رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف الشوباشى: الإسلاميون يعانون من خلل نفسى كبير ويدّعون أنهم أهل الدين لكن تصدر عنهم فى نفس الوقت بذاءات غير طبيعية

شريف الشوباشى
شريف الشوباشى

واصل الكاتب شريف الشوباشى شهادته على الكثير من الأحداث المفصلية التى عاشها، خلال الجزء الثانى من حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز». وكشف «الشوباشى» عن أن أجهزة مخابرات أجنبية كانت تدعم التيارات الإسلامية المتطرفة فى فترة حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك، لافتًا إلى أن مقاله «إلى متى نسكت» الذى مُنع من النشر فى جريدة الأهرام كان يهاجم هذه التيارات، خاصة ظاهرة إجبار المرأة على ارتداء الحجاب.

ووجه رسالة لقرائه بأنه لا قدسية لأى إنسان، وأن العقل هو الطريق الرئيسى وليس الوحيد لفهم الحقيقة، مضيفًا أن الدين حينما نفهمه بالعقل سندرك قيمته جيدًا، وإذا فهمناه بالغيبيات والخرافات سيرفضه العقل تمامًا، قائلًا: «ما يرفضه عقلى يجب ألا أصدقه إطلاقًا».

■ يوجد تراجع كبير وملحوظ فى المستوى الثقافى العالمى.. ما تفسيرك لذلك؟

- بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك سببان أساسيان فى التراجع الثقافى العالمى، الأول: تغير طريقة التواصل بين الناس، إذ كان التواصل قديمًا يتم على مستوى الأسرة، ثم المجتمع، ثم القُطر، ثم المنطقة ومنه إلى العالم، وكلما كان هناك انفتاح فى دائرة التواصل تغير مفهوم الشخص عن الحياة والثقافة.

والسبب الثانى: صعود التيار الرجعى الذى يتستَّر برداء الدين، ويمكن القول إن أوروبا كانت وما زالت يعيش فيها فكر اليمين المتطرف الذى يشبه بقدر كبير الفكر الرجعى الدينى، حيث يتعامل هذا الفكر مع الثقافة على أنها نوع من الرفاهية لا قيمة له.

ووسائل التواصل الاجتماعى تعمل على نشر أفكار بلا عمق، وهذا عكس ما كان يحدث قديمًا.

وذهبت إلى فرنسا فى الثمانينيات للإقامة، ولاحظت بداية ظهور الفكر اليمينى المتطرف، ولكنى كنت أعتقد أن هذا التفكير لن يستمر طويلًا، وأن الشعب الفرنسى سيرفض هذا الفكر، ولكن أدركت بعد ذلك أن تفكيرى لم يكن صحيحًا فى هذه الجزئية، حيث من الممكن أن يصل هذا الفكر المتطرف للحكم فى فرنسا فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا خير دليل على سيطرة وقوة هذا الفكر فى قارة أوروبا.

ويتبع الفكر اليمينى المتطرف عدد كبير من الشخصيات البارزة واللامعة فى حياة الدول، وكانت مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، التى أُطلق عليها لقب «المرأة الحديدية» من أنصار هذا الفكر، ويمكن القول إن هذه السيدة التى كان يخشاها الجميع فى بريطانيا، بل وفى الدول المجاورة، لقوتها غير المسبوقة، كانت تسخر من الثقافة والمثقفين بصورة علنية، وكانت تعتبر الثقافة من الكماليات، وكان مثلها الأعلى الفنان عمر الشريف.

وكان الفنان عمر الشريف قريبًا لى على المستوى الشخصى، ولهذا عرفت الكثير من القصص التى يمكن أن يُقال بعضها والبعض الآخر لا يصح قوله وذكره، وكان من بين تلك القصص أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من مكتب رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر، فى أثناء وجوده فى لندن لأداء مسرحية فنية، وطُلب منه أنه يأتى لزيارة هذه السيدة، وعندما ذهب إلى مكتبها قالت له إنه كان فتى أحلامها منذ الطفولة.

والفكر اليمينى المتطرف يُطلق عليه فى الاقتصاد الفكر النفعى، أى أن الاقتصاد يأخذ من الثقافة ما يعود عليه بالعائد المادى فقط.

