رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد بهى الدين: النجاح الاستثنائى لمعرض الكتاب يعبر عن قوة مصر ويواكب تأسيس «الجمهورية الجديدة»

أحمد بهى الدين
أحمد بهى الدين

نجاح كبير حققته الدورة الـ٥٥ من معرض القاهرة الدولى للكتاب، التى اختتمت فعالياتها أمس، بعد دورة استثنائية من مختلف الجوانب، وصل فيها عدد زوار المعرض إلى نحو ٥ ملايين زائر للمرة الأولى فى تاريخه، مع إقبال متزايد من الناشرين العرب والمصريين على المشاركة، وظهور عناوين لافتة ومتنوعة فى مختلف المجالات، بالإضافة إلى ما شهدته أيام المعرض من حضور كبير لرموز الفكر والفن والإبداع من مختلف دول العالم، ونشاط ثقافى وفنى مكثف، وحضور جماهيرى واسع للندوات والفعاليات. 

وحول تلك الدورة الاستثنائية، تحدثت «الدستور» مع الدكتور أحمد بهى الدين العساسى، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، عن أسباب النجاح الكبير لمعرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام، وتفاصيل التحضير له، وأهم الظواهر التى اتسمت بها الدورة الحالية، والدروس المستفادة منها، بالإضافة إلى الأهداف التى تتطلع إليها الهيئة فى تنظيم الدورة المقبلة من المعرض.

■ وصول عدد زوار معرض القاهرة الدولى للكتاب إلى نحو ٥ ملايين زائر يعنى كثيرًا من العمل والجهد.. فكيف تحقق ذلك؟

- معرض الكتاب يعبر عن قوة الدولة المصرية، وعندما نقول إننا نؤسس «جمهورية جديدة» فلا بد أن يكون معرض الكتاب مواكبًا لهذه الجمهورية، والنجاح الحالى هو ثمرة تضافر جهود أفراد ومؤسسات، على رأسها وزارة الثقافة، ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ولتحقيق ذلك، فقد تمت مراعاة البنية التحتية لتسهيل الوصول إلى معرض الكتاب دون معاناة من ازدحام الطرق أو عدم توافر وسائل المواصلات من مختلف المحافظات المصرية، وكذلك من الدول الأخرى، فبمجرد أن يصل الضيف إلى مطار القاهرة أصبح يجد طريقه بسهولة إلى المعرض.

لذلك، فليس غريبًا أن نجد كثيرين من مختلف الدول يأتون إلى معرض الكتاب، لأن التفكير فى نجاح هذه الدورة شغل بال الجميع، خصوصًا اللجنة الاستشارية للمعرض، هذا بالطبع بالإضافة إلى تاريخه، فنحن نتحدث عن ٥٥ عامًا هى عمر هذا المعرض، كما أن النجاح الحالى يرجع إلى الرؤية المستمدة من استمرارية العطاء المعرفى المصرى الممتد. 

■ ماذا عن اختيار الدكتور سليم حسن ليكون شخصية المعرض هذا العام؟

- نحن نشهد بناء الجمهورية الجديدة، ونحرص على صون الهوية والاستمرار فى بناء الشخصية المصرية، فالأمم لا تبنى فجأة أو من فراغ، ومن هنا جاءت فكرة العمل على الكشف عن جذورنا المصرية، التى لا نخاطب من خلالها القديم الذى لم يعد يصلح اليوم، وإنما ننظر فى الحضارة التى تعيننا على مواجهة المستقبل. 

ولتحقيق ذلك، جاء اختيارنا للدكتور سليم حسن، ليس فقط لقيمته باعتباره واحدًا من رواد المدرسة المصرية فى علم المصريات وصاحب أكبر موسوعة فى ذلك، ولكن أيضًا لكونه أيقونة، نكشف من خلالها عن الحضارة المصرية وعناصرها التى تؤدى وظائف حية حتى الوقت الراهن.

