رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خناقة صينية أسترالية جديدة!

العلاقات الأسترالية الصينية، التى شهدت تحسنًا ملحوظًا، خلال الفترة الأخيرة، توترت مجددًا، أمس الإثنين، بسبب حكم بـ«الإعدام مع وقف التنفيذ»، أصدرته محكمة صينية، ضد الكاتب الأسترالى، الصينى الأصل، يانج جون، الذى كان يقيم فى الولايات المتحدة، والمحتجز فى الصين، منذ سنة ٢٠١٩، بتهمة التجسس، والذى زعم أن اعترافه بارتكاب الجريمة جاء نتيجة تعرضه للتعذيب فى مقر احتجازه!

علاقات تجارية قوية تربط بين البلدين، وهناك أحياء صينية فى كل مدن أستراليا الرئيسية، تقريبًا، غير أن العلاقات بين البلدين توترت منذ سنة ٢٠١٨، إثر قيام الحكومة الأسترالية السابقة، حكومة «الحزب الليبرالى الأسترالى»، بمنع شركة «هواوى» الصينية، من توريد معدات شبكة الجيل الخامس للمحمول إلى البلاد، ثم زادت التوترات، سنة ٢٠٢٠، حين طالبت أستراليا بإجراء تحقيق دولى بشأن منشأ فيروس كورونا، فى بادرة اعتبرتها بكين ذات دوافع سياسية، أو نتيجة تحريض من الولايات المتحدة. 

بانضمام أستراليا إلى تحالف «أوكوس»، AUKUS، الذى أسسته الولايات المتحدة وبريطانيا، فى سبتمبر ٢٠٢١، لمواجهة النفوذ الصينى فى المحيطين الهادى والهندى، وصلت العلاقات الأسترالية الصينية إلى درجة توترها القصوى، أو للدرجة التى جعلت لجنة من خبراء الأمن القومى الأسترالى، تحذر، فى تقرير، من أن أستراليا ستصبح هدفًا للصواريخ الصينية، إذا ما وقعت مواجهات بين بكين وواشنطن على مناطق النفوذ فى بحر الصين الجنوبى، أو حال اجتياح الصين لتايوان، الذى يتوقعون حدوثه خلال ثلاث سنوات!

بحصوله على أغلبية مقاعد مجلس النواب، فى الانتخابات التشريعية، التى جرت فى مايو ٢٠٢٢، عاد حزب العمل الأسترالى، إلى السلطة، وقام أنتونى ألبانيزى، بتشكيل الحكومة، لتقل بالتدريج حدة التوترات فى العلاقات الأسترالية الصينية، وصولًا إلى تأكيد الرئيس الصينى شى جين بينج، فى نوفمبر الماضى، خلال استقباله «ألبانيزى»، فى بكين، أن البلدين يمكنهما أن يصبحا «شريكين» يتبادلان الثقة. 

فى هذا اللقاء، الذى كان الأول بين رئيس صينى ورئيس وزراء أسترالى، بعد أكثر من سبع سنوات، أشاد «ألبانيزى» بالتطور «الإيجابى جدًا» فى العلاقات الثنائية بين البلدين. لكن، خلال مؤتمر صحفى، عقدته أمس الإثنين، قالت بينى وونج، وزيرة الخارجية الأسترالية إن الحكم الصادر ضد الكاتب الأسترالى، الصينى الأصل، «روّع الحكومة الأسترالية»، وأكدت أن بلادها ستبلغ ردها للصين «بأقوى العبارات»، وأعربت عن اعتزامها استدعاء السفير الصينى لإبلاغه بهذا الرد. كما أعربت، أيضًا، عن أسفها بسبب «الضيق الحاد الذى سيشعر به الدكتور يانج وعائلته». والطريف، هو أن بينى وونج، التى تشغل منصبها منذ ٢٣ مايو ٢٠٢٢، مولودة فى مدينة كوتا كينابالو الماليزية، لأب صينى ماليزى، وأم أسترالية إنجليزية!

المهم، هو أن يانج جون، كان يزور الصين فى يناير ٢٠١٩، حين تم إلقاء القبض عليه، وفى أغسطس التالى ألقت السلطات الأسترالية القبض على شينج لاى، مقدمة البرامج السابقة فى التليفزيون الحكومى الصينى، «سى سى تى فى»، بزعم أنها تمثل خطورة على الأمن القومى، كما داهمت الشرطة الأسترالية، فى سبتمبر ٢٠٢٠، منازل صحفيين صينيين مقيمين فى كانبيرا، وفى الشهر نفسه غادر صحفيان أستراليان الصين بعد قيام السلطات الصينية باستجوابهما، و... و... فى أكتوبر الماضى، أطلقت الصين سراح الصحفية الأسترالية، تشانج لى، بعد احتجازها لأكثر من ثلاث سنوات بتهمة التجسس!

فى كتاب صدر سنة ٢٠١٨، عنوانه «الغزو الصامت.. كيف حولت الصين أستراليا إلى دمية؟»، قال الكاتب الأسترالى كليف هاميلتون إن آلاف العملاء الصينيين تسللوا خلسة إلى المؤسسات الأكاديمية والتجارية والسياسية والدينية بأستراليا فى إطار استراتيجية تجسس طويلة المدى. وأكد أن أربعين سياسيًا، سابقًا وحاليًا، تربطهم علاقات صداقة بالنظام الحاكم فى الصين، وعملوا جواسيس لبكين. وخصص هاميلتون، فصلًا كاملًا عنوانه «بوب بكين» للحديث عن بوب كار، وزير الخارجية العمّالى الأسبق!

.. وتبقى الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ، فى الصين، تتحول، غالبًا، إلى السجن مدى الحياة، ما يعنى، عمليًا، إطلاق سراح المحكوم عليه بعد ٢٥ سنة، إذا لم يرتكب جريمة أخرى داخل السجن!