رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قاضٍ: القضاء الإسرائيلى يمنع المسلمين فى غزة من الوصول إلى القدس

القدس
القدس

يتساءل العالم وشعوبه وقاداته عن الأسباب التى أدت إلى العنف الدموى فى الجرائم المرتكبة على أرض غزة، والنزاع المسلح الشرس منذ أكتوبر 2023 الدائر بين قوات الاحتلال الإسرائيلى والمقاومة الفلسطينية حماس بقطاع غزة، وراح ضحيتها آلاف المدنيين خاصة الأطفال والنساء والشيوخ، وهو نزاع مسلح لم يقم بين عشية وضحاها بل كان بسبب ماض ٍ طويل من الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولى وللحقوق الإنسانية لسكان غزة. 

وفى إحدى الدراسات القانونية المستنيرة يتم فك طلاسم الأسباب السابقة على مدار عدة عقود زمنية، والتى أدت إلى النزاع المسلح الآن وما خلفه من جرائم الإبادة الجماعية بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وتكشف عن مدى المعاناة التى عاشها الفلسطينيون خلالها على أيدى قوات الاحتلال من أفعال غير إنسانية أدت إلى ما نحن فيه، وتبين للعالم غياب العدالة الإنسانية حتى من القضاء الإسرائيلى ذاته الذى احتكم الفلسطينيون إليه من تصرفات الاحتلال البغيض.

ونواصل عرض الدراسة القيمة للمفكر والمؤرخ القضائى القاضى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بدراساته القومية بعنوان "أحكام القضاء الإسرائيلى الغائبة عن العالم بشرعنة جرائم الاحتلال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بالمخالفة للحقوق الإنسانية للبشرية"، وهو عمل شاق قام به من أجل الوصول لأصل الأحكام باللغة العبرية.

ونعرض للموضوع السادس من دراسة الفقيه القاضى المصرى عن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية فى ليلة الإسراء والمعراج يُمنع المسلمون فى غزة من الوصول إلى القدس للصلاة فى المسجد الأقصى منذ 24 عامًا وهم يشتمون رائحته قبل الموت!، والمحكمة الإسرائيلية مايزت بين المسلمين والمسيحيين فى الوصول إلى الأماكن المقدسة للفتنة بينهما!، ولأول مرة فى العالم القضاء الإسرائيلى يفرض تكاليف تعبد عقابية لردع المسلمين "مسلك المتعبدين" من أجل التعبد والصلاة بمبلغ خيالى قدره 25،000 شيكل (6،250 دولار)، وأن الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة عنصرية على أساس دينى ويمنع مسلمى غزة من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وهم يتشوقون لقبة الصخرة المُذهبة قبل الشهادة، ولم يرون القدس إلا عبر قصص الجَدَّات! والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله، وإسرائيل تتخذ من الدين مصدرًا للصراع والاستعلاء والانتقام، وهو ما نعرضه فى 7 نقاط.

أولًا: المحكمة الإسرائيلية المركزية في بئر السبع ترفض قضية (6) سيدات ملسمات فى غزة يطلبن الذهاب إلى القدس للصلاة فيه. 

يقول الدكتور محمد خفاجى: تلخص وقائع القضية فى أن الحكومة الإسرائيلية رفضت طلب (6) سيدات مسلمات من قطاع غزة وجميعهن فوق الأربعين من العمر، للذهاب إلى القدس من أجل الصلاة فى المسجد الأقصى، فلجأن مع جمعية جيشا الإسرائيلية- المسجلة رسميًا من 2005 وتعنى بحقوق الإنسان، ومن بين أبرز أهدافها السعي من أجل حماية حقوق الفلسطينيين في كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة حق التنقل– إلى المحكمة الإسرائيلية المركزية في بئر السبع للمطالبة بإلغاء القرار الصادر بمنعهن من الذهاب للقدس لممارسة حقهن فى العبادة والصلاة فى المسجد الأقصى، إلا أن المحكمة المركزية في بئر السبع أصدرت حكمها برفض القضية ومنعت السيدات المسلمات من الذهاب إلى القدس، وحالت بينهن وبين الصلاة فى المسجد الأقصى.

ثانيًا: (6) سيدات مسلمات للمحكمة العليا الإسرائيلية: تمنعون المسلمين والمسلمات بغزة من الذهاب إلى القدس للصلاة فى المسجد الأقصى وتسمحون للمسيحيين لإقامة شعائرهم!. 

