رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل ضاع مفهوم الأمة الواحدة؟


تحقق هذا المفهوم عمليا - سياسياً وجغرافياً وتاريخيا - فى عصر النبوة والصحابة رضوان الله تعالى عليهم، إلا من بعض المنغصات فى عصر الصحابة، مثل حركة المرتدين فى عهد الصديق رضى الله تعالى عنه وأرضاه، أو المعارضة السياسية المدعومة

بالعنف والقتال، والتى ازدادت حدتها فى عهد سيدنا عثمان وسيدنا على، وتسببت فى قتل الرجلين رضى الله تعالى عنهما، ثم بدأت سياسة التوريث فى عهد معاوية بن أبى سفيان رضى الله تعالى عنه وأرضاه، ونحن نترضّى عنه ونقول ذلك، لأنه صحابى ومن كُتَّاب الوحى رغم بداية عهد الديكتاتورية وأهم ملامحه التوريث. أما الفتنة فقد طهّر الله تعالى منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا، وهو مذهب الصحابة الذين لم يشتركوا فى الفتن، أو من لا تلوك ألسنتهم من التابعين هذه الحقبة التاريخية إلا بذكر الإيجابيات فيها، وهو ما عليه جمهور علماء السنة.

كانت الأمة الواحدة عزيزة ومنيعة وقوية، لا تخشى الأعداء بل يخشاها الأعداء، وكانت القوة رادعة حتى عن التفكير فى العدوان على الأمة، ولم تكن تغرى فى ذاتها بالعدوان على الآخرين، وكانت الجغرافيا تضيف إلى التاريخ، وكان التاريخ المشرف يضيف بل يخترع مصادر جديدة للقوة والنهضة والتقدم، حتى عندما كانت أوروبا تمر بعصور الظلام. الأمة الواحدة تمارس وظيفتها إيمانياً وقلبياً وعملياً وتثق فى مفهوم الأمة والمفاهيم المرتبطة بها، ومنها «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» ومنها « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» ومنها «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين». أما اليوم فيحكمنا نحن- كل العرب والمسلمين- مفهوم سايكس بيكو، ومفهوم النظام العالمى الجديد، ومفهوم التشرذم والتنازع الذى قال الله تعالى فى القرآن محذراً لنا ما أصبح من المعلوم شرعاً ومفهوم عقلاً ومنطقاً «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

لماذا كانت هذه المقدمة؟ كانت هذه المقدمة كمدخل لفتنة كبيرة صاحبت مفهوم التشرذم والتنازع، إن لم نجد لها علاجاً ناجحاً، فستزيد التشرذم والتنازع والتفتت، وقد تضيع جهود نهضوية وتقدمية وتنموية وثورية سدى. ظهرت بوادر تلك النهضة والتقدم مؤخراً فى جزء مهم من الأمة هو بلدان الربيع العربى حيث قامت ثورات ضد الاستبداد والظلم والفساد والتخلف والتبعية، وكذلك نهضت الجمهورية الإسلامية فى إيران التى تقدمت بعد ثورتها فى سنة 1979 فى ميادين كثيرة تقدماً كبيراً، وذلك أيضاً بمحاولة إنتاج واستكمال برنامجها النووى، الذى أصبح منذ مدة سبباً للقلق فى أمريكا وإسرائيل بشكل خاص، وتحاول هاتان البلدان بلا حياء، بل وتسعيان جاهدتان إلى إيقاف ذلك البرنامج أو تدميره فضلاً عن حصار إيران حصاراً كاملاً. وللأسف الشديد فإن جزءاً مهما من الأمة لا يمانع فى هذا إن لم يكن يعين فيه وللأسف باسم الدين أحياناً.

الذى دعانى لذلك المقال، أمران اثنان، أولهما ما قيل من أخبار عن عزم الدكتور مرسى المشاركة فى قمة عدم الانحياز بإيران، والثانى بعض المقالات التى تمثل توجهين، أحدهما مع المشاركة وعودة العلاقات المصرية الإيرانية التى ظلت منقطعة ومتوترة طوال سنوات المخلوع وهذا هو الشائع، والثانى يدعو مرسى للمقاطعة وعدم حضور مؤتمر قمة عدم الانحياز فى طهران.

