رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرافعة التى كشفت عورات إسرائيل

حالة من الإبهار أخذت بألباب المشاهدين، الذين تابعوا مرافعة السيدة ياسمين موسى، ممثلة مصر أمام محكمة العدل الدولية.. شخصية قانونية من داخل وزارة الخارجية المصرية، وقفت مستندة لثقة مستمدة من بلدها، مصر، لتدافع عن الحق الفلسطيني وتدين الجرم الإسرائيلي في حق شعب أعزل، عاني ويلات الاحتلال لأكثر من خمسة وسبعين عامًا حتى الآن.. مفوهةً، متمكنةً من أدواتها، ناطقةً بالحق الذي صمَّ العالم آذانه دون سماعه، وأغمض عيونه عن جرائم إنسانية تُرتكب ضد الفلسطينيين، متفوقةً على من وقفوا أمام هذه المحكمة من قبل وبعد، حتى نالت إعجاب كل من تابع، وأدمعت عين كل من شاهد، بعد أن استندت ياسمين في مرافعتها إلى سوابق أحكام وآراء المحكمة، التي تؤكد انطباق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذا مبدأ عدم شرعية ضم الأراضي والاستيلاء على الإقليم بالقوة، ورفض ممارسات إسرائيل بتهويد القدس، وإدانة انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعلى رأسها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الخاص بالجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
شدَّدت مصر عبر مُمثلتها على ضرورة التزام المجتمع الدولي وفقًا لمبادئ المسئولية الجماعية، بوقف الانتهاكات الإسرائيلية المُمنهجة لأحكام القانون الدولي، وعدم الاعتراف ورفض أي آثار تنشأ عن الممارسات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، من استيطان وتهجير وسلب للأراضي وعرقلة الشعب الفلسطيني عن تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، مؤكدة ضرورة قيام الأطراف الدولية بالضغط على إسرائيل للامتثال لمقررات الشرعية الدولية ذات الصِلة، واحترام أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.. وقد كشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، عن أن المذكرتين المكتوبتين اللتين تقدمت بهما مصر إلى محكمة العدل الدولية في يوليو وأكتوبر ٢٠٢٣، بالإضافة إلى المرافعة الشفهية، قد تم إعدادها من جانب الفريق القانوني لوزارة الخارجية المصرية، حيث تناولت بشكل مستفيض الآثار القانونية للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧، واستهدفت تأكيد اختصاص المحكمة للنظر في المسألة، وإثبات الآثار القانونية الناشئة عن الممارسات الإسرائيلية في إطار التزاماتها باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.
أكدت مصر أن اختصاص محكمة العدل الدولية، في منح الرأي الاستشاري لا غنى عنه، في سبيل دعم هدف حل الدولتين، لإرساء ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة، والتوصل لحل عادل وشامل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، استنادًا لأحكام القانون الدولي، مشددةً على أن السبيل الأوحد لتحقيق تلك الغاية، يظل من خلال إقامة الدولة الفلسطينية، متصلة الأراضي والقابلة للحياة، على خطوط ما قبل عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.. كما أكدت مواقف المحكمة سابقًا، انطباق المبادئ القانونية الواردة بميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذا قواعد لاهاي الخاصة بقانون وأعراف الحرب، والمعاهدات الخاصة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بالإضافة إلى مبادئ القانون الدولي العرفي، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
حظيت مرافعة ياسمين موسى بإشادة واسعة من قِبل الحضور، وكل من تابع مرافعتها القانونية القوية أمام محكمة العدل الدولية، التي لاقت إعجابًا كبيرًا من رجال القانون في العالم، بعد أن ألقت بمرافعة قوية أمام المحكمة، تناولت فيها الحرب في غزة والتطورات الخطيرة في القدس والضفة الغربية، وقد أثارت كلماتها صدىً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث نالت إعجاب النشطاء، لما تضمنته من رصد دقيق وتوصيف مُفصّل للواقع المُعاش في الأراضي الفلسطينية، مع تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.. فمن هي هذه السيدة؟
هي أحد المسئولين في وزارة الخارجية المصرية، وتشغل منصب المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية.. تحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة كامبريدج البريطانية، وكان آخر تواجد لها في البعثات المصرية بالخارج، من خلال العمل كمستشارة بالوفد المصري في جنيف بسويسرا.. كما شغلت منصب أستاذ مساعد في القانون بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وقامت بتدريس القانون الدولي العام بها، لثلاثة أعوام.. وفي ثالث أيام جلسات الاستماع بمحكمة العدل الدولية، بشأن التداعيات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، أكدت ياسمين موسى أن إسرائيل جعلت من الحياة في غزة مستحيلة، مشددة على أن (حل الدولتين، هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام في فلسطين)، بعد أن كشفت عن الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير التركيبة السكانية الفلسطينية من خلال التوسع الاستيطاني، وأشارت إلى القيود التعسفية التي تفرضها إسرائيل على الموارد الطبيعية والاقتصادية في غزة، مؤكدة ممارسة إسرائيل الفصل العنصري في المناطق الفلسطينية المحتلة.. وختمت موسى كلمتها بالتأكيد أن التاريخ سيحاسبنا على مواقفنا تجاه حرب غزة، متسائلة: (إلى متى سينتظر الشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه المشروعة؟.. وإلى متى ستظل الأمم المتحدة تحاول كبح جماح إسرائيل، دون معالجة جذور المشكلة؟).
