رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط.. والحملة الفرنسية

جاءت الحملة الفرنسية لمصر في 1798. وكانت بمثابة أحلام للفرنسيين بإقامة قاعدة لهم في الشرق، تتحكم في طرق التجارة ويمكنه منها محاصرة المستعمرات الإنجليزية في الشرق.

لم يبدأ ميل الفرنسيين للأقباط إلا بعد أن تولى كليبر الحكم وقامت ثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين حيث ألغى الإجراءات الاستثنائية ضد الأقباط، بعد مصرع كليبر تولى الجنرال مينو القيادة وكان قد أسلم ليتزوج بسيدة مسلمة، فأخذ يتعسف بالأقباط، وطردهم من الوظائف الحكومية وجباية الأموال.

ولما كانت الثورة الفرنسية قد أبعدت الفرنسيين عن الديانة، فقد اكتفى بونابرت بتوصية رجاله أن يظهروا احترامهم للمسلمين، أما تصريحه الذي وجهه إلى الشعب المصري، فكان أكثر وضوحًا؛ إذ كشف فيه نواياه الحقيقية وعن السياسة التي سوف ينتهجها إزاءهم، وقد ظلت هذه السياسة مستمرة مدة إقامته بينهم.

قال بونابرت في ندائه للمسلمين: «أيها المشايخ والقضاة والأئمة وأعيان البلاد، قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة وطردوا منها حكومة الفرسان الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني، وأعداء أعدائه أدام الله ملكه.

وهنا لن نتعرض لما كتبه الفرنسيون عن مصر من خلال كتابهم وصف مصر، ولكن سنقرأ ما جاء في موسوعة تاريخ البطاركة " تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع "، التي حققها ونشرها الدكتور عبد العزيز جمال الدين. ونشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة.

ولكن سنتحدث عن وجهة نظر الأقباط في الحملة الفرنسية، من خلال قراءة في كتاب، 
عندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وصفها كاتب تاريخ البطاركة بأنها من مصائب ذلك الجيل المشئوم الطالع يقول: "...ثم تولى الأنبا (مرقص الثامن) (١٧٩٦ـ١٨٠٩) وكان راهبا من دير الأنبا أنطونيوس، وعاصر الحملة الفرنسية ثم مجيء محمد علي. وقد نظر (الأب) شيئا من البلايا التي حاقت بسلفه، وقاسم المؤمنين مصائب ذلك الجيل المشئوم الطالع، وتفطرت أحشاؤه حزنا وقاسى بسماع الأذن ونظر العين.

تلك الصروف التي أبهظت ظهور المسيحيين، وقد زادت طينتُها بلة وشدتُها قساوة ومرارتُها علقما حينما احتلت عساكر نابليون بونابرته هذا القطر (١٧٩٨)، وذلك أنه لما وطأت أرجل جنود فرنسا أرض أبو قير والإسكندرية هاج في القاهرة رعاع المسلمين وشرعوا يجرعون النصارى كئوس المرارة رغما عن (محاولات أمرائهم الذين أخبروهم بأن هؤلاء المسيحيين هم من رعايا الدولة وأن من مس شرفهم فقد مس شرف الدولة نفسها  فلم يرهبهم ذلك ولم يخشوا سطوة بونابرت وجنوده الباطشة".

وعندما عقدت معاهدة الصلح بين الفرنسيين والأتراك، اعتبرها كتاب تاريخ البطاركة من الرزايا والمحن التي نالت الأقباط. وفي ذلك يقول:

"وما ظن النصارى أنهم نجوا من تلك الرزية حتى وقعوا بأشر منها، وذلك أنه لما نقضت المعاهدة التي عقدت بين القائد كليبر الفرنساوي والصدر الأعظم، بأمر من الباب العالي، دارت رحى القتال بين الجانبين في المطرية، واغتنم المسلمون فرصة خروج عسكر فرنسا من القاهرة وثاروا على النصارى. وجاء ناصيف باشا، أحد قواد الجيش العثماني، إلى المدينة بجماعة من المماليك ونادى فيهم بأنهم قد غلبوا الإفرنج، وأمر بقتل باقي النصارى فشرعوا يقتلونهم غير مميزين بين القبطي والسوري والإفرنجي. فاستدرك حالهم عثمان بك، أحد ضباط الأتراك، وجاء إلى ناصيف باشا وقال له: ليس من العدالة أن تهرقوا دماء رعايا الدولة فإن ذلك مخالف للإرادة السنية. فأمر عند ذلك بكف أيدي المسلمين من قتلهم “.

ولو أن عداء بونابرت للأقباط لم يذهب به إلى حد الاضطهاد، فإنه لم يكن رفيقًا بهم، ويقول نقولا ترك: «طلب الجنرال بونابرت من تجار البهار الإسلاميين مائتي ألف فرانسا سلفة، ثم طلب من طائفة الأقباط مباشرين الأقاليم وكتبة البلاد مائتي ألف فرانسا سلفة، ثم طلب التجار الشوام مائة ألف فرانسا، وكذلك صار الأقباط في عهد بونابرت من خيبة أمل إلى خيبة أمل، نعم إنه استعان بهم في جباية الضرائب.

كما فعل المماليك من قبله، ولكنه اتخذ هذا الإجراء مرغمًا؛ إذ كان يتكلم عنهم بقسوة شديدة فيقول: «إنهم لصوص مكرهون في البلاد غير أنه يجب مراعاتهم؛ لأنهم يعرفون الأصول العامة لإدارة البلاد دون سواهم».

لذلك عين المعلم جرجس الجوهري مباشرًا عامًّا وخوله السلطة على سائر المباشرين، ولكنه حرص على أن يكون معه موظف فرنسي لمراقبته، ثم لم يزل بونابرت منذ هذه اللحظة يترقب أول فرصة للتخلص من الجوهري، ولما ترك القائد الفرنسي مصر، أرسل إلى الجنرال «كليبر» كتابًا مؤرخًا يوم ٢٢ أغسطس عام ١٧٩٩م يقول له فيه بصراحة: كنت مزمعًا، إن سارت الأمور سيرها الطبيعي، أن أضع نظامًا جديدًا للضرائب يجعلنا نستغني تقريبًا عن خدمات الأقباط.

ومع ذلك فقط ظهر بعض الضباط من المصريين الأقباط الذين التحقوا بخدمة الجيش الفرنسي وسافروا معه إلى فرنسا بعد انتهاء الحملة، ومنهم الجنرال يعقوب، الذي قام بتأسيس أول كتيبة من شباب الأقباط للدفاع عن ممتلكات الأقباط أثناء ثورة المصريين الثانية ضد الفرنسيين. والجنرال بارتلمي سيرا، وهو مسيحي يوناني، وأطلق عليه المؤرخ الجبرتي (فرط الرمان) لأنه كان يحترف العسكرية فقد التحق بخدمة الأمير المملوكي محمد بك الألفي، في سلاح المدفعية، عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وعين وكيلا لمحافظة القاهرة، أشبع بذلك نهمه للقتل والتعذيب، إذ كانت هوايته المفضلة هي القتل الجماعي للمماليك والمصريين، على السواء، وكان يطوف في شوارع القاهرة وفي يده سيف، وحوله وأمامه قوة تبلغ المائة من اليونانيين، غلاظ القلوب على شاكلته، وكان يطوف أحيانا في صحبة زوجته وكانت مثله سادية تتلذذ برؤية مشاهد القتل.