رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاجأة.. إسرائيل المصدر الأول لأسلحة حماس

يتعلق رئيس الوزراء الإسرائيلى المأزوم فى غزة، بنيامين نتنياهو، بأى قشة يمكن أن ترفع عنه مسئولية الإخفاق الشديد التى تعانيه قواته فى غزة، ولم يستطع حتى الآن أن يحقق أيًا من أهداف حملته المسعورة على القطاع، تدمير حماس والإفراج عن المُحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة.. وراح يتحدث عن «الثغرة» التى تدخل منها الأسلحة لحماس، محور فيلادلفيا، ويتهم مصر بما ليس فيها، وهو يعلم أن كلامه لا يتعدى صوته، لأن القاهرة قادرة على حماية حدودها، وأنها تملك من السيطرة على المحور، ما يمنع حدوث ما يتحدث به نتنياهو، حتى جاءت المفاجأة.. إعلان صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فى تقرير نشرته، أمس، أن مصدر أسلحة حماس، هو إسرائيل نفسها.. كيف ذلك؟

المفاجأة فجرها مسئولون عسكريون واستخباراتيون إسرائيليون.. كميات كبيرة من الأسلحة التى استخدمتها حماس فى هجمات السابع من أكتوبر وفى الحرب الدائرة الآن فى غزة جاءت من مصدر غير متوقع: الجيش الإسرائيلى نفسه.. وبعد سنوات، أشار فيها المحللون إلى طرق التهريب تحت الأرض، لشرح كيف بقيت حماس مدججة بالسلاح، على الرغم من الحصار العسكرى الإسرائيلى على قطاع غزة، إلا أن المعلومات الاستخباراتية الأخيرة أظهرت إلى أى مدى تمكنت حماس من بناء العديد من صواريخها وأسلحتها المضادة للدبابات، من بين آلاف الذخائر التى لم تنفجر، عندما ألقتها إسرائيل على غزة وفقًا لخبراء الأسلحة ومسئولى المخابرات الإسرائيليين والغربيين، كما تقوم حماس بتسليح مقاتليها بأسلحة جاءت من القواعد العسكرية الإسرائيلية.. وكشفت المعلومات الاستخباراتية، التى تم جمعها خلال أشهر من القتال، أنه مثلما أساءت السلطات الإسرائيلية تقدير نوايا حماس قبل السابع من أكتوبر، فإنها قللت أيضًا من قدرتها على الحصول على الأسلحة.. وأصبح واضحًا الآن، أن نفس الأسلحة التى استخدمتها القوات الإسرائيلية لفرض حصار على غزة، على مدى السنوات السبع عشرة الماضية تستخدم الآن ضدها.. وهكذا، مكَّنت المتفجرات الإسرائيلية والأمريكية حماس من إغراق إسرائيل فى وحل غزة. 

فى تقرير صحيفة «نيويورك تايمز»، أكد مايكل كارداش، النائب السابق لرئيس قسم إبطال مفعول القنابل فى الشرطة الإسرائيلية ومستشارها الحالى، أن الذخائر غير المنفجرة، هى المصدر الرئيسى للمتفجرات بالنسبة لحماس.. إنهم يقطعون القنابل المُلقاة من إسرائيل، وقنابل المدفعية، ويعيدون استخدام موادها المتفجرة فى صناعة ذخائرهم وصواريخهم. 
ويقول خبراء الأسلحة إن ما يقرب من 10% من الذخائر، لا تنفجر عادة، ولكن فى حالة إسرائيل، يمكن أن يكون الرقم أعلى.. وتشمل ترسانة إسرائيل، صواريخ تعود إلى حرب فيتنام، أوقفت الولايات المتحدة وقوى عسكرية أخرى استخدامها منذ فترة طويلة.. ويمكن أن يصل معدل فشل بعض هذه الصواريخ إلى 15%، كما قال ضابط مخابرات إسرائيلى، قابلته الصحيفة، وتحدث مع محررها، بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المسائل الاستخباراتية.. وعلى أى من الحالتين، فإنه خلال سنوات من القصف المتقطع، والقصف الأخير لغزة، تناثرت فى المنطقة آلاف الأطنان من الذخائر غير المنفجرة، التى تنتظر إعادة استخدامها، ويمكن أن تصبح قنبلة واحدة تزن سبعمائة وخمسين رطلًا ولا تنفجر، مصدرًا لمئات الذخائر أو الصواريخ.. وكان المسئولون الإسرائيليون يعرفون قبل هجمات أكتوبر، أن حماس يمكن أن تجمع بعض الأسلحة الإسرائيلية الصنع، لكن حجم ما تم جمعه من قِبل حماس، أذهل خبراء الأسلحة والدبلوماسيين على حد سواء.