■ لك وجهة نظر فى العقاد.. حدثنا عنها؟

- كان والدى قريبًا من الكاتب الراحل عباس محمود العقاد، لذا كان يستطيع أن يحكم على كتاباته بعين الشاهد وليس القارئ فقط، ويمكن القول إن الراحل عباس العقاد كان يكتب بعض الموضوعات غير المتوافقة مع فكره الحقيقى إرضاءً لجمهوره، وأكد هذه النظرة التى رأيتها فى «العقاد» بعض الشخصيات القريبة منه على المستوى الشخصى، وعلى رأسهم: أنيس منصور وغالى شكرى، وما كتبه «العقاد» فى الإسلاميات لم يعكس حقيقة تفكيره على الإطلاق، ولدىّ الكثير من المشاهد والشواهد التى تؤكد هذه النظرة، والفكرة التى رسمتها فى ذهنى عن هذا الرجل.

وكان «العقاد» يكتب ما يعجب الناس حتى ينال إعجابهم على المستوى الشخصى، فى حين أنه يتعين على الكاتب أن يكتب ما بداخله بشكل موضوعى وحقيقى، دون النظر إلى رد الفعل الذى سيأتى من الجمهور على هذه الكتابة، لذا يمكن التأكيد أن العقاد كان يكتب ما يتوافق مع فكر الجماهير وأذهانهم، وليس ما يدور بداخله وذهنه.

■ اقتربت من صناعة السينما ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله، وتوليت رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى من قبل والذى كان الحدث الأهم فى المنطقة.. ما تفسيرك للتراجع أو الخلل الذى أصاب هذا المهرجان؟

- أكبر تحول حدث فى صناعة السينما المصرية، هو أن الدولة رفعت يدها عن هذه الصناعة بالكامل، وهذا خطأ فادح ارتكبته الدولة، حيث أدى هذا الفعل إلى تراجع ملحوظ فى هذه الصناعة وما تقدمه من محتوى.

وعملت دولة فرنسا منذ سنوات كثيرة، على تخصيص أجهزة تعمل على دعم صناعة السينما بصورة كبيرة، ومن خلال هذه الأجهزة تتم مساعدة المنتجين فى صناعة الأفلام بصورة كبيرة، كما تتم مساعدة المنتجين وأيضًا دعم عملية التسويق والتوزيع، لذا تعد السينما الفرنسية من أهم الصناعات السينمائية فى العالم، ولهذا يجب القول إن ما فعلته مصر تجاه هذا القطاع لم يكن صحيحًا.

الأمر بدأ فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث رفعت الدولة يدها عن صناعة السينما، وتُرك الأمر بالكامل للقطاع الخاص، ومنذ هذا التوقيت حدث التراجع، كما أن اتجاه المنتجين نحو كسب أكبر عدد ممكن من الأرباح، دون النظر للمحتوى، من أسباب التراجع أيضًا.

ويمكن القول إن فيلم «الأرض» إنتاج المؤسسة العامة للسينما على سبيل المثال، كان جيدًا وجلب الكثير من الأرباح، وهذا عكس ما يحدث الآن، حيث الصناعة قائمة على العنصر التجارى، دون النظر للرسالة التى يقدمها العمل، ولم أذهب للسينما منذ سنوات كثيرة، وأتابع الأفلام الجديدة المحلية والعالمية على المنصات الرقمية الحديثة.

■ هل الانفتاح الكبير على المنصات الرقمية الإعلامية يثير فى داخلك بعض المخاوف؟

- إطلاقًا، لا يزعجنى انفتاح المواطن على المنصات الإعلامية لمتابعة ما يُعرض عليها من ثقافات مختلفة على الإطلاق، ولكن يجب أن يدرك الجميع أنه يجب إجراء تحليل وانتقاء للمعلومات التى يتم أخذها من هذه الثقافات، بما يتوافق مع العادات والتقاليد والقيم التى تميز كل مجتمع عن الآخر، وكان الكاتب الراحل رفاعة رافع الطهطاوى قد تحدث فى هذا الأمر بعد عودته من الخارج، وقال فى كتابه «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» إن الشخص عليه أن يأخذ من الخارج ما يتوافق معه فقط.

الأجيال الجديدة لديها قدر كبير من الوعى الذى سيمكنهم من الاستفادة من تلك المنصات الإعلامية الرقمية الكثيرة، وأنا على المستوى الشخصى ضد حجب ما يُعرض عبر المنصات الإعلامية سوى فى موضوعات قليلة بعينها.