ويذكر الدكتور محمد خفاجى: أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية فى أغسطس 2012 حكمًا برفض الطعن على حكم أول درجة الذي أصدرته المحكمة المركزية في بئر السبع، ورفضت الدعاوى القضائية التى رفعتها المسلمات الست بقطاع غزة من أجل الوصول إلى القدس للصلاة فى المسجد الأقصى، وأيدت قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر فى هذا الشأن، على حين أنها وافقت وأيدت قرار تلك الحكومة بالسماح للمسيحيين من غزة بالوصول إلى الأماكن المقدسة في إسرائيل والضفة الغربية في أيام العطلات، وكان منع المحكمة للمسلمين بقطاع غزة منعًا قاطعًا من الوصول إلى القدس لمنع الصلاة فى المسجد الأقصى. 

ويضيف: بهذا الحكم اعترفت إسرائيل بحق المسيحيين الذين يعيشون في غزة في حرية العبادة، من خلال السماح بالسفر إلى القدس والضفة الغربية خلال العطلات، مع مراعاة القيود العمرية والحصص العددية، بينما هى ترفض طلبات مماثلة نظيرة من قبل المسلمين من غزة بشكل قاطع من الوصول إلى القدس.

ثالثًا: المحكمة العليا الإسرائيلية فرقت بين المسلمين والمسيحيين فى الوصول إلى الأماكن المقدسة، ومايزت بينهما للفتنة.

ويذكر: استندت المحكمة العليا الإسرائيلية فى حكمها فى حجة تخالف العرف الدولى عن حرية إقامة ممارسة الشعائر الدينية بقولها إنه يجوز التمييز بين المسلمين والمسيحيين لغرض الوصول إلى الأماكن المقدسة! ومايزت بينهما للفتنة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بشأن المعتقد الديني للفلسطينيين في غزة من أجل الوصول إلى الأماكن المقدسة، بحجة أن السكان المسيحيين في غزة هم أقلية، وعلى زعم من أن حريتهم في العبادة تنتهك في ظل نظام حماس وقبلت المحكمة دفاع إسرائيل بأن التزاماتها تجاه سكان غزة تقتصر على السماح بالسفر في "حالات إنسانية استثنائية"، وهو نادر جدًا يكاد لا يحدث عملًا.

ويشير: قد دافعت جمعية مسلك في مناشدتها للمحكمة بأن سياسة عدم السماح للمسلمين من غزة بالوصول إلى الأماكن المقدسة في إسرائيل والضفة الغربية تعود إلى ما قبل سيطرة حماس على غزة عام 2007، كما قدمت جمعية جيشا أيضًا وثائق تظهر أن إسرائيل لا تعترف حتى فى "الحالات الإنسانية الاستثنائية".

رابعًا: لأول مرة فى العالم المحكمة الإسرائيلية تفرض تكاليف عقابية لردع المسلمين "مسلك المتعبدين" من أجل التعبد والصلاة بمبلغ خيالى قدره 25،000 شيكل (6،250 دولار).

يكشف الدكتور محمد خفاجى عن اختراع إسرائيل بفرض تكاليف تعبد كعقاب لردع المسلمين، ويقول إن المحكمة الإسرائيلية تفرض تكاليف المحكمة لتعجيز غزة من أجل التعبد والصلاة بمبلغ خيالى قدره 25،000 شيكل (6،250 دولار)، حيث قبلت المحكمة جزئيًا استئناف قرار المحكمة المركزية بفرض تكاليف المحكمة على "مسلك المتعبدين" بمبلغ مرتفع للغاية قدره 25،000 شيكل (6،250 دولار)، مصحوبًا بملاحظات مهينة حول عمل "مسلك"، باعتبار أن من رفع القضية منظمة لحقوق الإنسان، وهو انحراف عمدى من المحكمة الإسرائيلية المركزية فى بئر السبع في النظر في هوية منظمة "جيشاه" كمنظمة لحقوق الإنسان، وانحراف من المحكمة عن المعيار المقبول للتكاليف في الالتماسات من مثل هذا النوع.

ويشير: طلبت رافعات الدعوى مع منظمة جيشا بالنظر فى تلك المبالغ، وأن تضبط المحكمة نفسها في التدخل في فرض التكاليف، وبالفعل خفضت المحكمة العليا المبلغ إلى 12،000 شيكل (3000 دولار)، وقالت السيدات اللاتى رفعن القضية إن تكاليف المحكمة المرتفعة بشكل غير عادي ترقى إلى تكاليف عقابية تهدف إلى ردع المسلمين الفلسطينيين فى قطاع غزة ومنظمات حقوق الإنسان عن طلب الرقابة القضائية على قرارات السلطات العسكرية الإسرائيلية.