ومن هنا جاء تركيزنا، كذلك، على النشاط الثقافى فى المحور الذى حمل عنوان «الخروج إلى النور»، واستلهم اسمه من كتاب «الخروج إلى النهار» للدكتور سليم حسن، وتضمن المحور دعوة لإزالة اللبس عن بعض ما يمكن أن يلصق بالحضارة المصرية.

واختيار اسم الدكتور سليم حسن ومحور «الخروج إلى النور» كان من خلال المبدع يعقوب الشارونى، قبل وفاته فى نوفمبر الماضى، وقد كان سعيدًا جدًا بهذا الاختيار، وهو الذى انتقى الأعمال التى طبعت فى الهيئة المصرية العامة للكتاب. وفى هذه الدورة كثفنا العمل على النشاط الثقافى والوجود الدولى، وحرصنا على أن تكون مصر مرة أخرى قِبلة لكبار الكتاب والمفكرين من مصر والعالم العربى والعالم بشكل عام، وأن تكون «بوابة دخول» للأصوات الجادة العلمية والأدبية والفنية فى بلدانهم، مثلما هى دائمًا بوابة العالم العربى نحو الفن.

■ لماذا يتم عادة اختيار شخصية المعرض من بين أسماء الراحلين؟

- ليست هناك قاعدة أو قانون لذلك، فنحن عندما اخترنا الأستاذ يعقوب الشارونى ليكون شخصية معرض كتاب الطفل كان على قيد الحياة وقت اختياره، لكن كان للقدر رأى آخر.

ورغم ذلك، فإنه مما يلفت انتباهى دائمًا أثناء المشاركة فى الفعاليات الثقافية الدولية أن لدينا رصيدًا كبيرًا من أسماء الكتاب المصريين الذين رحلوا عن عالمنا وهم فى حاجة للتعريف بهم، وهذا لا يعنى التقليل ممن هم على قيد الحياة من المبدعين، ولكن يعنى أننا لم نوف قائمة الأسماء الكبيرة حقها حتى الآن، وهذه القائمة تضم رموزًا ومبدعين فى كل مجالات الفكر والإبداع، وهذ ما يمثل العظمة المصرية فى أبهى صورها.

■ كيف ترى تزامن فوز الأديب النرويجى يون فوسه بجائزة نوبل فى الآداب مع اختيار دولة النرويج لتكون ضيف شرف معرض الكتاب هذا العام؟ 

- بدأنا العمل مع دولة النرويج منذ مارس الماضى، واستغرقنا كثيرًا من الوقت لتنسيق برنامج العمل، وكان من حسن الطالع، بعد اختيارنا للنرويج لتكون ضيف الشرف فى دورة هذا العام، فوز الأديب النرويجى يون فوسه بجائزة نوبل للآداب، والحقيقة أننا حاولنا استضافته فى المعرض، لكنه لظروف خارجة عن إرادته لم يتمكن من الحضور، وسجّل رسالة فيديو لمعرض القاهرة الدولى للكتاب لأول مرة، وعرضت بالفعل فى إحدى الندوات. وقد استطعنا من خلال اختيار دولة النرويج استضافة الكاتب جوستاين جاردنر، صاحب رواية «عالم صوفى»، وهو أحد أهم رواد كتابة الرواية الفلسفية فى العالم، وبدأنا مرة أخرى نشهد حضور شخصيات ثقافية مميزة من مختلف أنحاء العالم.

■ ما معايير اختيار ضيف الشرف فى كل دورة؟

- ليست هناك مفاضلة فى اختيار ضيف الشرف، فالفكرة الأساسية تتمثل فى إبراز تنوع الثقافة الإنسانية، وعلى مدار الدورات الماضية تم اختيار دول عربية مثل الأردن، وإفريقية مثل السنغال، وأوروبية مثل النرويج، ما يكشف عن الحراك الدائم للتواصل مع المشترك الإنسانى.

وهنا أحب أن أشير إلى أن اختيار سلطنة عمان ضيف شرف معرض الكتاب فى دورته المقبلة يمثل فرصة سانحة لمدة ١٣ يومًا متصلة لتقديم الثقافة العمانية إلى نحو ٥ ملايين زائر، فى بلد كبير ورائد مثل مصر، لأن معرض القاهرة للكتاب يؤكد دائمًا فكرة تلاحم الثقافة المصرية مع الثقافة الإنسانية، وهذا ما سيظهر فى الدورة المقبلة، التى ستركز على تعزيز الصبغة العربية، كما ستظهر التنوع الثقافى المصرى.