وكانت حضارة الشواطئ فى فرنسا فى السبعينيات قائمة على أن تكون ملابس السيدات متسمة بالضيق الشديد، وفى منتصف السبعينيات تم الاستغناء عن الجزء العلوى من ملابس السيدات بشكل كامل، واستمر هذا الوضع لمدة تزيد على ١٥ عامًا، ولكن فوجئت منذ ١٠ سنوات بأن جميع السيدات فى الشواطئ الفرنسية أصبحن يرتدين المايوه البكينى بشكل كامل وليس بشكل جزئى، كما كان يتم ارتداؤه فى بداية السبعينيات، لذا فرنسا مرت بفترة كان بها انحراف فكرى، ثم عاد الأمر لما كان عليه المجتمع من قبل، لذا حجب المنصات الرقمية ليس الحل المثالى لمنع المجتمع من الانحراف، حيث تعود المجتمعات فى النهاية إلى ما كانت عليه من قبل بشكل طبيعى وتلقائى.

■ ما الدوافع التى جعلتك تكتب مقال «إلى متى نسكت» الذى تم منع نشره فى جريدة الأهرام؟ ولماذا حدث ذلك؟ 

- الدوافع التى جعلتنى أكتب مقال «إلى متى نسكت» الذى مُنع من النشر بجريدة الأهرام، أننى كنت أرى أن تيار الجماعات الإسلامية أصبح جارفًا بشكل مخيف، وأذكر أن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك حين أتى إلى باريس، كان يأتى معه معظم رؤساء التحرير، وفى إحدى المرات، رافقه الكاتب الراحل إبراهيم سعدة، وقال لى: «الموج عالى أوى يا شريف، إحنا مش قده».

هذا التيار كان يدعمه العديد من الدول والأجهزة الأمنية فى الخارج، وحين تبين أن هذه الموجة ستجرف الدكتور نصر حامد أبوزيد، رأيت أنه من الطبيعى أنها ستفعل ذلك مع الجميع، فكتبت مقالى عنها بجريدة الأهرام، وتساءلت: «إلى متى نسكت.. إلى أن نرتدى الطرح رجالًا ونساءً»، ولكن فوجئت بمنعه نهائيًا من النشر، رغم أننى كنت أحذر من خلاله من خطر هذه الجماعات.

كل ما حاول «أبوزيد» أن يفعله هو تفسير القرآن الكريم بالمنطق أو العقل، إضافة إلى التفسير بالوحى وبأسباب نزوله، فهو كان رجلًا مؤمنًا للغاية، وكان يفكر بعقله دائمًا. 

■ لماذا تعاملت مع قضية الحجاب بشكل عنيف؟ وكيف واجهت التيار الجارف ضدك حينها؟

- عندما طرحت قضية الحجاب لم أكن ضده كفكرة وإنما ضد الإجبار عليه، وتعاطيت مع هذه الفكرة بشكل عنيف؛ لأن هناك أكثر من طريقة للتعاطى، فهناك التعاطى الناعم والتعاطى الذى يعتمد على الصدمة من أجل التصدى للتيار الجارف، واخترت حينها طريقة التعاطى الصادم؛ لأننى اكتشفت أن هناك إرهابًا قمعيًا وفكريًا وجسمانيًا لفتيات وسيدات، بجانب تخويفهن وتهديدهن طوال الوقت من أجل ارتداء الحجاب.

أنا ضد إجبار المرأة على الحجاب بأى شكل من الأشكال، إنما فكرة حرية الاختيار لا يوجد مجال للحديث عنها، وكانت قضية الحجاب بالنسبة لى نموذجًا موسعًا لفكرة إجبار المرأة فى المجتمع المصرى والعربى والإسلامى، فبالرغم من أن المرأة حصلت على حريات عدة فى السنوات الأخيرة، فإنها ما زالت تتعرض للإجبار والقهر والعنف داخل القرى الصغيرة، وذلك وثقته من خلال تجاربى الشخصية وعلاقاتى مع الأهالى فى مختلف المحافظات.

مفتاح تقدم أى مجتمع أن يشعر الإنسان بأن له حقوقًا، فالتيار الإسلامى الذى يصدر نفسه دائمًا على أنه صاحب العلم بالدين، تصدر منه فى نفس الوقت بذاءات غير طبيعية، وهذه هى «الشيزوفرينيا»، فهم يعانون خللًا نفسيًا كبيرًا، فضلًا عن تبريرهم الغريب لهذه التصرفات العنيفة، وبشكل شخصى تعرضت للسب والقذف والتهديد بالقتل، بعدما كتبت عن رفضى إجبار المرأة على الحجاب.