أيضًا، عرفت السلطات الإسرائيلية أن أسلحتها عُرضة للسرقة.. وأشار تقرير عسكرى، صدر أوائل العام الماضى، إلى أن آلاف الطلقات ومئات البنادق والقنابل اليدوية سُرقت من قواعد تفتقر إلى الحراسة.. ولم يقل المسئولون إن الذى سرق هذه الأسلحة هم الجنود الإسرائيليون أنفسهم، وباعوها لحماس.. البعض منها شق طريقه إلى الضفة الغربية، والبعض الآخر إلى غزة مباشرة، «نحن نُغذى أعداءنا بأسلحتنا الخاصة»، كما جاء فى سطر واحد من التقرير، الذى اطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز.

أصبحت عواقب ذلك واضحة فى السابع من أكتوبر.. إذ بعد ساعات من اختراق حماس الحدود، اكتشف أربعة جنود إسرائيليين جثة مُسلح من حماس قُتل خارج قاعدة الراعيم العسكرية، كانت الكتابة العبرية مرئية على قنبلة يدوية على حزامه، كما أكد أحد الجنود، الذى تعرف عليها، على أنها قنبلة يدوية إسرائيلية مضادة للرصاص، وهى نموذج حديث.. واجتاح مقاتلون آخرون من حماس القاعدة، ويقول مسئولون عسكريون إسرائيليون، إن بعض الأسلحة نُهبت وذهبت إلى غزة.. وعلى بعد أميال قليلة، جمع أعضاء فريق الطب الشرعى الإسرائيلى، واحدًا من خمسة آلاف صاروخ، أطلقتها حماس فى ذلك اليوم.. وعند فحص الصاروخ، اكتشفوا أن متفجراته العسكرية جاءت على الأرجح من صاروخ إسرائيلى غير منفجر، أُطلق على غزة خلال حرب سابقة، وفقًا لضابط مخابرات إسرائيلى.. وهناك أسلحة أخرى، مثل المتفجرات المضادة للدبابات والرءوس الحربية «آر بى جى» والقنابل الحرارية والأجهزة المرتجلة، تمت إعادة استخدامها كأسلحة إسرائيلية المصدر.

تتطلب الصواريخ والقذائف كميات هائلة من المواد المتفجرة، التى يقول المسئولون إنها أصعب مادة يمكن تهريبها إلى غزة.. ومع ذلك، أطلقت حماس الكثير من الصواريخ والقذائف فى السابع من أكتوبر، لدرجة أن نظام الدفاع الجوى الإسرائيلى «القبة الحديدية» لم يستطع مواكبة ذلك.. وأصابت الصواريخ بلدات ومدنًا وقواعد عسكرية، ما وفر غطاء لمقاتليها الذين اقتحموا إسرائيل، وأصاب أحد الصواريخ قاعدة عسكرية، يُعتقد أنها تضم جزءًا من برنامج الصواريخ النووية الإسرائيلى.

اعتمدت حماس، ذات مرة، على مواد مثل الأسمدة والسكر البودرة التى ليست قوية مثل المتفجرات العسكرية لبناء الصواريخ، لكن منذ عام 2007، فرضت إسرائيل حصارًا صارمًا، وقيدت استيراد البضائع، بما فى ذلك الإليكترونيات وأجهزة الكمبيوتر، التى يمكن استخدامها لصنع الأسلحة.. هذا الحصار والحملة على أنفاق التهريب المؤدية إلى غزة ومنها، أجبرت حماس على الإبداع، حتى أصبحت قدراتها التصنيعية الآن متطورة بما يكفى، لرؤية الرءوس الحربية للقنابل الإسرائيلية غير المتفجرة، التى يصل وزنها إلى ألفى رطل، وقد جمعتها حماس وأعادت توظيفها.