واختيار عمان جاء فى ظل ما تتسم به من تراث متنوع وحاضر ثرى وأصوات مبدعة، واستضافتها فى معرض القاهرة للكتاب يتسق مع الدور المصرى منذ فجر التاريخ، والحضارة المصرية الصاهرة التى استطاعت هضم الأفكار المختلفة ومدت جسور الحوار الثقافى والحضارى بين الشرق والغرب منذ عصور ما قبل الميلاد، وهو دور يحتاج إليه العالم حاليًا، لأن هناك فارقًا بين التواصل عبر العوالم الافتراضية والتواصل عبر التلاحم الفعلى والتفاعل الواقعى والاطلاع على الرؤى والأفكار عبر الكتب والندوات.

■ شهدنا فى الدورتين الحالية والماضية تزايد الندوات والفعاليات التى يحضرها رموز الثقافة ونجوم الفن.. فما الآلية التى اتبعتها الهيئة لحشد هؤلاء؟

- كان هناك تضافر كبير فى العمل، وتعاون مع العديد من الجهات، منها تنسيقية شباب الأحزاب على سبيل المثال، مع تجنب العمل فى جزر منعزلة، وإدراك أن معرض الكتاب يتميز بأن له طابعًا غير متخصص فى نشاطه الثقافى، لأنه يرى الثقافة بمفهومها الواسع، وبشكل يجتذب الجمهور المصرى الواعى، وهذا ما لاحظه الجميع من خلال زيادة عدد حضور الندوات، كما اتضح فى خصوصية المعرض وروحه التى تميزه عن باقى معارض الكتب حول العالم، والتى تظهر فيما يصاحبه من نشاط فنى حى يقدم للجمهور.

وهنا، أحب أن أشيد بدور وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلانى، وتأكيدها ضرورة أن يكون النشاط الثقافى للمعرض مُعبرًا أيضًا عن الفنون المصرية بكل أشكالها، وأن يضم مواهب الأوبرا وفرق الفنون التراثية والتنورة وفرقة النيل للآلات الشعبية وغيرها، وكلها فنون جاذبة للجمهور.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تمتلك قوة إعلامية كبيرة وريادة اكتسبتها على مر السنين، واستعادتها فى السنوات الأخيرة عبر جهود الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى غطت قنواتها المعرض بشكل كبير، مع عدد آخر من القنوات الخاصة، ما أسهم فى الترويج للدورة الحالية، ويضاف إلى ذلك وعى الجمهور المصرى المتعطش للمعرض وللثقافة الرصينة.

وقد تم وضع البرنامج الثقافى للمعرض بشكل يليق بمصر والجمهورية الجديدة والقارئ المصرى الواعى، وهو ما ظهر على هيئة إقبال واسع يقترب من ٥ ملايين زائر، وظهر أيضًا فى الكتب التى بيعت طبعاتها كاملة رغم ارتفاع أسعارها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الورق.

وهذا كله يضاف إلى رصيد المعرض، وسنخرج جميعًا بدروس من الدورة الحالية، نبنى عليها فى المستقبل، وعلى رأسها أهمية التنسيق الكامل بين فرق العمل التابعة لهيئة الكتاب ووزارة الثقافة والشركة المتحدة ومركز مصر للمؤتمرات ومبادرة «تحيا مصر» وغيرها، مع الرعاية والدعم من الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، الأمر الذى دفع الجميع للعمل بكل تفان وإخلاص من إجل إنجاح المعرض، الذى أثر بالتأكيد على رؤيتنا للمستقبل، والتخطيط لدورة العام المقبل، التى بدأنا وضع أفكارها بالفعل حاليًا. 

