رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تصدقوا ظاهر العلاقة.. بين واشنطن وتل أبيب

مسرحية هزلية، تدور أحداثها على المسرح الدولي، وبطلاها الأساس، هما الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.. وفيها ـ أي المسرحية ـ تبدو التوترات الشديدة في علاقة الرجلين ببعضهما، والتي برزت أكثر مؤخرًا في تصريحات لهما.. إذ في مقابلة أجريت معه نهاية الأسبوع، قال الرئيس الأمريكي، إنه سيواصل إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، لكنه قال في المقابلة نفسها، إن الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في غزة كانت بمثابة (خط أحمر) بالنسبة له، (لا يمكن أن يموت ثلاثون ألف فلسطيني إضافي)، في حال شنت إسرائيل هجومًا بريًا على رفح.. وقال إن تصرفات نتنياهو في غزة، تضر بإسرائيل نفسها.. مما استدعى ردًا من نتنياهو في مقابلة مع (بوليتيكو) أوضح فيه، إن بايدن (مخطئ) في اعتقاده أن سياسة رئيس وزراء إسرائيل لا تحظى بتأييد الإسرائيليين.. وتعليقًا على قول بايدن إن نتنياهو (يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها)، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: (لا أعرف بالضبط ما الذي كان يقصده الرئيس، لكن إذا كان يعني بذلك أنني أتبع سياسات خاصة ضد الغالبية، ضد رغبة غالبية الإسرائيليين، وأن هذا يضر بمصالح إسرائيل، فهو مخطئ في كلتا الحالتين).
هذا الخلاف الظاهري بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو، لا يمكن قبوله في إطار المسئولية الكاملة لواشنطن عما يحدث في قطاع غزة، من قتل وتشريد وتدمير.. فبأسلحتها تُرتكب المجازر وتُهدم المنازل، وبدعمها السياسي، وحق الفيتو في مجلس الأمن، تحمي تل أبيب من أي مسئولية، وتمنع عنها غائلة الفرارات الأممية.. ومهما قال بايدن، فإن يديه ملطختان بالدم الفلسطيني في قطاع غزة، باعتباره شريكًا استراتيجيًا في هذه الحرب التي لم يشهد لها العالم مثيلًا.. وبكل أسف، يقف هذا العالم مكتوف الأيدي، إلا من مناشدات، لا تلقي لها إسرائيل بالًا.. ولم يجد بايدن من تصرف تجاه الصلف الإسرائيلي، إلا قول مسئولين أمريكيين، إن بايدن يفكر في وضع شروط على المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل، في حال مضت قدمًا لشن هجوم بري على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة!!.. وأوضح المسئولون المطلعون على خطط إدارة بايدن لصحيفة (بوليتيكو)، أن الرئيس الأمريكي (قد يفعل ذلك، إذا شنت إسرائيل عملية جديدة، تزيد من تعرض المدنيين الفلسطينيين للخطر).
لم يتم الإعلان إلا عن عمليتين للتزود بالأسلحة معتمدتين لإسرائيل منذ بداية الحرب في غزة: ذخائر دبابات بقيمة 106 ملايين دولار، ومكونات بقيمة 147.5 مليون دولار لصنع قذائف من عيار 155 ملم.. دعت هذه المبيعات إلى التدقيق العام لأن إدارة بايدن تجاوزت الكونجرس للموافقة على الحزم من خلال استدعاء سلطة الطوارئ.. إلا أن (الواشنطن بوست) كشفت، في السادس من مارس الحالي، عن أن الولايات المتحدة وافقت بهدوء، وسلمت أكثر من مائة عملية بيع عسكرية أجنبية منفصلة إلى إسرائيل، منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي.. وهي ما يصل إلى آلاف الذخائر الموجهة بدقة، والقنابل ذات القطر الصغير، ومخترقات التحصينات والأسلحة الصغيرة، وغيرها من المساعدات الفتاكة، حسبما قال مسئولون أمريكيون لأعضاء الكونجرس في إحاطة سرية عُقدت مؤخرًا.. هذا الرقم المكون من ثلاثة أرقام، والذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، هو أحدث مؤشر على مشاركة واشنطن الواسعة في الصراع المستقطب والمستمر منذ خمسة أشهر، حتى في الوقت الذي يعرب فيه كبار المسئولين والمشرعين الأمريكيين، بشكل متزايد، عن تحفظات عميقة بشأن التكتيكات العسكرية الإسرائيلية، في حملة أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثين ألف شخص، حتى الآن.
وتمثل حزم الأسلحة مجتمعة، نقلًا هائلًا لقوة النيران، في وقت اشتكى فيه مسئولون أمريكيون كبار، من أن المسئولين الإسرائيليين قصروا في تلبية مناشداتهم، للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة والامتناع عن الخطاب الذي يدعو إلى التهجير الدائم للفلسطينيين.. (هذا رقم غير عادي من المبيعات على مدار فترة زمنية قصيرة جدًا، مما يشير بقوة إلى أن الحملة الإسرائيلية لن تكون مستدامة بدون هذا المستوى من الدعم الأمريكي)، قال جيريمي كونينديك، وهو مسئول كبير سابق في إدارة بايدن والرئيس الحالي لمنظمة اللاجئين الدولية.. بينما لم تقدم الحكومة الإسرائيلية تعليقًا على الفور.
