رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسامة عبدالرءوف الشاذلى: «الأصل الواحد للأديان» قلب مشروعى الروائى

أسامة عبدالرءوف الشاذلى
أسامة عبدالرءوف الشاذلى

مثل الكثير من الأطباء الذين نبغوا فى الكتابة، يأتى الدكتور أسامة عبدالرءوف الشاذلى ليكون حلقة جديدة فى هذه السلسلة، التى بدأها محمد حسين كامل صاحب «قرية ظالمة» وجاء من بعده محمد ناجى ومن بعده يوسف إدريس، ثم جاء «الشاذلى» بروايتين أثبت فيهما أن لديه قدرات غير عادية، سواء فى طرق البحث أو الكتابة أو الأسلوب اللغوى المتعدد والمتغير والمناسب لعوالمه.

ولأنه يعمل طبيبًا جراحًا للقدم والكاحل، فإنه يرى الحالة ويدقق ويفكر ويقرر، وحين ينتهى يفعل ذلك ببراعة، فكل غرزة هنا تغلق بإحكام، هكذا يفعل فى الرواية، فهى بالنسبة إليه، تشبه عملية جراحية يُحضر لها ويفكر فيها وينظر من رؤية شمولية للفترة التى سوف يكتب عنها، ويبدأ فى صناعة الشخصيات ويراقبها ثم يتلبس أرواحها ويكتب كما يرى.. أصدر «أوراق شمعون المصرى»، ومن بعدها «عهد دميانة» وكلتاهما تدور فى حقبة تاريخية مختلفة، الأولى تبحث فى تيه بنى إسرائيل والأخرى فى نهاية العصر الفاطمى.. «الدستور» التقت الدكتور أسامة عبد الرءوف الشاذلى، وكان هذا الحوار..

■ بداية.. ماذا تقول عن تعاونك مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتحويل «عهد دميانة» لعمل درامى؟

- أنا سعيد بالطبع بتعاونى مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتحويل روايتى «عهد دميانة» لمسلسل تليفزيونى، والرواية صدرت العام الماضى وهى تاريخية تتناول حقبة نهايات الدولة الفاطمية وحققت صدى بين القراء، ووصلت للطبعة الحادية عشرة وكلل هذا الانتشار بالتعاون مع «المتحدة»، لتحويلها لمسلسل تاريخى سيتم إنتاجه قريبًا، وأتمنى أن يراها المشاهد قريبًا على شاشات التليفزيون.

■ كيف تقيم انتشار الأعمال الروائية التاريخية ورواجها بين القراء؟

- الرواية التاريخية لاقت انتشارًا كبيرًا هذا العام بالفعل، وهناك إصدارات كثيرة فى دور نشر متعددة، وربما أفسر هذه الظاهرة أن الجمهور المتلقى يعايش الواقع، فأصبحت الواقعية مشهودة وينظرها أمام عينيه، وهو يريد الخيال التاريخى؛ فضلًا عن أن معرفة التاريخ تمنحنا بعض الدروس، تعرفنا كيف كانت الأحداث قديمًا وإلام انتهت، ولأن التاريخ يعيد نفسه أصبح التاريخ وسيلة تعليمية، ويجعلك تخمن إلى أين ستصل الأمور، فضلًا عن أنها تمثل إطارًا جذابًا جدًا لطرح الأحداث التاريخية.

لا يملك كل الأشخاص القراءة الجادة فى كتب التاريخ وهنا تمنحهم الروايات وسيلة لرى عطشهم تجاه هذا الأمر، وفى نفس الوقت يعايشون أحداثًا درامية تشجعهم على الإكمال وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسى.

