رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحشاشون! «1 - 3»

تناقلت المواقع الإخبارية نبأ قُرب عرض مسلسل تليفزيونى فى رمضان المقبل عن جماعة الحشاشين. وكمْ كانت فرحتى عند معرفتى بهذا الخبر، لأنى طالما ناديت بعودة الدراما التاريخية المصرية، وعدم ترك الساحة لجهات أخرى. الأمر الآخر أنه أخيرًا انتبهت الدراما التاريخية لهذا الموضوع المهم والخطير، وأقصد جماعة الحشاشين، أو فى الحقيقة الإرهاب باسم الدين. وقد اهتم المؤرخون بهذه الجماعة، كما كانت إلهامًا للرواية التاريخية، وأشهر ما كُتِب فى هذا الشأن رواية الأديب اللبنانى- الفرنسى أمين معلوف، لكن يبقى السؤال: مَن هم الحشاشون؟

يعتبر الحشاشون من أخطر الحركات الهدامة فى التاريخ الإسلامى؛ والحشاشون هم فرقة باطنية خرجت من عباءة الطائفة الإسماعيلية الشيعية، وكان هناك ارتباط بينها وبين الدولة العبيدية، المسماة بالفاطمية، وإن انفصلت عنها واحترفت الإرهاب السرى، وأصبح الحشاشون من غلاة الشيعة.

يعتبر الحسن بن الصباح هو المؤسس الحقيقى لهذه الفرقة السرية العجيبة التى أثارت الرعب فى العالم لعقود طويلة. وتُجمِع المصادر التاريخية على ميلاد الحسن بن الصباح فى فارس حوالى عام ١٠٣٧م، وتوفى أيضًا فى فارس حوالى ١١٢٤م. وكانت بدايات ابن الصباح عادية لا تُنبئ عن تحوله إلى زعيم إرهابى؛ إذ بدأ مهتمًا بالعلم والفلسفة، ويقال إنه كان على صلة بالشاعر الفارسى الشهير عمر الخيام. لكن الحسن بن الصباح سيصبح زعيمًا لأهم جماعة سرية إرهابية تتحصن بالقلاع الشاهقة، ويهبط أتباعها للقيام بعمليات اغتيال إرهابية تبث الرعب فى قلوب الناس. ويصف المستشرق الأمريكى برنارد لويس، وهو أحد أهم من درس تاريخ وأفكار الحشاشين، هذه الجماعة قائلًا: «الحشاشون الإسماعيليون كانوا بحق الإرهابيين الأُوَّل الذين استطاعوا تطويع الإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية». 

وتحدثنا المصادر التاريخية عن كيفية تجنيد الحسن بن الصباح أتباعه الذين أطلق عليهم الفدائيين، وهم الذين يقومون بالعمليات الإرهابية؛ إذ يتم اختيارهم فى سن صغيرة نسبيًا، حتى تتم السيطرة عليهم فكريًا ودينيًا. وفى الوقت نفسه يتيح صغر سن «المتطوع» السماح بتحمل التدريبات العسكرية الشاقة. كما كان يتم تعليمهم لغات مختلفة تتيح لهم التسلل إلى المواقع المستهدفة، وكأنهم من أهل هذه البلدان، ويسهل ذلك قيامهم بعملياتهم الإرهابية.

ويقال إنه كانت تتم السيطرة على هؤلاء الشباب نفسيًا ومعنويًا من خلال جرعات من المخدر، وإدخالهم الحدائق الغناء، فيتصورون أنهم فى الجنة، وبعد ذلك يتم دفعهم إلى القيام بالعمليات الإرهابية، مع وعدهم بأنهم إذا قُتِلوا سوف يدخلون الجنة التى عرفوها من قبل. ويرى البعض أن هذا المخدر الذى شاع استخدامه بينهم هو مخدر الحشيش، ويرى هؤلاء أن هذا هو السبب وراء التسمية التى أُطلقت عليهم: «الحشاشون».

والحق أن هذه الفرقة الإرهابية كانت مصدر رعب للشرق والغرب معًا؛ إذ يصف القس الألمانى برو كاردوس الحشاشين قائلًا: «الحشاشون هم الذين ينبغى أن يلعنهم الإنسان ويتفاداهم، إنهم يبيعون أنفسهم ويتعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء مقابل أجر، ولا يلقون اعتبارًا للحياة أو النجاة، وهم يغيرون مظهرهم كالشياطين التى تتحول إلى ملائكة».

وفى تقرير مبعوث إلى الإمبراطور فريدريك بربروسه، يرجع إلى عام ١١٧٥م، يصف التقرير الحشاشين «بأنهم ساكنو الجبال يأكلون لحم الخنزير الذى تحرمه شريعة الإسلام، ويأتون المحارم من أمهاتهم وأخواتهم». 

وعلى الجانب الإسلامى يشير البعض إلى الأثر الفارسى فى نشأة جماعة الحشاشين وغيرها من جماعات غلاة الشيعة. 

كما يؤكد عبدالله عنان على الأثر الفارسى فى دعوة الحشاشين: «تحرك دعاة الحشاشين بادئ ذى بدء فى فارس؛ إذ يجب ألا ننسى أن فارس كانت منذ البداية معقل الشيعة، وملاذ التعاليم الشيعية لأن الحركة القومية الفارسية كانت تعتمد على الدعوة الثورية الشيعية وفوراتها فى تحطيم الدولة العباسية».