■ فى رأيك.. ما أبرز الظواهر التى اتسمت بها هذه الدورة؟

- توقفت هذا العام أمام الإقبال المتنامى من الأطفال على القراءة، فقاعة الأطفال كانت مزدحمة رغم حجمها الكبير، وكان الأطفال حريصين على شراء الكتب.

كما توقفت أيضًا أمام موجة القراءات المتزايدة فى مجالات مختلفة، أصبحت لا تقتصر على القصة والرواية فقط، كما فى دورات سابقة، بعدما عملت هيئة الكتاب على وضع خطة ورؤية للنشر أفرزت عددًا من العناوين اللافتة، من بينها «استعادة طه حسين» و«ديوان الشعر المصرى».

وأتذكر أننى عندما عرضت مشروع «ديوان الشعر المصرى» على الشاعر أحمد الشهاوى نال إعجابه بشدة؛ وعقدنا جلسات متعددة فى مناقشته، وأكدت له وقتها أننى أريد أن أخرج الميراث الشعرى الذى أنتجته مصر منذ عرفت اللغة العربية وحتى منتصف القرن العشرين للقارئ؛ لأن مصر لها إسهام ونصيب كبير فى إبداع الشعر العربى، منها ما نعرفه وما لا نعرفه، لأن الشعر العربى بناء مكون من وحدات، وكل بلد أسهم بجزء فى هذا البناء، وهذا ما سعينا لإخراجه، عبر إبراز التراث الشعرى الصوفى، وتراث الشعر من مصر المملوكية والعباسية، لأننا كلما نقبنا أكثر اكتشفنا أشياء جديدة لم نكن نعرفها.

وهذا المشروع، رغم ظهور أول ٤ أعمال منه فقط فى مستهل المعرض، إلا أنه كان واحدًا من الكتب «الأكثر مبيعًا»، وهو ما يكشف عن ظاهرة الجمهور المتعطش للقراءة، والذى يقرأ شعرًا فصيحًا كلاسيكيًا مقفى.

وذلك الأمر يرجعنا أيضًا إلى أن كتب الأديب الكبير طه حسين، الصادرة عن «هيئة الكتاب» و«كتب النصر»، كانت فى قائمة الأكثر مبيعًا؛ ما يعنى أنها ظاهرة لافتة، تجعلنا نقول إننا فى احتياج لأن نقدم الثقافة بقيمها الأصلية، وستجد قارئها، فلا يمكن إصدار الأحكام على القارئ دون أن نقدم له شيئًا يستحق أن يقرأه.

■ ختامًا.. ما أبرز مستهدفات الدورة المقبلة من معرض الكتاب؟

- وصلنا هذا العام إلى جذب نحو ٥ ملايين زائر، وهو ما يزيد كثيرًا عن زوار المعرض فى العام الماضى، والذين بلغ عددهم ٣.٥ مليون، ونطمح فى العام المقبل أن يزيد عدد الزوار أكثر، مع رفع مستوى التمثيل الدولى، وأيضًا أن تكون لدى دور النشر عناوين كتب ثرية تنطلق من خلال المعرض، وتخطو منه وبه نحو مزيد من التقدم.

■ ما أسباب اختيار شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة» ليكون شعار الدورة المنتهية؟

- شعار «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة» يعبر عن دور مصر الحضارى فى العالم، وتم اختياره بعناية من بين عدة اختيارات من قبل اللجنة الاستشارية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، أى أنه ليس اختيارًا فرديًا. 

والفعل المضارع فى هذا الشعار والمتمثل فى كلمتى «نصنع» و«نصون» يعنى أنه فعل بدأ فى الماضى وما زال مستمرًا حتى اللحظة، كما يعبر عن الاحتواء والجمع، وهذا ما نؤكد من خلاله على ما قامت به مصر فى تاريخها وحتى الآن من صناعة معرفية وثقافية وإنسانية دون أن تنغلق على نفسها مثل بعض الحضارات، خاصة أن مصر حرصت منذ القدم على تدوين تلك المعرفة فى الرسومات والكتابات على جدران المعابد وفى البرديات، حتى إننا نجد الحكيم المصرى «بتاح حتب» يقول لابنه: «اقرأ واكتب يقتدى بك الناس».