يكن هناك تحرش فى مصر إلا نادرًا، لكن الأمور مختلفة تمامًا الآن». إن نسبة المتحرشين تتفاوت حسب السن؛ حيث تبلغ النسبة لمن فى سن 18 حوالى 22%، ومن 18 إلى 24 حوالى 29%، ومن 25 إلى 40 حوالى 30% بينما تنخفض النسبة لمن فوق 41 سنة إلى 14%، إن طالبات المدارس هن الأكثر عرضة للتحرش، حيث أكدت 30 طالبة شاركن فى الدراسة أنه تم التحرش بهن فى أماكن مختلفة، سواء فى الشارع أو المواصلات العامة، وفيما يتعلق برد فعل المتحرش بها، نجد «السب» هو النسبة الأكبر، حيث تكتفى 55% من النساء بسب المتحرش ولعنه وإكمال اليوم بشكل عادى، وذلك فى حالة اقتصار التحرش على بعض الألفاظ، أن 32% يطلبن مساعدة الغرباء، و11% يطلبن مساعدة أفراد العائلة أو الأصدقاء، بينما تلجأ 13% إلى الشرطة وتبلغ عن الحادثة. تنامى ظاهرة التحرش الجنسى بالنساء بمصر، وأنها لم تعد مقصورة على النظرات أو الكلمات الإباحية، وإنما امتدت إلى لمس أجساد النساء من قبل المتحرشين.

إن عمليات التحرش الجنسى بالسيدات فى مصر بالأماكن العامة لم تعد تقتصر على استهداف السيدات فى مرحلة عمرية أو طبقة اجتماعية محددة أو بعض من النساء إن هناك العديد من العوامل التى تساعد على زيادة انتشار ظاهرة التحرش الجنسى فى مصر، يأتى أبرزها «تفاقم مشكلة البطالة وانتشار العاطلين فى الشوارع، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الزواج، وغياب الوازع الدينى الذى يحرم ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج».ـ الحادث مأساوى فى حياة المصريين، حيث لا تأمن الفتيات على أنفسهن من التحرش، إنه انتشر فى أكبر شوارع القاهرة، مما يدل على غياب القيم الاجتماعية الحاكمة للمجتمع، وأرجع انتشار هذه الظاهرة إلى غياب الحياء والذى يمثل قمة الهرم القيمى بالمجتمع، وإلى تفسخ حتى التقاليد والأعراف، والتى تدعو إلى الشهامة والحفاظ على المرأة والفتاة فى حال تعرضها لخطر. إذا كان هذا حال بعض الشباب، فلماذا لا نبحث على وسائل حماية له، بعدما نبحث الأسباب الحقيقية وراء الظاهرة المتكررة، إنشاء صندوق لتزويج الشباب، يتولى شئونه عدد من الجمعيات الخيرية التى تكون مهمتها تزويج الشباب وتذليل ما يكتنفهم من عقبات.

■ أستاذ القانون الدولى