رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صد رد على دماء فلسطين

لا نتائج، فى رأينا، لسيناريو حافة الهاوية، أو الاستفزازات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، غير زيادة حالة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة، والتعتيم أو «الغلوشة» على جريمة الإبادة الجماعية التى يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلى ارتكابها فى قطاع غزة. ولعلك لاحظت، أيضًا، أن ما تردّد عن توجيه ضربات ضد مواقع إيرانية أدى إلى تراجع اهتمام غالبية وسائل الإعلام، المحلية والأجنبية، بإفشال مشروع قرار يدعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.

إدراكًا لعواقب هذا السيناريو، طالبت مصر، مرارًا، بلسان رئيسها، بتحكيم صوت العقل والرشد وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية، لإيجاد حلول تحافظ على استقرار المنطقة وسلامة شعوبها. وصباح أمس، الجمعة، أعربت الخارجية المصرية، مجددًا، عن قلقها البالغ تجاه استمرار التصعيد المتبادل، وطالبت إسرائيل وإيران بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والامتثال الكامل لقواعد القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة. وكرّرت تحذيرها من عواقب اتساع رقعة الصراع، مؤكدة أنها سوف تستمر فى تكثيف اتصالاتها مع جميع الأطراف المعنية والمؤثرة من أجل احتواء التوتر والتصعيد الجارى.

ردًا على استهداف قنصليتها فى سوريا، الذى أسفر عن مقتل سبعة من عناصر «الحرس الثورى»، فى أول أبريل الجارى، أطلقت إيران، مساء السبت الماضى، أسرابًا من المُسيَّرات والصواريخ ضد أهداف إسرائيلية. وصباح أمس، الجمعة، قالت وسائل إعلام إيرانية إن البلاد تعرّضت لهجوم بمسيّرات صغيرة دفع السلطات لإغلاق المجال الجوى وتعليق الرحلات الجوية. كما نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسئولين أمريكيين أن صواريخ ومُسيّرات إسرائيلية ضربت مواقع إيرانية. وذكرت شبكة «سى إن إن» أن مسئولًا أمريكيًا أكد قيام إسرائيل بشن هجوم داخل إيران، لكنه أشار إلى أن الهجوم لم يستهدف مواقع نووية!

التليفزيون الرسمى الإيرانى قال إن ثلاث مُسيّرات تم رصدها فى سماء أصفهان عند حوالى الساعة ١٢:٣٠ صباح الجمعة، بتوقيت جرينتش، وجرى تفعيل منظومة الدفاع الجوى وتدمير تلك المُسيّرات فى السماء. وبينما نقلت وكالة «رويترز» عن «مصدر مطلع» أن الولايات المتحدة تلقت إخطارًا مسبقًا من الإسرائيليين بشأن الهجوم على إيران، لم يؤكد الجيش الإسرائيلى ضلوعه فى هذا الهجوم، أو ينفيه، وردّ المتحدث الرسمى باسمه على سؤال لموقع «الحرة» الأمريكى، بقوله: «لا تعليق حاليًا»!

تحولت الأنظار، إذن، عن الجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطينى، وأيضًا، عن إفشال الفيتو الأمريكى قرارًا يدعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، الذى وافق عليه ١٢ عضوًا، من أعضاء المجلس الـ١٥، وامتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت عليه. وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن مصر أعربت عن أسفها البالغ إثر عجز مجلس الأمن عن إصدار قرار يُمكن دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، على خلفية استخدام الولايات المتحدة حق النقض، الفيتو، ضد مشروع القرار. وقال بيان أصدرته الخارجية المصرية، مساء الخميس، إن إعاقة إقرار حق الشعب الفلسطينى فى الاعتراف بدولته لا تتماشى مع المسئولية القانونية والتاريخية الملقاة على عاتق المجتمع الدولى تجاه إنهاء الاحتلال، والتوصل إلى حل نهائى وعادل للقضية الفلسطينية.

بمنتهى الحسم والوضوح، قالت مصر إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإقرار عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة، هو حق أصيل للشعب الفلسطينى، الذى عانى من الاحتلال الإسرائيلى على مدار أكثر من ٧٠ عامًا، وخطوة مهمة على مسار تنفيذ أحكام القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية المُتعارَف عليها، لإرساء حل الدولتين، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وغير القابلة للتصرف، مؤكدة حتمية تمكين الشعب الفلسطينى بصورة كاملة من ممارسة كافة حقوقه الشرعية.

.. وأخيرًا، بات واضحًا أن واضعى ومنفذى سيناريو حافة الهاوية، أو لعبة الصد والرد، لا يضعون الشعب الفلسطينى، أو شعوب المنطقة إجمالًا، فى حساباتهم. كما بات واضحًا، أيضًا، مدى أهمية الجهود، التى بذلتها وتبذلها مصر، لوقف التصعيد، ومنع توسيع دائرة الصراع، وتجنيب المنطقة مخاطر الانزلاق إلى منعطف خطير من عدم الاستقرار.