رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تتصدى لمخططات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين منذ 1967 حتى العدوان على غزة

تهجير الفلسطينيين
تهجير الفلسطينيين

منذ سنوات طويلة يفكر الاحتلال الإسرائيلى فى تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، سواء سكان الضفة الغربية أو القدس الشرقية أو قطاع غزة، ويجهز الاحتلال مخططات لتحقيق هذا الغرض، ومنذ بدء حرب السابع من أكتوبر الماضى أصبحت تلك المؤامرة حقيقة تقال علنًا.

وحسب دراسات للمركز المصرى للفكر والدراسات والاستراتيجية، أعلن الاحتلال فى الماضى عن عرض فكرة تهجير الفلسطينيين إلى أراض أخرى، فى المؤتمرات الرسمية، على رأسها مؤتمر «هرتسيليا»، الذى يشارك فيه مسئولون أمريكيون، وأيضًا أعضاء فى الأمم المتحدة، وغيرهم من الخبراء والكوادر السياسية، وجرت مناقشة فكرة إيجاد وطن بديل للفلسطينيين خارج فلسطين، كحل نهائى لتلك القضية.

ومع بدء الحرب على غزة، جرى طرح فكرة تهجير الفلسطينيين، ونقل سكان غزة إلى أراض عربية مجاورة، على رأسها سيناء، وتهجير سكان الضفة الغربية، التى يسيطر الاحتلال على مساحات واسعة منها إلى الأردن، ما يؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية ومحو الدولة الفلسطينية بأكملها، لكن تصدت مصر والأردن لهذا المخطط.

ووفقًا للمركز المصرى، تستهدف هذه الخطط دفع الفلسطينيين إلى مناطق نائية، مثل سيناء ومناطق فى الأردن ومنطقة الفرات الأوسط فى العراق، ومنطقة الجزيرة السورية.

وسعت الحركة الصهيونية إلى إقناع الدول الغربية باستعمال نفوذها لإجبار العرب على القبول بهذه الخطط، مثل مشروع التقسيم، الذى أوصت لجنة «بيل» الملكية به سنة ١٩٣٧، وتضمن ترحيل الأكثرية العربية عن المناطق التى خصصت لليهود.

ومن أبرز هذه الخطط، خطة «إيجال آلون» سنة ١٩٦٧، وهى خطة اقترحها السياسى والقائد العسكرى الإسرائيلى إيجال آلون على مجلس الوزراء الإسرائيلى فى يوليو ١٩٦٧، بعد انتهاء الحرب، لفرض تسوية إقليمية، وتهدف إلى إقامة حدود أمنية لإسرائيل بينها وبين الأردن، ووقف سيطرة إسرائيل على شريحة سكانية عربية، للحفاظ على صبغة يهودية للدولة.

وحدد المشروع منطقة غور الأردن من نهر الأردن حتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين لتبقى تحت السيادة الإسرائيلية، أما بقية أراضى الضفة الغربية فتعاد إلى السلطة الأردنية مع فصلها، وإقامة معبر بين هذه الأراضى وبين الأردن بواسطة لسان فى ضواحى مدينة أريحا، وترحيل الفلسطينيين عبره إلى الأردن.

أما الأجزاء الأخرى من مشروع «آلون»، فشملت ضم قطاع غزة بأكمله إلى إسرائيل وتهجير اللاجئين خارج القطاع إلى الأراضى العربية المجاورة، مثل مصر، بعد إعادة سيناء إلى مصر مع الاحتفاظ بالساحل الجنوبى الشرقى لسيناء من إيلات حتى شرم الشيخ تحت السيطرة الإسرائيلية.

وهناك خطة أرئيل شارون ١٩٧٠، ففى هذا العام حاول شارون، الذى كان قائدًا فى جيش الاحتلال، تفريغ قطاع غزة ونقل العائلات الفلسطينية فى سيناء والعريش على حدود غزة.

وتضمنت خطته منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون فى المغادرة من غزة للدراسة والعمل فى مصر، وتقديم حوافز مالية بهدف إحداث تغيير فى التوزيع السكانى فى غزة، حيث كان عدد السكان فى ذلك الوقت ٤٠٠ ألف نسمة.

وهناك مشروع مستشار الأمن القومى الصهيونى، جيورا إيلاند، سنة ٢٠٠٤، الذى نص على أن تتنازل مصر لقطاع غزة عن مناطق من سيناء، مساحتها ٧٢٠ كم مربع، لمضاعفة حجم قطاع غزة، البالغ حاليًا ٣٦٥ كيلومترًا مربعًا بنحو ٣ مرات.