حرفية الكتابة التاريخية تختلف، فهى تحتاج لجهد بحثى، وعلى الكاتب أن يلم بالحقبة التى يتحدث عنها، من مناحٍ عدة، مثل الألفاظ والزى والكلام وكل شىء متعلق بهذه الحقبة فضلًا عن أن الرواية التاريخية مختلفة فى سردها عن الرواية الاجتماعية والواقعية، الرواية التاريخية تحمل معنى أكبر ويجب أن تحمل قصة درامية مشوقة حتى لا يمل القارئ، ويشعر أنه يقرأ فى كتاب عادى.

■ فى «أوراق شمعون» كانت القصة عن الولد الذى ولد لأم مصرية ويحكى فى أوراقه ومذكراته عن تيه بنى إسرائيل، والحكى هنا بضمير الأنا وبرؤية شمعون المتحكم فى الأمر.. وفى «عهد دميانة» كان الراوى العليم هو المتسيد ومنح الرواية نطاقًا عرضيًا؛ ليكشف عن تفاصيل كثيرة عن آخر أيام الفاطميين، وكل هذا يؤكد أن أسامة عبدالرءوف الشاذلى يملك مشروعًا تاريخيًا مسبقًا.. ما هى حدود هذا المشروع؟

- بالضبط كما قلت، أنا بالفعل لدى مشروع روائى للكتابة وهو يحتوى على ٣ عناوين رئيسية، الأول هو السؤال عن فكرة الدين ووحدة الأديان والأصل الواحد للأديان وتفنيد وطرح قضايا حساسة أدت إلى الصراع ووضع اليد على جذورها، ومنها مشاكل الصراع العربى الإسرائيلى منذ قديم الأزل، كيف بدأ وكيف كانت هذه الشخصية اليهودية وكيف تكونت الشخصية اليهودية فى مهدها الأول، وما هى العوامل التى أثرت فيها وهذا كان واضحًا من خلال شمعون المصرى الذى رأى هذا الاختلاف بينه وبين بنى إسرائيل، وربما كان السبب فى هذا الاختلاف هو احتواؤه على جينات مصرية لأم مصرية، جعلته يرى الصورة أرحب من بنى إسرائيل المتذمرين والمتزمتين والمتعصبين طوال الوقت، وهنا يحاول الولد أن يسأل أسئلة خارج النطاق عن حكمة القدر ولماذا يقسو الله علينا ولماذا حكم علينا بالتيه، الكثير من الأسئلة الفلسفية، أهمها فى رأيى كان السؤال عن ماهية الأرض المقدسة ومتى تتقدس الأرض، وما المقصود بالأرض المقدسة، وما حقيقة الوعد من الله لبنى إسرائيل، هل لأنها كما يقولون إنها وعد الله لهم بأن يحكموها ويعيشوا فيها بأمان وينشروا دينهم بين الناس، كل هذه القضايا طرحتها فى «شمعون».

أما «دميانة» فكان السؤال عن فكرة الهوية وهى كلمة مطاطة جدًا، فحين نسأل شخصًا ما، ما هى هويتك فسيتردد قليلًا حول ما الذى سيقوله، هل سيقول أنا مصرى أم أنا عربى أم أنا مسلم، هناك حيرة فى السؤال عن الهوية، وحين ندقق فى الانتماءات سنجد أننا ننتمى لعدد لا نهائى من الانتماءات، تجعل الإنسان شخصية متفردة غير قابلة للتكرار، كل منا يحتوى على انتماءات مختلفة، لكن العوامل المشتركة تجمعنا، مثل الأرض والدين والعروبة وهناك عوامل مشتركة صغيرة مثل تشجيع ناد معين وحب الصيف وبعض الأكلات مثلًا، ولكن أهم بوتقة تجمع جميع الانتماءات هى بوتقة البشرية، كوننا إنسانًا ونحيا على نفس الأرض، هذه الانتماءات مهما كانت لا نهائية لكن لها حد هو أننا بشر ونحيا كبشر وهذا هو العصب الذى يربطنا، أما باقى الأشياء فهى مكملة، وبغض النظر عن كل انتماءاتنا الأساسية فنحن بشر، أما فى السماء فننتمى لخالق الكون وكانت هذه فكرة يوسف بن صدقة، حين قال لدميانة «سأخبركم بما وصلت إليه ولم أدركه، وبما وصلت إليه وأدركته، أدركت جوهرى وأن جوهر الإنسان لا يحده وطن ولا دين ولا مذهب فحدوده كون يحيط به ومنتهاه لخالق أبدعه وأنشأه واختار له الأرض موطنًا فقبل الحدود كانت الأرض وقبل التقسيمات كان الإله الخالق، وقبل العائلات كلنا لآدم وكلنا بشر».

