رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القضاء على أونروا.. حتمية إسرائيلية

أقامت القوات الجوية المصرية جسرًا جويًا لإسقاط المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية العاجلة لشمال ووسط قطاع غزة.. حيث (تم إسقاط خمسة وأربعين طنًا من المساعدات الإنسانية المصرية في شمال ووسط القطاع، بمشاركة الأشقاء الإماراتيين والأردنيين)، في إطار تكثيف مصر مساعيها، برًا وجوًا، لإغاثة المناطق المنكوبة وإمدادها بالمساعدات العاجلة.. وقد جاء ذلك بالتزامن مع تنفيذ القوات المسلحة الأردنية عملية إنزال جوي لمساعدات إنسانية على طول ساحل قطاع غزة من الشمال وحتى الجنوب، بعدما حالت إسرائيل دون وصول المواد الإغاثية للقطاع عبر المنافذ البرية، في وقت، أكد خبراء ومحللون، أن سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل ضد قطاع غزة مرتبطة بمفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى، وتهدف للضغط على حركة حماس، ومحاولة إخضاعها، فضلًا عن تهجير الغزاويين.. والهدف من التجويع، تدمير معنويات المقاتلين الفلسطينيين وتدمير قدرتهم على القتال، والعالم ـ في غالبه ـ متآمر ومتواطئ  في هذه الحرب، ويتغاضى عما تفعله تل أبيب، بل ويمدها بالسلاح، حتى باتت حركات المقاومة الفلسطينية (في معركة مع العالم)، والكل يضغط على حماس، وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للقبول بتهدئة مؤقتة، ثم استمرار الحرب، (لأن واشنطن تريد الرهائن، لكي يتباهى بهم الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الناخبين).
وقد أكد الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، جاجان تشاباجين، أن خطر الجوع في غزة يتزايد يومًا بعد يوم، في ظل تراجع حاد للأمن الغذائي، وانخفاض حجم المساعدات المقدمة لسكان القطاع إلى النصف في شهر فبراير الحالي، مقارنة بالشهر السابق، وفقًا لمعطيات الأمم المتحدة، وأن نحو 80% من سكان غزة يواجهون بالفعل ظروفًا كارثية بسبب انعدام الأمن الغذائي، وأن أكثر من مليون طفل ومُسنّ في مراكز الإيواء، يواجهون خطر الجفاف وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي والأمراض الجلدية وفقر الدم، حسب تقارير الهلال الأحمر الفلسطيني، بعد أن قتلت إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر الماضي، في حرب مدمرة على قطاع غزة، حوالي ثلاثين ألف شهيد، معظمهم أطفال ونساء.. وانهارت الرعاية الصحية إلى حد كبير، ويعيش كثير من الأشخاص في الخيام أو في الشوارع.
(كان من المفترض أن تزيد المساعدات لا أن تنقص، لتلبية الاحتياجات الضخمة لمليوني فلسطيني في ظروف معيشية بائسة.. ومن بين العقبات الافتقار إلى الإرادة السياسية، والإغلاق المنتظم للمعابر من جانب إسرائيل، وانعدام الأمن بسبب العمليات العسكرية بجانب انهيار النظام المدني، لدرجة أن قطاع غزة استقبل في المتوسط ثمانية وتسعين شاحنة فقط، محملة بإمدادات المساعدات خلال هذا الشهر)، كما قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).. ومن جانبها، أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، أن إسرائيل لم تمتثل لإجراء واحد على الأقل في الأمر المُلزم قانونًا، الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا، وذكرت في بيان لها، (بعد شهر، تواصل إسرائيل عرقلة توفير الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المُنقذة للحياة داخل غزة، وهي أعمال عقاب جماعي ترقى إلى جرائم حرب، وتشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب)، وأوضحت المنظمة، أنه على الدول الأخرى استخدام جميع أشكال النفوذ، بما فيها العقوبات والحظر، للضغط على حكومة الاحتلال للامتثال لأوامر المحكمة المُلزمة في قضية الإبادة الجماعية.. فهل فعلت هذه الدول ما يتوجب عليها؟.
في أعقاب اتهام إسرائيل لموظفين في وكالة أونروا التابعة للأمم المتحدة، بالضلوع في عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس ـ على إسرائيل في السابع من  أكتوبر الماضي، سارعت الولايات المتحدة أواخر يناير الماضي، إلى تعليق أي تمويل للمنظمة الأممية، تلتها كندا وأستراليا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفنلندا وهولندا وألمانيا وفرنسا واليابان، ودول أخرى، بالرغم من أن ما حدث لم يكن أكثر من مزاعم أطلقتها إسرائيل بحق الأونروا.. وبينما قررت وكالة الأمم المتحدة فسخ عقود إثنى عشر من موظفيها، أكدت السلطة الفلسطينية، أن الأونروا بحاجة إلى (الدعم) وليس إلى (وقف الدعم والمساعدات)، واتهمت إسرائيل بشن حملة تحريض (تهدف إلى تصفية الوكالة)، مع أن وكالة الأنباء الألمانية، في تغطيتها للتطورات، أكدت أن أيًا من الأمم المتحدة وإسرائيل لم تقدما تفاصيل بشأن كيفية تورط الموظفين في هجمات حماس!.
