رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وما زال الإفك الصهيونى مستمرًا!

افترى بنو إسرائيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فغيروا صفته، كما يقول الكلبي، إنهم غيروا صفة رسول الله في كتابهم، وجعلوه آدم سبطًا طويلًا، وقد كان ربعة أسمر.. وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يُبعث في آخر الزمان، ليس يشبه نعت هذا.. وكانت للأحبار والعلماء مأكلةٌ من سائر اليهود، فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن بينوا الصفة الحقيقية التي يعرفونها عن النبي الذي سيرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فنزلت فيهم الآية الكريمة، ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ سورة البقرة ـ الآية 79.
ما أشبه الليلة بالبارحة، يواصل الذين حرَّف أجدادهم التوراة، تزييف العقيدة اليهودية، لخدمة المصالح الصهيونية، وتبريرًا لجرائم نتنياهو وحكومته في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، (علينا محو حماس، وما يتعين على إسرائيل فعله، والذي آمل بالطبع أنهم سيفعلونه، هو أنهم سيمحون غزة، وسوف يمحونها.. ما  هو  مهم للفهم، أن منطق الحرب قائم على الخطة الإلهية.. لا تسمح التوراة بإحلال الرحمة على الإطلاق أثناء الحرب، لا على الأطفال ولا على النساء، ولا أي شخص)، هكذا يقول أحد الحاخامات المُدعين، بينما يقول آخر، (لكن الفكرة تحديدًا أن هاشيم ـ يقصد الله ـ يقول لا ترحموا الأطفال.. اقتلوا جميع أطفالهم أيضًا.. لماذا؟.. لا فرق بينهم وبين آبائهم.. في غضون عشر سنوات من الآن سوف يهاجمكم هؤلاء الأطفال).. وانبرى صهيوني ثالث بالقول، (نحن لا نلعب وفقًا لقواعدكم، نحن نلعب وفقًا لقواعد التوراة.. الآية في الكتاب المقدس تقول: طوبى لمن يأخذ أطفال بابل وأدوم ويسحقهم على الصخر.. تمامًا كما فعلوا بنا.. هذا ما نقوله قبل الجلوس.. هذه نهاية المطاف.. الانتقام النهائي.. الانتقام مرة أخرى.. أقول مرة ثانية: طوبى لمن يأخذ الأطفال ويهشمهم ويقتلهم على الصخر، ثم نشكر هاشيم ـ يقصد الله ـ على الطعام الذي أكلناه).. فأي عقيدة سماوية هذه التي تطالب بسفك دماء الأطفال، وسحق عظامهم فوق الصخر؟، ومن هو هذا الإله الذي يرضى بقتل عباده؟!.. إن الديانات السماوية كلها تنبع من سراج واحد، من عند الله، الرحمن الرحيم، الملك العدل.. وكذبت ضلالات هؤلاء الصهاينة وإفكهم.
ويستمر الغل في قلوب الصهاينة، ليقول رابع: (نقتل جميع الرجال وجميع النساء، وحتى الأطفال الرُضَّع)، حتى نصل إلى أحد العسكريين الصهاينة، الذي يطالب جيشه بأن يكون منتصرًا (اقض عليهم، ولا تترك أحدًا خلفك.. امح ذكراهم.. امحهم وعائلاتهم وأمهاتهم وأطفالهم.. هذه الحيوانات لا مجال لتعيش بعد الآن.. بكل ما لدينا من قوات، حققوا الدمار التام وادخلوا ودمروا، سنشهد أشياءً لم نحلم بها أبدًا.. دعهم يلقوا عليهم القنابل ويمحوهم.. كل النبوءات التي أرسلها الأنبياء، على وشك التحقق).. أي نبوءات هذه التي جاء بها الرسل، ومتى وأين، ولمن جاءت؟.