وتوازى مساحة ٧٢٠ كيلومترًا مربعًا نحو ١٢ فى المائة من أراضى الضفة الغربية، ومقابل هذه الزيادة على أراضى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن ١٢ فى المائة من أراضى الضفة الغربية التى ستضمها إسرائيل إليها.

ومقابل الأراضى التى ستتنازل عنها مصر لتوسيع قطاع غزة، ستحصل من إسرائيل على منطقة جنوب غربى النقب، توازى تقريبًا مساحة المنطقة التى ستتنازل عنها، وبعد ذلك تسمح إسرائيل لمصر بارتباط برى بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، وستمر القناة التى يبلغ طولها نحو ١٠ كيلومترات من الشرق إلى الغرب، على بعد ٥ كيلومترات من إيلات، وتكون خاضعة للسيادة المصرية.

وهناك خطة يوشع بن آريه ٢٠١٣، إذ قدم الرئيس السابق للجامعة العبرية يوشع بن آريه، مشروع إقامة وطن بديل للفلسطينيين فى سيناء، استنادًا إلى مبدأ تبادل الأراضى بين مصر وإسرائيل وفلسطين. وتضمنت خطته تخصيص أراض فى سيناء للدولة الفلسطينية فى منطقة العريش، مع إنشاء ميناء بحرى وخط سكك حديدية دولى بعيدًا عن إسرائيل، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، فى المقابل تحصل مصر على أراض فى صحراء النقب جنوب إسرائيل بنفس المساحة التى ستمنحها للفلسطينيين فى سيناء، وتبلغ نحو ٧٠٠ كيلومتر مربع. وكان من بين المخططات وثيقة سرية لوزارة المخابرات الإسرائيلية تدعو إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء وظهرت عام ٢٠٢٣، حينما دعت وزيرة المخابرات الإسرائيلية؛ جيلا جمليئيل، فى وثيقة داخلية سرية إلى خطة لتهجير سكان غزة إلى سيناء عقب انتهاء حرب غزة، تتضمن الخطة ٣ مراحل، أولاها إنشاء مدن الخيام فى سيناء جنوب غرب قطاع غزة، وإنشاء ممر إنسانى لمساعدة السكان، وبناء مدن فى الضفة الغربية من منطقة شمال سيناء.

وتشير هذه الوثيقة إلى إنشاء منطقة محصنة لا يستطيع السكان الذين جرى إجلاؤهم العودة منها إلى القطاع، وتدعو إلى التعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول حتى تتمكن من استقبال النازحين الفلسطينيين من غزة.

وفى ظل حرب غزة، ظهرت أيضًا دراسة معهد مسجاف للأمن القومى والاستراتيجية الصهيونية ٢٠٢٣، فقد نشرت بعد أيام من الحرب ورقة موقف تدعو إلى التوطين النهائى لجميع سكان غزة، واستغلال اللحظة الحالية لتحقيق هدف صهيونى طويل الأمد، يتمثل فى إبعاد الفلسطينيين عن أرض فلسطين التاريخية، وإخلاء قطاع غزة بأكمله؛ بالتنسيق مع الحكومة المصرية مقابل دعم للاقتصاد المصرى.

وفى المقابل، هناك موقف مصرى صارم، فقد أكدت مصر رفضها مخططات التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وسعت إلى خلق رأى عام إقليمى وعالمى داعم لهذا الموقف ومؤيد لحق الفلسطينيين، وفقًا لمبدأ حل الدولتين.

وتجلى الموقف المصرى فى العمل على الحشد الدولى؛ لتوضيح مفهوم القضية الفلسطينية فى ضوء القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، على الصعيد الدبلوماسى واللقاءات الثنائية والقمم الدولية، بجانب التنسيق مع الجهات الفاعلة دوليًا لتبنى قرارات لصالح القضية فى مجلس الأمن.

وتمكنت مصر من انتزاع مواقف دولية وإقليمية برفض تصفية القضية الفلسطينية والوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان، المتمثلة فى حصار وتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم، ما ظهر فى قمة القاهرة للسلام، واللقاءات والاتصالات الثنائية بين القيادة السياسية ودول وقادة العالم.

وجاء الموقف المصرى واضحًا، سواء من خلال القرارات الصادرة عن اجتماع مجلس الأمن القومى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم ١٥ أكتوبر ٢٠٢٣، بالتشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، وكذلك من خلال تصريحات الرئيس السيسى المتوالية برفض التهجير وتصفية القضية، خاصة خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع المستشار الألمانى، أولاف شولتس، يوم ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى أكد أنه إذا كانت هناك فكرة لتهجير الفلسطينيين فتوجد صحراء النقب فى إسرائيل.

وما زالت مصر تقود داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفى كل المحافل الدولية، دعم حق الشعب الفلسطينى، والتصدى لأى مخططات للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية.