رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأزق إسرائيل.. بين تحرير الرهائن وتدمير حماس

بعد أكثر من مائة يوم من الحرب، أثار التقدم المحدود الذي أحرزته إسرائيل في تفكيك حماس شكوكًا داخل القيادة العليا للجيش حول الجدوى، على المدى القريب، لتحقيق الأهداف الرئيسية لتل أبيب في زمن الحرب: القضاء على حماس، وكذلك تحرير الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في قطاع غزة.. إذ فرضت إسرائيل سيطرتها في غزة، في هذه المرحلة من الحرب، على جزء أصغر مما تصورته في خطط المعركة منذ بداية الغزو.. وقد دفعت هذه الوتيرة الأبطأ من المتوقع بعض القادة إلى التعبير سرًا عن إحباطهم، ودفعتهم إلى استنتاج أن حرية أكثر من مائة رهينة إسرائيلي، ما زالوا في غزة، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الوسائل الدبلوماسية وليست العسكرية.

لأن الهدفين المزدوجين، المتمثلين في تحرير الرهائن وتدمير حماس، لا يتوافقان الآن بشكل متبادل، وفقًا لتصريحات أربعة من كبار القادة العسكريين.. هناك أيضًا تعارض بين المدة التي تحتاجها إسرائيل للقضاء على حماس بالكامل، إن استطاعت فعل ذلك واقعيًا- وهي مهمة تستغرق وقتًا طويلًا في أنفاق الحركة تحت الأرض- والضغط الذي يمارسه حلفاء إسرائيل لإنهاء الحرب بسرعة، وسط ارتفاع عدد الشهداء من المدنيين الفلسطينيين.

وقال هؤلاء الجنرالات إن معركة مُطولة، تهدف إلى تفكيك حماس بالكامل، سيكون ثمنها، على الأرجح، حياة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر.

حررت حماس أكثر من مائة رهينة في نوفمبر الماضي، لكنها قالت إنها لن تفرج عن الآخرين ما لم توافق إسرائيل على وقف الأعمال القتالية بالكامل.. ويُعتقد أن معظم الرهائن المتبقين مُحتجزون لدى فصائل حماس التي تختبئ داخل قلعة الأنفاق تحت الأرض، التي تمتد لمئات الأميال تحت سطح غزة.. وهنا، يكشف جادي آيزنكوت، قائد الجيش السابق، عضو مجلس وزراء الحرب الحالي، عن خلاف داخل الحكومة، عندما قال في مقابلة تليفزيونية إنه من "الوهم الاعتقاد بأنه يمكن إنقاذ الرهائن أحياء من خلال العمليات العسكرية.. الوضع في غزة صعب، لدرجة أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد.. وبالنسبة لي، لا توجد مُعضلة، المهم إنقاذ المدنيين، قبل قتل العدو".. وقد أدى هذا المأزق الاستراتيجي إلى تضخيم إحباط الجيش من تردد القيادة المدنية الإسرائيلية.. وقال القادة الأربعة إن مراوغة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بشأن خطة ما بعد الحرب في غزة كانت على الأقل مسئولة جزئيًا عن مأزق الجيش في ساحة المعركة.

ولم يوضح نتنياهو بعد كيف ستحكم غزة بعد الحرب.. وقال القادة إنه بدون رؤية طويلة الأجل للقطاع لا يمكن للجيش اتخاذ قرارات تكتيكية قصيرة الأجل حول كيفية الاستيلاء على أجزاء غزة التي لا تزال خارج السيطرة الإسرائيلية، وسيتطلب الاستيلاء على الجزء الجنوبي من غزة، الذي يصطف على الحدود المصرية، تنسيقًا أكبر مع مصر، لكن مصر غير مستعدة للانخراط مع إسرائيل، دون ضمانات من تل أبيب بشأن خطة ما بعد الحرب.. لكن الجيش الإسرائيلي علّق على ذلك بأن "إطلاق سراح الرهائن هو جزء من أهداف الحرب، وهو في غاية الأهمية".. ويخشى الجنرالات من أن تؤدي حملة عسكرية طويلة-بدون خطة ما بعد الحرب- إلى تآكل أي دعم متبقٍ من حلفاء إسرائيل، مما يحد من استعدادهم لتوفير ذخيرة إضافية لتل أبيب.