ولأن الضلالات لا تقف عند حد، وعندما تكون الدولة العبرية في مأزق تاريخي، وفي رجاء نصر لم ولن يتحقق، يطالعنا بنجامين أنتوني، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمعهد ميريام، وأحد قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي، بمقال له في صحيفة جيروزاليم بوست، يطالب فيه مصر بأن تتحمل ما أسماه المسئولية الكبيرة عن الأزمة التي تتكشف، لأنها ـ كما يزعم ـ ولسنوات، غضت الطرف عن تهريب الأفراد والمواد والخبرات الإرهابية إلى غزة عبر سيناء.. ويقول، إنه (من الأراضي المصرية، عبر سيناء، عاد الإرهابيون إلى غزة بعد خضوعهم لتدريبات عسكرية في سوريا والعراق وإيران.. حدث السابع من أكتوبر، عندما انفجر تواطؤ مصر المتسرب في أكثر الهجمات دموية ضد اليهود منذ الهولوكوست).. وبجرة قلم، يشطب بنجامين الجرائم التي ارتكبها جيش بلاده، وتسببت في استشهاد أكثر من تسعة وعشرين ألف مواطن فلسطيني في قطاع غزة، ثلثاهم من الأطفال والنساء، غير المصابين الذين تجاوزوا الثمانين ألف مصاب، وأولئك الذين ما زالوا تحت أنقاض القطاع المُدمر.. تجاهل الكاتب كل ذلك، وكونه مُحفزًا لغضبة الشعوب في مصر والعالمين العربي والغربي، وما قد يؤدى إليه ذلك من تفجر الوضع في المنطقة، ليقول بأن مصر تتذرع الآن باحتمال حدوث اضطرابات إقليمية، لمطالبة الجيش الإسرائيلي بعدم العمل في رفح.. ويرى أن (مصر فشلت في الوفاء بالتزاماتها في الأراضي التي تتمتع بالسيادة عليها، وتسعى الآن إلى إملاء شروط ما يحدث في المناطق التي لا تتمتع بالسيادة عليها.. ويعيب على الأردن والإمارات وفرنسا وبريطانيا مطالباتها بمثل ما تطالب به مصر. بل ويصفه بالنفاق!).
لا نصر لإسرائيل في قطاع غزة إلا بالقضاء على أهله قاطبة، أو تهجيرهم إلى سيناء، وتلك أمانيهم التي تقف مصر حجرة عثرة أمام تنفيذها.. إلا أن الموقف المصري الصُلب المُناصر للقضية الفلسطينية، لا يأتي على هوى بني صهيون، ومن بينهم الكاتب، الذي قال بأنه (منذ بداية الحرب الأهلية السورية، تشير التقديرات إلى أن الحدود مع تركيا قد استوعبت أكثر من 3.5 مليون سوري، قبلت ألمانيا غير المجاورة 1.2 مليون منهم.. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وقعت مسئولية استيعاب الأوكرانيين النازحين مرة أخرى على عاتق الدول المجاورة، بما في ذلك بولندا، والدول غير المجاورة، مثل بريطانيا وأمريكا وإسرائيل.. ولكن الدول التي تحث عادة على استيعاب السكان لا تُلقي الآن أي مسئولية استيعابية لمصر، وتصر على أنه في الحالات التي قد يسعى فيها السكان النازحون الآخرون إلى الهجرة، لم تخطر ببال سكان غزة مثل هذه الفكرة.. لم ترفض مصر فتح حدودها لهجرة أهل القطاع فحسب، بل نشرت حوالي أربعين دبابة في المنطقة، على ما يبدو استعدادًا لإطلاق النار على أي من سكان غزة!، الذين تدعي هي والعالم أنهم يهتمون بهم بشدة في حالة عبورهم إلى أراضيها.. وهنا ينتهك المجتمع الدولي الآن معاييره الخاصة ـ في زعم الكاتب ـ لأن هذه الحرب تتميز بمنافس إقليمي غير مألوف، إسرائيل التي تسعى بالفعل إلى نصر حاسم!).