«لديهم صناعة عسكرية فى غزة، بعضها فوق الأرض، وبعضها تحت الأرض، وهم قادرون على تصنيع الكثير مما يحتاجون إليه»، قالها إيال هولاتا، الذى شغل منصب مستشار الأمن القومى الإسرائيلى ورئيس مجلس الأمن القومى، قبل أن يتنحى أوائل العام الماضى.. وأكد مسئول عسكرى غربى، أن معظم المتفجرات التى تستخدمها حماس فى حربها مع إسرائيل، يبدو أنها صُنعت باستخدام ذخائر لم تنفجر أطلقتها إسرائيل، وأحد الأمثلة على ذلك كان فخًا متفجرًا أسفر عن مقتل عشرة جنود إسرائيليين فى ديسمبر الماضى.. ويفخر الجناح العسكرى لحماس، كتائب القسام، بقدراته التصنيعية لسنوات، التى بدأت بعد حرب 2014 مع إسرائيل، حيث أنشأت فرقًا هندسية لجمع الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة، مثل قذائف الهاوتزر وقنابل MK-84 الأمريكية الصنع.. وتعمل هذه الفرق مع وحدات إبطال الذخائر المتفجرة التابعة لشرطة حماس، ما يسمح للناس بالعودة بأمان إلى ديارهم.. كما أنها تساعد حماس فى الاستعداد للحرب المقبلة.. «تهدف استراتيجيتنا إلى إعادة توظيف هذه القطع، وتحويل هذه الأزمة إلى فرصة»، قال قائد كتائب القسام لقناة الجزيرة عام 2020.. وقد نشرت الكتائب مقاطع فيديو، فى السنوات الأخيرة، تظهر بالضبط ما كانوا يفعلونه: يفتحون الرءوس الحربية، ويستخرجون منها المواد المتفجرة، ويعيدون استخدامها.

فى عام 2019، اكتشفت قوات الكوماندوز التابعة للقسام، مئات الذخائر على متن سفينتين عسكريتين بريطانيتين من حقبة الحرب العالمية الأولى، غرقتا قبالة ساحل غزة قبل قرن من الزمان.. هذا الاكتشاف سمح لها بصنع مئات الصواريخ الجديدة.. وفى وقت مبكر من الحرب الحالية، أظهر شريط فيديو للقسام، مُسلحين يجمعون صواريخ «ياسين 105» فى منشأة تصنيع «بدون شمس».. «الطريقة الأكثر أهمية لحماس للحصول على الأسلحة، هى من خلال التصنيع المحلى»، قال أحمد فؤاد الخطيب، محلل سياسة الشرق الأوسط الذى نشأ فى غزة، «إنه مجرد تعديل للكيمياء، ويمكنك صنع ما تريد إلى حد كبير».. ومع أن إسرائيل تفرض قيودًا على الاستيراد الشامل لمواد البناء، التى يمكن استخدامها لصنع الصواريخ، وغيرها من الأسلحة.. لكن فى كل جولة جديدة من القتال، تخلف وراءها أحياء من الأنقاض، يتمكن المسلحون من انتزاع الأنابيب وأسياخ حدبد الخرسانة، وغيرها من المواد ذات القيمة لإعادة تشكيلها أسلحة.

■■ بقى أن نقول..
إن إسرائيل تُقدِّر أنها شنت ما لا يقل عن اثنين وعشرين ألف غارة على غزة منذ السابع من أكتوبر.. وغالبًا ما تتضمن كل منها طلقات متعددة، ما يعنى أن عشرات الآلاف من الذخائر قد أُسقطت أو أُطلقت، ولم تنفجر الآلاف منها على الأرجح.. «المدفعية والقنابل اليدوية والذخائر الأخرى.. عشرات الآلاف من الذخائر غير المنفجرة ستُترك بعد هذه الحرب»، قال تشارلز بيرش، رئيس خدمة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام فى غزة.. وهذه «بمثابة هدية مجانية لحماس من إسرائيل».

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.