المتحدث باسم وزارة الخارجية، مات ميلر، قال إن إدارة بايدن (اتبعت الإجراءات التي حددها الكونجرس نفسه، لإبقاء الأعضاء على اطلاع جيد وإطلاع الأعضاء بانتظام، حتى عندما لا يكون الإخطار الرسمي شرطًا قانونيًا.. المسئولون الأمريكيون أشركوا الكونجرس في عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل أكثر من مائتي مرة، منذ أن شنت حماس هجومًا عبر الحدود على إسرائيل).. عندما سُئل النائب خواكين كاسترو ـ ديمقراطي من تكساس، وهو عضو في لجنتي الاستخبارات والشئون الخارجية في مجلس النواب، عن زيادة الأسلحة إلى إسرائيل، قال بعض المشرعين الأمريكيين الذين يجلسون في لجان تشرف على الأمن القومي، إن إدارة بايدن يجب أن تمارس نفوذها على حكومة إسرائيل.. (أنت تسأل الكثير من الأمريكيين عن عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل في الوقت الحالي، وينظرون إليك وكأنك مجنون، مثل، لماذا من بين العالم، نرسل المزيد من القنابل إلى هناك؟.. (هؤلاء الناس فروا بالفعل من الشمال إلى الجنوب، والآن يتجمعون جميعًا في قطعة صغيرة من غزة، وستستمر في قصفهم؟) في إشارة من كاسترو إلى الهجوم الإسرائيلي المخطط له في رفح.
وقد حذر مسئولون أمريكيون، الحكومة الإسرائيلية، من شن هجوم في رفح دون خطة لإجلاء المدنيين.. لكن بعض الديمقراطيين يشعرون بالقلق، من أن نتنياهو سيتجاهل مناشدات واشنطن، لأن لديه مطالب أمريكية أخرى للسماح بدخول المزيد من الغذاء والماء والدواء إلى القطاع المغلق، وتخفيف حدة الحملة العسكرية التي سوت أحياء كاملة في المدينة، ودمرت أعدادًا هائلة من المنازل في أنحاء القطاع.. مثلًا، طالب النائب جيسون كرو ـ ديمقراطي من كولورادو ـ إدارة بايدن بوجوب تطبيق (المعايير الحالية)، التي تنص على أن الولايات المتحدة (يجب ألا تنقل الأسلحة أو المعدات إلى الأماكن التي من المحتمل أن يتم استخدامها لإلحاق إصابات بين المدنيين، أو لإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية).. وقدم كرو، وهو أيضًا عضو في لجنتي الاستخبارات والشئون الخارجية في مجلس النواب، التماسًا إلى أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، للحصول على معلومات حول (أي قيود) وضعتها الإدارة لضمان عدم استخدام إسرائيل للمخابرات الأمريكية، لإلحاق الضرر بالمدنيين أو البنية التحتية المدنية في غزة.. (أنا قلق من أن الاستخدام الواسع النطاق للمدفعية والقوة الجوية في غزة – والمستوى الناتج من الخسائر في صفوف المدنيين – هو خطأ استراتيجي وأخلاقي).
إن ندرة المعلومات المتاحة للجمهور، حول مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، تجعل من غير الواضح، عدد عمليات النقل الأخيرة التي ترقى إلى الإمداد الروتيني للمساعدات الأمنية الأمريكية لإسرائيل، بدلًا من التجديد السريع للذخائر نتيجة قصفها لغزة.. ولا تكشف إسرائيل، مثل معظم الجيوش، بشكل روتيني عن بيانات حول نفقاتها على الأسلحة، لكنها قالت في الأسبوع الأول من الحرب إنها أسقطت بالفعل ستة آلاف قنبلة على غزة.. وقد دفع نقص المعلومات العامة حول شحنات الأسلحة، بعض الخبراء إلى الضغط من أجل إجراء تغييرات.. (تفتقر عملية نقل الأسلحة إلى الشفافية)، قالها جوش بول، المسئول السابق في وزارة الخارجية الذي استقال احتجاجًا على سياسة إدارة بايدن في غزة.. وأكد أن العدد الهائل من التحويلات منذ السابع من أكتوبر، والتي تم تمويلها، إلى حد كبير، من خلال أكثر من 3.3 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، التي تقدمها واشنطن لإسرائيل كل عام، (هو شيء نستحق أن نعرفه كمواطنين في ديمقراطية).
على الجانب الآخر، عارض الجمهوريون، إلى حد كبير الجهود، الرامية إلى كبح جماح إمدادات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، وقدموا في وقت سابق من هذا العام تشريعًا لتوفير 17.6 مليار دولار إضافية لإسرائيل، بالإضافة إلى 3.3 مليار دولار تقدمها الولايات المتحدة سنويًا.. وتدعم إدارة بايدن أيضًا تقديم مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل، لكن تم تعليق حزمة منها بسبب الاقتتال الداخلي في الكونجرس حول أمن الحدود والمساعدات لأوكرانيا.
■■ وبعد..
فكما هو واضح، تورط واشنطن العميق في الصراع، حتى لو لم تكن الدولة الأمريكية هي الذي تسقط الذخائر أو تضغط على الزناد في غزة، كما قال كونينديك، المسئول السابق في الإدارة الأمريكية، (لا يمكن للولايات المتحدة أن تؤكد أن إسرائيل، من ناحية، دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها الخاصة ولن نخمنها، ومن ناحية أخرى، ننقل هذا المستوى من التسلح في مثل هذا الوقت القصير، ونتصرف بطريقة ما كما لو أننا لسنا متورطين بشكل مباشر).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.