خامسًا: إسرائيل تتدخل فى حرية العبادة للمسلمين وتحرم سكان غزة من حُلم الصلاة في المسجد الأقصى منذ 24 عامًا.

ويوضح الفقيه القاضى: منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987، فرضت إسرائيل قيودًا على وصول الفلسطينيين في غزة إلى القدس، مما أدى إلى تشديد القيود بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، حيث منعت إسرائيل سكان غزة من السفر إلى القدس منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، لكن ارتباطهم القوي بالمدينة المقدسة يلهم حملات جديدة من أجل التغيير أن العائق الرئيسي الذي يقف في طريق سكان غزة من المسلمين بالتوجه إلى القدس هو القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلى، ويسجل التاريخ إخلاص كل أبناء غزة للمسجد الأقصى في مواجهة محاولات التهويد الإسرائيلية.

سادسًا: الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة عنصرية على أساس دينى ويمنع مسلمى غزة من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه طوال 24 عامًا، وهم يتشوقون لقبة الصخرة المُذهبة قبل الشهادة، ولم يرون القدس إلا عبر قصص الجَدَّات!

ويضيف الدكتور خفاجى: يكاد كل مسلم يتشوق إلى صورة قبة الصخرة المُذهبة خاصة المسلمين بقطاع غزة، وما زالوا يشتمون رائحة جدرانه القديمة ولا ينسون أبدًا لذة الصلاة في وسطها قبل الموت، وقد ألهمهم ذاك الطموح في نفوس الأبناء والأحفاد، الذين نشأوا في ظل الحظر الإسرائيلى دون سفرهم إلى القدس طوال 24 عامًا، ومعظمهم لم ير القدس إلا عبر التليفزيون، ومن خلال قصص الجَدَّات عن الارتباط بآثار القدس المقدسة.

ويؤكد أن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية برفض النظر في طلبات مسلمي غزة الراغبين في الصلاة في القدس ينتهك حق المسلمين فى حرية العبادة، كما أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة عنصرية على أساس دينى تمنع مسلمي قطاع غزة من ممارسة حقهم في حرية العبادة من خلال زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، على الرغم من أن حرية العبادة حق يكفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجب أن تكون متاحة لجميع الأفراد وليس لفئة دينية دون أخرى.

سابعًا: المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله، وإسرائيل تتخذ من الدين مصدرًا للصراع الدينى والاستعلاء والانتقام.

ويذكر: سعت قواعد الشريعة الإسلامية، ومن بعدها قواعد القانون الدولي الإنساني لتوفير حماية لأماكن العبادة لا سيما زمن النزاعات المسلحة، وعلى الرغم من ذلك ما زالت قوات الاحتلال الإسرائيلى تشهد العديد من الانتهاكات والاعتداءات الصارخة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي بأكمله بحرمان سكان غزة من الوصول إلى القدس للصلاة فى المسجد الأقصى الذى له أهمية لدى المسلمين نظرًا لقيمته الدينية، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فضلًا عن كونه ثاني مسجد بني في الإسلام بعد المسجد الحرام، ولا ريب أن منع قوات الاحتلال الإسرائيلى لسكان غزة من الوصول للقدس لإقامة الصلاة فيه تعيد معه عصور الظلام فى التناحر منذ قرون؛ الذى أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة.

ويشير: لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر الدينية، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، إن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى مليارات البشر، كما أن لها تأثيرًا على المساهمة في تحقيق السلام والمصالحة، إلا أن إسرائيل تتخذ من الدين مصدرًا للتوتر والصراعات والتعقيد، مما يثير فتنة ويؤجج مشاعر المسلمين وهم يرونها تخرق إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويختتم الفقيه القاضى المصرى: كم من ظلم وقهر وطغيان عايشه الفلسطينيون من سكان قطاع غزة منذ سنوات طوال من قوات الاحتلال الإسرائيلى وسائر سلطات إسرائيل حتى القضاء؟، ولا يعلم العالم أجمع- خاصة العربى من أصحاب التطبيع- شيئًا مفصلًا عن أحكام القضاء الإسرائيلى التى شرعنت جرائم الاحتلال، وخرقت الالتزامات والواجبات الدولية واغتصبت أرض فلسطين وثرواتها، وجعلت من إسرائيل نفسها كيانًا متجبرًا مستعليًا مستكبرًا فوق البشر والدول، إن سكان غزة تعرضوا لطغمة فاجرة على مدار سنوات مضت ظلت دفينة فى النفوس هديرًا مدويًا لا يتحمله بشر.