رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيبة سفر

جريدة الدستور

لملمت كل ما بقى من ذكرياتها فى تلك الحقيبة الواسعة: ألبوم صور زفافها، فستانها المفضل، حتى قميص نومها الأحمر، وزجاجة عطرها الذى كان يحبه ممزوجًا برائحة جسدها، وإصبع من أحمر الشفاه وردى اللون، وملاءتها الحريرية وبشكيرها القطن الزهرى. كل هذا ليس كافيًا كى يعوضها غيابه عنها، ولكن بعضًا منه يغنى عن الكثير، ظلت صامدة فى مكانها لحظات تعيد آخر لقاء جمعهما معًا وحجم الحب الذى كان يربطهما، ثم تلاشى فى أيام بظهور تلك الشقراء الناعمة المدللة. شهقت حتى امتلأت رئتاها بعبير الغرفة وودت لو طبقت على أنفاسها وحبستها أعوامًا بداخل صدرها، ولكن خرجت التأوهات تشق صدرها مع حسرة هذه الأيام، سمعت صوتًا يدق على الباب، ينبهها إلى قدوم السيارة، فمسحت وجهها بيدها بعد أن رُطب ببعض العبرات. ردت بقوة وشموخ، أنها جاهزة بعد لحظات استعدادًا للرحيل، استأذنتها الخادمة أن تحمل الحقيبة عنها. فرفضت. قبضت عليها بقوة ونزلت درجات السلم ببطء وكأن هناك من يشدها من الخلف ويطلب منها البقاء، ولكنها نظرات الأخرى، تتصفح المجلة فى بهو القصر الصغير الذى صنعته طوبة طوبة، وآلاف من الذكريات لم تلتفت لها ولو بكلمة، فهذا شرطها الوحيد حتى تستمر فى البيت وهو مغلوب على أمره. بعد أن حملت ولى العهد الذى ينتظره من سنوات، كادت تصفع وجهها عندما تذكرت أنها من طلبت منه الزواج منها حتى يرزق بما حرمت منه. راجعت نفسها، فحبه فى قلبها شفيع له، ومن حقه أن يحمل بين ذراعيه الطفل الذى كان يترجاه. رحلت إلى بيت أبيها فى الريف. تعد الأيام وترجو من الله البشرى. كلها أمل أن ترجع أيامها إلى سابق عهدها ويعود إليها حلمها الذى خطفته منها تلك الشقراء. تمر الأيام، وتنسى ما تمنت بالأمس بعد أن قسا قلبه عليها ليعود هو إلى بلدته ذات صباح، يلبس الأبيض وتحمله الأكتاف.