هذه المرافعة أربكت الولايات المتحدة، خصوصًا أنها جاءت بصوت مصر، لتزيد تباعد الولايات المتحدة عن حلفائها، بسبب دعمها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، على الرغم من التوتر المتزايد ظاهريًا بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن الحرب في غزة.. واتخذت خطوة استباقية، خوفًا من التأثير المباغت على المحكمة، الذي أحدثته كلمة مصر أمام قضاتها.. إذ حذر مسئولون أمريكيون من أن رأيًا استشاريًا من أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، إذا لم يُكتب بشكل صحيح، قد يحبط جهود السلام!!.. (التحرك نحو انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة، يتطلب النظر في احتياجات إسرائيل الأمنية الحقيقية جدًا)،. قالها مسئول وزارة الخارجية الأمريكية، ريتشارد فيسيك، للمحكمة.. وفي لاهاي، يوم الأربعاء، سعى فيسيك إلى الاعتراف بدور المحكمة، مع التحذير من مخاطر (الانحياز).. وقال إن المحكمة يجب ألا تجد أن إسرائيل مُلزَمة قانونًا بالانسحاب الفوري وغير المشروط، (تم تذكيرنا جميعًا باحتياجات إسرائيل الأمنية في السابع من أكتوبر، وهي مستمرة.. ومن المؤسف، أن العديد من المشاركين تجاهلوا هذه الاحتياجات، في التأكيد على الكيفية التي ينبغي أن تنظر بها المحكمة في المسائل المعروضة عليها).
(هذا ليس مفاجئًا.. ومهما كانت الجرائم ضد القانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل، فإن الولايات المتحدة تتقدم لحمايتها من المساءلة)، هكذا قال المحامي بول رايشلر.. فالولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل، وبسبب ذلك تواجه إدارة بايدن ضغوطًا متزايدة لحمل حكومتها على تغيير سلوكها في الحرب في غزة.. ومع ذلك، تواصل إدارة بايدن دعم إسرائيل في المحافل الدولية.. استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، للمرة الثالثة منذ بدء الصراع، مع أن بايدن وصف هذا الشهر الحملة الإسرائيلية على غزة، بأنها (فوق المُحتمل)، وقال إن معاناة المدنيين يجب أن تتوقف. ووقع أمرًا تنفيذيًا لفرض عقوبات على أربعة مستوطنين!! في الضفة الغربية، تقول الإدارة إنهم ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وهي أكبر خطوة اتُخذت ضد الإسرائيليين منذ بدء الصراع!!.. بل إن الولايات المتحدة جادلت، بأن وقفًا فوريًا لإطلاق النار، يمكن أن يعرض للخطر، المفاوضات من أجل هدنة مدتها ستة أسابيع، تُعيد خلالها حماس الإسرائيليين المختطفين، وتُفرج إسرائيل عن الفلسطينيين المسجونين، وسيتم تسليم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، ودعت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الأعضاء، إلى دعم قرار بديل.
دافعت الولايات المتحدة عما قالت إنها (احتياجات أمنية حقيقية للغاية) لإسرائيل، في إطار جلسة استماع تستمر ستة أيام في محكمة العدل الدولية، بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.. وأدان دبلوماسيون وجماعات إغاثة استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج عن رهائن.. وكانت الولايات المتحدة العضو الوحيد في المجلس، المؤلف من خمسة عشر عضوًا، الذي صوَّت ضد وقف فوري لإطلاق النار، بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت، في حين صوَّت الباقون لصالح القرار.. وبذلك، أصبحت واشنطن معزولة، بشكل متزايد، بدعمها لإسرائيل، وهو تطور كان واضحًا في لاهاي.. حتى أن محامي الفلسطينيين قال إن الولايات المتحدة هي (الدولة الوحيدة، إلى جانب فيجي، التي تدافع عن إسرائيل، خلال الإجراءات).. هذا ولم نتحدث عن أن واشنطن متورطة في الحرب ضد الفلسطينيين، بالجسر الجوي والبحري للأسلحة المُرسلة منها إلى تل أبيب، أو بالدعم المالي، وبالوقوف إلى جانبها سياسيًا واستخدامها لحق النقض (الفيتو)، في كل تصويت بمجلس الأمن يهدف إلى وقف المجزرة الإنسانية الحادثة في الأراضي المحتلة، والمطالبة بإنفاذ المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، حتى لا يكون الفلسطينيون بين نوعين من القتل، الجوع أو قنابل الاحتلال التي تستهدف المدنيين العُزَّل.. حتى يمكننا الآن، وبضمير مستريح، أن نقول واشنطن هي الشيطان الذي يقتل الفلسطينيين بدم بارد.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.