رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعراض مؤقتة

عندما تمرض الأوطان، تظهر أعراض أمراضها على تفكير مثقفيها ونخبتها، وينعكس ذلك على أفكارهم وأسئلتهم التي يطرحونها حول مفهوم الهوية، لأجل هذا توارى مفهوم الهوية خلف مفهوم الديانة والقبيلة. وتلاشت تمامًا الهوية المصرية من خلال بعض التصرفات التي طفت مؤخرًا أعلى السطح، نتمنى أن تكون أعراضًا مؤقتة.

وظهرت في الأيام الأخيرة، بعض التجمعات التي تشكل منها الخطاب السياسي والمجتمعي لبعض التجمعات السياسية المختلفة. حول هوية هذه الجماعات السياسية المختلفة، تشكل السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن مصريون، أم عرب؟ 
أقول هذا بمناسبة ظهور اتحاد القبائل العربية. وهذا الاتحاد ليس حزبًا سياسيًا- كما أعلن المتحدث الإعلامي- وأن هذا الاتحاد يهدف إلى تمثيل القبائل العربية على المستوى المحلي والدولي، والتنسيق بينها وتعزيز التعاون فيما بينها، وحل النزاعات بينها، والمشاركة في جهود التنمية في شبه جزيرة سيناء.

وقد قيل إن هذا الاتحاد كان موجودًا بالفعل منذ سنوات ويعمل في صمت، فالقبائل العربية التي تعيش على أرض مصر هي قبائل مصرية وتستمد اسمها من أن مصر هي جمهورية مصر العربية ولم تنتفِ عن مصر صفة العربية والعروبة، ومن ثم هذه القبائل تحافظ على عروبتها وتقاليدها وعرفها، حيث تعيش تحت مظلة القانون المصري.

فإذا ما كان هذا الاتحاد شرعيًا، وموجودًا قبل ذلك، لماذا الاهتمام به وتدشينه إعلاميًا من سيناء؟ واختيار واحد من أبناء إحدى قبائل سيناء رئيسًا له في احتفالية مهيبة، حضرته كل وسائل الإعلام في مصر. وهل مهمته هي سيناء؟ وهو ما يعيد إلى الأذهان ما كان يفعله الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي كان يرسل الأتوبيسات المكيفة إلى كل فروع قبائل أولاد على في صحراء مصر الغربية ومرسى مطروح والجيزة وبني سويف والمنيا وأسيوط، لمشاركته احتفالاته بعيد ثورة الفاتح من سبتمبر، الذي كان يحتفل به كل عام. مستغلًا صداقته للرئيس مبارك وتسامح القيادة السياسية، وكان في وقت سابق قد عرض الوحدة الاندماجية على الرئيس السادات.

وفي محاولة منه للضغط على الرئيس السادات، قام بإرسال الوفود القبلية من طرفه لفرض الوحدة، غصبًا عن الرئيس المصري، الذي استشاط غضبًا، وأمر القوات المسلحة في المنطقة الغربية بالتصدي لجنون الرجل عند السلوم.

ربما نسي البعض أن تلك القبائل العربية، هي التي فرضت سطوتها على كل الأراضي الصحراوية في شرق مصر وغربها، ومنعت أي نشاط لتنميتها واستثمارها قبل ثورة 1952، وزعمهم ملكية الصحراء، وعندما اتجهت الدولة لاستثمار تلك الأراضي وتوافد المستثمرين على تلك الأرض، أصبح لزامًا على أي مستثمر أن يشتري الأرض من الحكومة، ثم يتفاوض مع هؤلاء العربان لدفع المعلوم مرة أخرى، مما عاق أي تنمية واستثمار لولا قوة شكيمة حكومة السيسي وتصديها لهم.

أثار تدشين كيان قبائلي جديد، يسمى "اتحاد القبائل العربية" في الأول من مايو تحت اسم "اتحاد القبائل العربية" ضجة كبيرة في مصر، تحت قيادة رئيس مجلس إدارة "العرجاني جروب" ورئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم العرجاني، وهو ينتمي إلى قبيلة الترابين.

تشكيل هذا الاتحاد، وبالصورة التي تم بها، يكرس تخلي الدولة المصرية عن دورها في سيناء وقطاعات أخرى لحساب القبائل، وهو ما يتناقض مع تطور المجتمع المصري الذي عرف التقسيمات الاجتماعية والطبقية ولم يعرف التقسيمات القبلية.
الإعلان عن ولادة هذا الاتحاد جرى في قرية العجرة جنوب مدينة رفح، وأعلن القائمون على الاتحاد الجديد عن بناء مدينة في هذا الموقع تحمل اسم مدينة "السيسي".

الغريب أن هذا الإعلان قد تم في غياب أجهزة الأمن والقيادات الأمنية، إذ تولى عملية حماية الحفل أشخاص مسلحون من قبيلة الترابين، وفقًا لموقع مدى مصر، وهو ما يطرح أسئلة حول مدى تسليح هذا التنظيم، مع أن الدستور المصري يمنع وجود تنظيمات مسلحة على الإطلاق، تحت أي مسمى. وربما نسمع عن إنشاء ميليشيات مستقلة عن أجهزة الدولة، على نمط "قوات الدعم السريع" في السودان وفاجنر في روسيا.

وشارك في الحفل العديد من النواب ومشايخ قبائل مطروح والصعيد، كان إبراهيم العرجاني هو رئيس أول كيان قبلي يظهر في مصر تحت مسمى "اتحاد قبائل سيناء" بهدف المشاركة مع الجيش في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء والذي عرف تحت اسم تنظيم "ولاية سيناء".
ولكن كيانات قبلية أخرى ظهرت، إلى جانب "اتحاد قبائل سيناء" تضم أبناء قبيلتي السواركة والرميلات الذين شاركوا في الحرب ضد تنظيم "ولاية سيناء"، كما قبيلة العبابدة في الصحراء الشرقية الجيش والشرطة في ملاحقة المنقبين عن الذهب في تلك المنطقة.
بعد الإعلان عن هذا الاتحاد، ظهر اتحاد آخر باسم "مشايخ القبائل العربية في الصعيد والغرب"، وأطلقوا على أنفسهم. "أحفاد شيخ العرب همام، أمير الصعيد وبرقة وشمال السودان، وأعلنوا عن أنهم لن يتركوا الكعكة كلها لقبائل سيناء، وأعلنوا عن أنهم مكلفون بهذا الأمر، مع إخوانهم مشايخ القبائل في الصعيد والغرب، لأن أنسابهم وأصولهم ثابتة وتعود للنسل الهاشمي الشريف.
كما أعلنت اتحاد قبائل الصعيد، عن أن التاريخ لم يذكر أن لقبائل سيناء مشيخة على القبائل العربية في الصعيد والغرب، وذلك لأسباب نسبية، حيث إن نسبة 60% إلى 65% من أهالي سيناء لا علاقة لهم بالعرب ولا القبائل العربية، وأصولهم تعود لبقايا التتار والصليبيين ويهود الدونمة الذين انهزموا في مصر مع هولاكو، وبقايا جيش ريتشارد قلب الأسد الصليبي، بالإضافة إلى الإنجليز.
وفي انتظار اتحادات أخرى تتصارع على كعكة الصحراء والجبال المصرية، الكنز الذي استولت عليه العربان، ومنعته عن مصر.