■ فى رواية «عهد دميانة» كان هناك مشهد بينها وأمها «وسن» أثناء الخبيز وأوردت فيه مشهدًا يشبه خبيز الأمهات بشكله المعاصر، وفى مشهد آخر فى نهاية الرواية قلت إنهم يبحثون عن كنوز الفراعين تمامًا كما يحدث الآن أيضًا، هل تريد أن تثبت أن الهم الحالى متجذر منذ القدم؟

همومنا المادية والاجتماعية والجغرافية والشخصية متكررة والإنسان يعيد نفسه مهما تطور، وهو سجين سجنه الجينى الذى يجعله يتحرك فى حدود متكررة وأخطاؤه متكررة وهمومه متكررة وما زال السؤال عن الهوية قائمًا، والصراع على السطلة قائمًا، ما زالت هناك تحزبات وتعصبات وحروب يهلك فيها الناس بسبب أصحاب المصالح وكلها أمور متكررة، هذه المشاكل متكررة منذ قديم الأزل.

■ فى «عهد دميانة» و«شمعون المصرى» هناك خط صوفى خفى بدأ منذ التصدير فى «دميانة».. ما هى حدود تدخلات «الشاذلى» الصوفية فى الرواية؟

- هذا صحيح، ولكنى لست تابعًا لطريقة صوفية معينة رغم أن اسمى «الشاذلى» ورغم أن زوجتى من الأشراف وهى تحمل وثيقة بذلك، ولكنى أرى فى الصوفية مدخلًا لحب الله، وهذا المدخل أنا أحبه، فأنا أرى أن الدين يقوم على أشياء أهمها هو الخوف والرجاء ولكن هناك بعض قصار العقول الذى يعظمون الخوف ويغلقون باب الرجاء، ميزة الصوفية وحب الله أنه يفتح باب الرجاء، والصوفية ليست فكرة دينية إسلامية فحسب ولكن سبقها فى المسيحية الرهبنة، وهى تقابل الصوفية وهى الانعزال والتفرغ لله سبحانه، ولكن الصوفية تختلف أن انعزالها أقل والرؤية والمحبة بين الناس والتعاون أكبر، قد اختلف عن الصوفية فى الشطحات والكرامات والتسامح لأنها تخرج الفكرة عن مضمونها وهى ممارسات خاطئة تخرج وتحدث فى أى مذهب، كل أصحاب المذاهب يبدأون بفكرة جيدة والتابعون يغيرون منها من أجل مصالح، فأنا أحب الأفكار الأساسية فى الصوفية المتمثلة فى حب الله وفتح باب الرجاء، وأن تحب الله مهم جدًا وأن تعبده لأنه يستحق أن يعبد، فيجب أن نحبه، هذه كانت المسحة الصوفية فى الشيخ عابد الذى أفهم شمعون كيف أننا يجب أن نعبد الله بصورة مغايرة، فقال له شمعون مثلًا: «ألا تخشى إلهك؟»، فقال له: «أخشاه خشية العبد أن يغضب سيده، وأخشاه خشية المحب أن يغضب حبيبه، وإن كانت العبودية بين عبد وسيد سيظل الخوف هو الرابط الوحيد فى العلاقة، ولكن إذا كانت العلاقة بين المحب وحبيبه فسيكون الحب هو الرابط».