ويذكر الكاتب أن هناك العديد من الفروق بين الأزمات في سوريا وأوكرانيا والأحداث الجارية في غزة.. والأكثر دلالة على ذلك، هو أنه في حين أن السوريين لم ينتخبوا الرئيس بشار الأسد، والأوكرانيين لم ينتخبوا الرئيس فلاديمير بوتين، فإن الناخبين في غزة أدلوا بأصواتهم عمدًا لدعم النظام الذي شن الحرب التي هم متورطون فيها الآن، حماس!.. لقد أعطى سكان غزة تفويضًا انتخابيًا لنوايا الإبادة الجماعية المعروفة، التي هي في صميم ميثاق حماس.. تمت محاولة الإبادة الجماعية هذه في السابع من أكتوبر، وعندما تم جر جنود الجيش الإسرائيلي القتلى، والمختطفين المسنين إلى غزة، اندلعت احتفالات مدنية جماهيرية في الشوارع.. لا تزال كراهية اليهود والعنف والنوايا القاتلة خشنة في عروق الكثير من سكان غزة. والآن ترد إسرائيل!.
لفترة أطول مما ينبغي، ظل التعاون بين مصر وحماس مخفيًا.. همس ولكن نادرًا ما تحدَّث بصوت عالٍ.. ولكن حان الوقت لكشف شراكتهم، هكذا يرى بنجامين أنتوني.. و(سواء أراد سكان غزة والمصريون بعضهم البعض أم لا، ينبغي للمجتمع الدولي أن يُكمل الاتحاد بينهما.. يجب الضغط على مصر للسماح لسكان غزة بدخول سيناء - ضد إرادتها - بنفس القوة التي اضطرت إسرائيل على الأقل إلى توجيه المساعدات إلى القطاع ضد الإرادة الإسرائيلية.. يجب أن تكون النتيجة هي نفسها أيضًا.. يجب على إسرائيل أن تمضي قدمًا، دون أن يردعها التهديد، في السعي لتحقيق الدفاع عن شعبها وإعادة رهائنها).. ويواصل، بأنه (بينما السوريون قد يرغبون في الفرار من واقعهم الوحشي. وكذلك قد يفعل الأوكرانيون.. لكن الفلسطينيين، لا.. وعلى نحو فريد، يريد الفلسطينيون البقاء حيث هم، بعد أن أفسدهم نظام حماس الذي صوتوا له في السلطة.. يجب على إسرائيل أن تتقدم.. وعندما يطلب منها الاختيار بين أزمة النزوح في غزة، أو إدامة أزمة النزوح المتفاقمة التي تتكشف داخل حدودها، يجب عليها أولًا إعادة الإسرائيليين الذين يعيشون كأشخاص تم إجلاؤهم داخل بلدهم بأمان، بدءًا من أولئك القادمين من جنوب إسرائيل.. ولكي يتحقق ذلك، يمكن، بل يجب، تطهير حماس من رفح.. وفي حين أن مصر مسئولة مركزيًا عن تهجير سكان غزة، ومجهزة بشكل بارز لحل هذه القضية، فإن المسئولية الأساسية تقع على عاتق سكان غزة أنفسهم).
■■ وبعد..
فإن الكاتب هنا، يضع العربة أمام الحصان، ولا يعترف بأن خمسة وسبعين عامًا من الاحتلال والهوان، والحصار المفروض على قطاع غزة، كانت وراء التململ الفلسطيني من طول أمد الاحتلال، وخلق الرغبة في فك قيد الأسر المفروض على هذا الشعب الأعزل.. وما السابع من أكتوبر إلا نتيجة لما جنته يد إسرائيل، وإرهاص بما قد يحدث أكثر.. وأنه ما من حل لتلك الورطة الإسرائيلية إلا بحل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية.. وكفانا أن يبحث هؤلاء الصهاينة عن (شماعات) يُعلقون عليها إخفاقاتهم السياسية والعسكرية، وفقدان الصورة الإسرائيلية التي كانت معروفة لدى العالم قبل السابع من أكتوبر.. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن مصر لا تخشى على أمنها القومي، لأن جيشها كفيل بحمايته.. كل ما تفعله مصر هو الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني وتحقيق العدل بين الشعوب، وحماية القضية الفلسطينية من الاندثار على يد إسرائيل أو من يساندها.. وتلك رسالة للذين يتحدثون عن مصر بالسوء، فإن رفعت القاهرة يديها عن مساندة الحق الفلسطيني، كما تراه قيادتنا السياسية، ضاع وضاعت معه كل القضية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.