التوجه الأول يمثله الكاتب الكبير فهمى هويدى، إذ يرى أن هذه الزيارة إذا تأكدت فهى نقطة تحول وأنها تمهد الطريق لإحداث نقلة نوعية فى علاقات مصر الدولية وسياساتها الخارجية.

ويرى الكاتب الكبير هويدى أن الزيارة قد تهيئ فرصة لتحقيق مردود إيجابى إذا استطاع الرئيس مرسى أن يحول تلك الزيارة من مجرد زيارة مجاملة روتينية إلى زيارة تخدم المصالح العليا للأطراف كلها. وقد تستطيع الزيارة تذويب الجليد بين البلدين وردم فجوة الشكوك والهواجس. كما يقول الأستاذ هويدى إن قائمة المصالح الكبيرة التى قد تتحقق للبلدين لا ينكرها منصف، وهى تتجاوز حدود مصر، ويمكن أن تكون فى صالح الأمة العربية عامة ومنطقة الخليج بوجه أخص. هذا المعنى يمثل رؤية الاتجاه الأول الذى يدعم الزيارة ويرى أنها ستحقق كثيراً من المصالح الإيجابية.

وهناك مفهوم آخر يعتنقه بعض المتشددين فى مصر وغيرها منذ زمن بعيد لا يختلف كثيراً عن مفهوم أهل الخليج فى الغالب الأعم، وليس قصراً على بعض السلفيين وحدهم، وهذا المفهوم ناتج عن الخلافات السنية الشيعية، وإن أُلبس اليوم لباساً سياسياً نتيجة الأوضاع فى سوريا وموقف إيران السيئ بالنسبة للثورة السورية والمبنى على نظرة استراتيجية إيرانية اقتضت منهم هذا الموقف. ويمثل هذا المفهوم مقال قرأته للكاتب جمال سلطان فى جريدة «المصريون» فى يوم الأربعاء22 أغسطس 2012، يدعو الرئيس مرسى فيه أن يستخدم العقل ويدعوه إلى رفض الدعوة وعدم المشاركة فى مؤتمر عدم الانحياز، حيث إن انعقاده سيكون قريباً فى العاصمة الإيرانية طهران.

يرى الكاتب الجليل جمال سلطان أن الحسابات السياسية المحضة تجعل من ذهاب مرسى إلى إيران الآن كارثة سياسية قد يظل يدفع ثمنها طويلاً، ليس فقط للأسباب الأخلاقية والإنسانية، وإنما أيضاً من باب بديهية ضرورة حرص الرئيس على تعزيز الإجماع الوطنى حوله فى تلك الأوقات وليس باتخاذ مواقف تعزز من الانقسام حوله وتضعف القاعدة الأساسية التى يرتكز عليها. ثم يقول الكاتب الجليل جمال سلطان: والشاهد أتمنى من الرئيس مرسى أن يعيد النظر فى قراره بالذهاب إلى إيران، ثم يقول«مصر لا تتسامح مع من يقدم المال والسلاح والنفط والرجال لقتل أطفال سوريا ونسائها وتدمير الحياة فيها» ثم يقول:«يا دكتور مرسى، لا معنى أبداً لزيارتك لإيران ولا قيمة لها سياسياً واقتصادياً وأمنياً لمصر الآن، بل كلها خسارة لمصر ولك أنت شخصياً». وللأسف الشديد فإن أمريكا ستضغط بكل قوة على مصر حتى لا يشارك الرئيس مرسى فى قمة عدم الانحياز فى طهران.

مقالان مهمان جداً يعكسان وجهتى نظر، حول العلاقة بين السنة والشيعة، وبين دول العالم العربى والإسلامى، وبين مصر وإيران على وجه الخصوص.

إن دولة إيران عضو مهم فى منظمة المؤتمر الإسلامى منذ وقت مبكر، وهى دولة ذات أغلبية شيعية، ولو لم تكن دولة إسلامية لما انضمت إلى عضوية مؤتمر القمة الإسلامية، وكان من الضرورى منع الشيعة من أداء فريضة الحج فى مكة المكرمة، ومنعهم من زيارة المسجد النبوى بالمدينة المنورة والبقيع كذلك، لو كانوا غير مسلمين كما يزعم البعض جهلاً بالدين وتأويلاً غير صحيح.