■ ما تفاصيل معركتك مع اللغة العربية من خلال كتابك «تحيا اللغة العربية ويسقط سيبويه»؟

- واجهت انتقادات وهجومًا عنيفًا بعد نشر كتابى «تحيا اللغة العربية ويسقط سيبويه» فى عام ٢٠٠٤، الذى دعوت فيه إلى تحديث وتبسيط اللغة العربية والتخلص من بعض القواعد النحوية والصرفية التى تعوق تعلمها واستخدامها، وأثار الكتاب حينها جدلًا واسعًا فى الأوساط الثقافية والسياسية، حتى وصل إلى مجلس الشعب، حيث طالب بعض النواب بمصادرة الكتاب وعزلى من منصبى كوكيل لوزارة الثقافة، واتهمونى بالمساس بلغة القرآن والتبعية للغرب والاستهانة بالعربية وأهلها.

وكان هدفى من الكتاب هو تقريب اللغة العربية من الجيل الجديد والمجتمع العربى، وإزالة الكراهية التى يشعر بها الطلاب تجاه دروس اللغة العربية، التى تعتمد على قواعد معقدة ومتشعبة، وتفرق بين لغة النخبة ولغة الشعب، ومن بين الاقتراحات التى قدمتها فى كتابى، التى أثارت الجدل، الاستغناء عن المثنى ونون النسوة والتشكيل والتذكير والتأنيث فى الأرقام، معتبرًا أنها زوائد لا داعى لها ولا توجد فى اللغات الأخرى، وأنها تثقل اللغة وتخلق تمييزًا بين الرجل والمرأة، وأعطيت أمثلة على كيفية تبسيط الجمل بالتخلص من هذه الزوائد، مثل قول «النساء كلهم أكلوا» بدلًا من «النساء كلهن أكلن».

ولم أقصد بكتابى الإساءة للغة العربية أو التقليل من شأنها، بل العكس، فأنا أحبها وأحترمها وأفخر بها، وأريد أن تكون لغة حية ومتجددة ومتواصلة مع العصر والتقدم، وليست لغة متحنطة ومتجمدة ومتخلفة عن العالم، كما أننى أتقبل النقد البناء والحوار الهادئ، ولكننى أرفض الهجوم العنيف والتهم الباطلة والتشويه الإعلامى، وأدعو دائمًا إلى فتح باب النقاش العلمى والثقافى حول مستقبل اللغة العربية وسبل تطويرها وتعزيزها.

■ ما كواليس روايتك الحديثة «الشيخ والفيلسوف»؟ وما الفكرة التى تريد إيصالها من خلالها؟ 

- استلهمت روايتى الجديدة «الشيخ والفيلسوف»، من حوارات أفلاطون الفلسفية، التى ترصد صراعًا بين منهجين للتفكير فى الحقائق والقيم، فالرواية تعبر عن رؤيتى للتحديات التى تواجه المجتمع العربى والمصرى، الذى يشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية وفكرية كبيرة، ويحتاج إلى مراجعة موروثه وتطوير مفاهيمه، كما أن الرواية تجسد صورة الشيخ، الذى يمثل المنهج الذى يرفض التناقض والتفكير والنزاع الفكرى، ويعتقد أن هناك حقائق مطلقة لا تتغير مع الزمن، وصورة الفيلسوف، الذى يمثل المنهج الذى يقبل التناقض والتفكير والنزاع الفكرى، ويعتقد أن الحقائق نسبية وتتغير مع التطور العلمى والمادى. والرواية تتناول قضايا جوهرية مثل الفضيلة والرذيلة، وكيف تتأثر بها المجتمعات، وكيف يمكن البحث عن إجابات وجودية تناسب العصر الحالى، والرواية محاولة لفتح نافذة للحوار والجدل والتجديد فى الفكر العربى والإسلامى، باختصار، رواية «الشيخ والفيلسوف» تحاول التقريب بين الدين والفلسفة.

■ ما الرسالة التى تود توجيهها إلى قرائك فى الوقت الحالى؟

- لا قدسية لأى إنسان، فالعقل هو طريقك الرئيسى وليس الوحيد لفهم الحقيقة، حتى الدين حينما تفهمه بالعقل ستدرك قيمته جيدًا، إنما إذا فهمته بالغيبيات والخرافات فالعقل سيرفضه تمامًا، وما يرفضه عقلى يجب ألا أصدقه إطلاقًا، وهذه هى الرسالة الأساسية التى أريدها أن تصل إلى جميع الناس.