وقد حذر المفوض العام لأونروا، فيليب لازاريني، من انهيار تقديم المساعدات لملايين المحتاجين في غزة، وقال إن قيام تسع دول بتعليق تمويلها للوكالة، يهدد عملها الإنساني المستمر في جميع أنحاء المنطقة، وتحديدًا في قطاع غزة.. لأن التطورات تأتي في وقت يعيش فيه المدنيون في قطاع غزة واقعًا إنسانيًا مريرًا، والمجاعة تتهدد محافظتي غزة والشمال.. وحذرت وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع، من أن نحو ستمائة ألف مواطن شمالي قطاع غزة، يواجهون الموت نتيجة المجاعة وانتشار الأمراض والقصف الإسرائيلي، لأن الأونروا وحدها، تدير مراكز إيواء لأكثر من مليون شخص، وتوفر لهم الغذاء والرعاية الطبية الأساسية.. وهذا ما لا تريده إسرائيل التي تحارب الفلسطينيين بقنابل الموت والتجويع.. فواصلت تل أبيب ضغوطها على الوكالة الإغاثية، حيث طالب وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، باستقالة المفوض العام للوكالة، كما طالب بانضمام مزيد من الدول إلى حملة وقف تمويل الأونروا.. واتهم المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليفي، الأونروا بأنها واجهة لحماس، وكتب على حسابه في منصة تويتر (إنها تغطي حرفيًا على حماس)!!.
ومع أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، ناشد الدول المانحة (ضمان استمرارية) عمليات وكالة أونروا، بعدما علقت الكثير منها تمويل الوكالة، على خلفية اتهامات إسرائيل بأن موظفين في الوكالة قد يكونون ضالعين في عملية طوفان الأقصى، مؤكدًا أنه (بينما أفهم قلقها ـ وقد رُوعت أنا أيضًا بهذه الاتهامات ـ أناشد الحكومات التي علقت مساهماتها أن تضمن على الأقل استمرارية عمليات أونروا)، وتعهد جوتيريش بإجراء (مراجعة مستقلة وعاجلة وشاملة لأونروا)، إلا أن المفوض العام للوكالة، لازاريني، قال في بيان (إنه لأمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة، كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين)، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية، التي (يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص، من أجل البقاء على قيد الحياة).. وشدد على أن (هذه القرارات تهدد العمل الإنساني الجاري حاليًا في المنطقة، خصوصًا في غزة.. لم يكن الفلسطينيون في قطاع غزة بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي).
إلا أنه، وفي المقابل، قالت إسرائيل إنها ستسعى لمنع أونروا من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.. وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، عبر منصة إكس، أن وزارة الخارجية تهدف إلى ضمان (ألا تكون أونروا جزءًا من المرحلة) التي تلي الحرب، وأنه سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة أخرى رئيسية.. ولاحقًا ـ قال كاتس ـ (في مرحلة إعادة إعمار غزة، ينبغي أن تحل محل أونروا وكالات تُكرس عملها للسلام والتنمية)، داعيًا مزيدًا من الجهات المانحة إلى تعليق تمويلها لأونروا.. وهنا نتساءل: لماذا هذا الإصرار الإسرائيلي على استبعاد أونروا من قطاع غزة؟.
لطالما اتهمت السلطات الإسرائيلية، ومنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الوكالة بتأجيج التحريض ضد إسرائيل، وهو ما تنفيه أونروا.. وقد أثارت الوكالة غضب إسرائيل خلال عدوانها على غزة، وتدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن إسرائيل تستهدف أهدافًا مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، في حين قالت إسرائيل إن أونروا، عمدًا أو تحت التهديد، توفر غطاء (لإرهابيي حماس)!!.. وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة أونروا حول معاناة الفلسطينيين؛ حيث أشارت المحكمة لتقرير أونروا، الذي قالت فيه إن (القصف مستمر على غزة، وتسبب في نزوح كبير للسكان الذبن أجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمنًا، وتضرر أكثر من مليوني شخص، وسيتضررون نفسيًا وبدنيًا، والأطفال مرعوبون).. تقارير الوكالة هذه، تملك مصداقية كبرى عند الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل وجعلها أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها.
ومن سُخف القول، أن دعت المسئولة السابقة في مركز الأبحاث السياسية، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، نوجا أربيل، إلى تدمير (أونروا) فورًا لكسب الحرب في قطاع غزة!!.. وقالت في مداخلة بلجنة الشئون الخارجية في الكنيست: (إن أونروا تقوم بتلقين الفلسطينيين الاعتقاد بأن الإبادة الجماعية لليهود وتدمير إسرائيل، هي الطريق الوحيد كي يعودوا لبلادهم ويعيشون فيها.. لقد كانت أونروا بمثابة البذرة التربوية للشر الذي ارتُكِب ضدنا، ولهذا السبب يجب على أونروا أن ترحل.. أونروا تخلق الإرهابيين وتدعم الإرهاب، وأصبحت مصدرًا للكثير من أعمال العنف في إسرائيل.. ولهذا السبب يجب أن تتوقف عن الوجود. لن يكون من الممكن كسب الحرب إذا لم ندمر الأونروا.. هذا التدمير يجب أن يبدأ على الفور).
فهل تتمكن إسرائيل من إنهاء عمل الوكالة؟، خصوصًا بعد ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نقلًا عن مسئول رفيع في الأمم المتحدة، من أن فقدان أونروا التمويل، يمكن أن يكون له تأثير سريع على عمليات المنظمة، لأنها على عكس الوكالات الأخرى، ليس لديها احتياطي مالي إستراتيجي.. (الأمم المتحدة تشعر بالقلق بشكل خاص، إزاء تمويل ملاجئ أونروا البالغ عددها مائة وخمسين ملجًأ، تأوي نحو مليون ومائتي ألف نازح في غزة وحدها).. عمليات الإغاثة الإنسانية للفلسطينيين تقل، والغرب وأمريكا يقفون متفرجين، بل مشاركين في المأساة.. وستكشف الأيام القادمة عما كان خافيًا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.