أقول هذا حتى نغلق باب الحديث عن العقيدة أساساً، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البخارى ومسلم الذى ينص على أن «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأن عيسى نبى الله، وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان عليه من عمل» هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى تفسير كبير لمن يفهم اللغة العربية.

ومما أراه بشأن الزيارة أنها مهمة جداً للعلاقات المصرية الإيرانية من جميع النواحى، ولا يستفيد من استمرار قطع العلاقات مع إيران إلا أمريكا وإسرائيل، الذين يسعون إلى حصار إيران حتى تتخلى عن برنامجها النووى السلمى ولا ينافسهم أحد فى العالم العربى والإسلامى. لقد تقدمت إيران فى مجالات عدة، ونحن أحوج ما نكون إلى أن نتعلم منها تلك المجالات، وبالإضافة إلى ذلك فإن إيران ليس بها قواعد عسكرية أمريكية ولا قوات أجنبية بحيث تهدد جيرانها، وليس فيها سفارة إسرائيلية حيث أعطاها الإمام الخمينى رحمه الله تعالى إلى أهل فلسطين، وهى الدولة الوحيدة التى ينادى رئيسها بزوال إسرائيل، وياليتنا نفعل ذلك فى العالم العربى كله فيعين ذلك فى حل مشكلة فلسطين حلاً جذرياً وتتحرر فلسطين من البحر إلى النهر.

أما موقف إيران من سوريا فينبغى ألا يقبله المسلمون جميعاً من السنة والشيعة، وهو مثل موقف أهل السنة من الثورة فى البحرين، حيث تتعاون بعض دول الخليج لقتل الشيعة ووأد ثورتهم باعتبارها ثورة شيعية وهذا غير صحيح، وهى ثورة عامة ضد الظلم حتى لو كانت شيعية فجميعنا ضد الظلم، ونحن لا نقبل الظلم من أى طرف. ولقد نبهت فى مؤتمر الصحوة الإسلامية فى طهران فى سبتمبر الماضى من الموقف الإيرانى من سوريا، ومن الفراغ المتوقع بعد الثورة والصراع الرهيب القائم، خشية أن تملأه أمريكا وإسرائيل.

أنا من المؤيدين للثورة فى سوريا بل وفى العالم العربى كله، فى البحرين وفى غيره من الدول إن شاء الله تعالى للقضاء على الوراثة أى (الحكم الجبرى أو العاض) كما جاء فى حديث رسول الله «صلى الله عليه وسلم». وأنا أفهم أسباب خوف الإيرانيين وحزب الله من نتيجة الثورة والصراع على السلطة فى سوريا، وملء الفراغ المتوقع مما يدعوهم لدعم الأسد ونظامه، ولكننى لا أوافق مطلقاً على دعمهم هذا للنظام البعثى الطائفى الفاسد الإجرامى. وأتمنى أن ينصر الله تعالى الثورة فى سوريا، وأن تكون على الطريق الصحيح، بحيث لا تستنسخ النظام برموز منه قد هجرته مؤخراً، ولا تترك فراغاً حتى لا يملأه أعداء الأمة.

تخوفنا هذا نتج عن نماذج سابقة جاهدت أكثر من أهل سوريا وفى مقدمة هذه النماذج أفغانستان التى يحكمها بعد الجهاد المرير كرزاى على عكس آمال وتوقعات المجاهدين والأمة. كما أننى أتمنى أن يكون محور الأمة العظيمة الجديد هو مصر/إيران/تركيا، بداءة ثم تنضم إليها الدول التى يمكن أن تواجه الاستعمار الجديد، وتدعو إلى الديمقراطية الحقيقية المدعمة بقيم الإسلام العظيم وأخلاقه، وأن تشكل تلك الدول نواة للأمة الواحدة ومفهومها الحقيقى عملاً بقوله تعالى«إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، وأقول ذلك بعد أن فشلت منظمة المؤتمر الإسلامى فى ذلك الأمر منذ نشأتها حتى اليوم.

والله الموفق