كما أن القادة في الغرب يشعرون بالقلق من عدد القتلى الناجم عن الحملة الإسرائيلية، حيث قُتل أكثر من خمسة وعشرين ألف فلسطيني في الحرب، مما أثار اتهامات بالإبادة الجماعية.
لقد أصبحت عائلات الرهائن أكثر صراحة بشأن الحاجة إلى إطلاق سراح أقاربهم، من خلال الدبلوماسية وليس القوة.. ومنذ ذلك الحين، أُعلن عن وفاة بعض الرهائن الذين تم نقلهم إلى غزة، عن طريق الخطأ على يد القوات الإسرائيلية.. ومن خلال تركيز جهوده على تدمير الأنفاق، يخاطر الجيش بارتكاب أخطاء قد تكلف حياة المزيد من المواطنين الإسرائيليين، إذ قُتِل ثلاثة رهائن إسرائيليين على يد جنودهم في ديسمبر الماضي، رغم تلويحهم بعلم أبيض وهتافهم باللغة العبرية.
"من حيث المبدأ، إنه طريق مسدود.. إنها ليست بيئة يمكنك فيها تحرير الرهائن"، قال أندرياس كريج، خبير الحرب في كينجز كوليدج لندن، الذي أكد أنك إذا ذهبت إلى الأنفاق، وحاولت تحريرهم بقوات خاصة أو أي شيء آخر، فسوف تقتلهم، "إما أن تقتلهم بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، في أفخاخ أو في معركة بالأسلحة النارية".

لقد تم تدمير العديد من الأنفاق، ولكن إذا تركت الأنفاق المتبقية سليمة، ستبقى حماس غير مهزومة فعليًا، مما يقلل من احتمال قيام الحركة بإطلاق سراح الرهائن تحت أي ظرف من الظروف دون وقف كامل لإطلاق النار.. البديل المتبقي هو تسوية دبلوماسية، يمكن أن تشمل إطلاق سراح الرهائن مقابل آلاف الفلسطينيين الذين سجنتهم إسرائيل، إلى جانب وقف الأعمال العدائية.. إن الطريق الدبلوماسي سيكون أسرع طريقة لإعادة الإسرائيليين الذين ما زالوا في الأسر.

وفي حين يرى البعض في اليمين الإسرائيلي أن التقدم المحدود للحرب هو نتيجة لقرار الحكومة الأخير، بعد ضغوط من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، لإبطاء وتيرة الغزو.. لكن القادة العسكريين يقولون إن حملتهم تعثرت بسبب البنية التحتية لحماس، التي كانت أكثر تطورًا مما كان يُقيَّمه ضباط المخابرات الإسرائيلية سابقًا.. قبل الاجتياح، اعتقد المسئولون الإسرائيليون أن شبكة الأنفاق تحت غزة يصل طولها إلى مائة ميل، وكان زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، قد قال عام 2021 إنها أقرب إلى ثلاثمائة ميل، إلا أن المسئولين العسكريين يعتقدون الآن أن هناك ما يصل إلى أربعمائة وخمسين ميلًا من الأنفاق تحت منطقة تبعد خمسة وعشرين ميلًا فقط في أطول نقطة لها.. في ظل خان يونس وحدها، تقدر إسرائيل أن هناك ما لا يقل عن مائة ميل من الممرات، موزعة على عدة مستويات.. وفي جميع أنحاء غزة هناك ما يقدر بنحو خمسة آلاف وسبعمائة فتحة نفق تؤدي إلى الشبكة، مما يجعل من الصعب جدًا فصل الشبكة عن السطح، لدرجة أن الجيش توقف عن محاولة تدمير كل فتحة يعثر عليها، لأن تحديد موقع كل نفق وحفره يستغرق وقتًا طويلًا وخطيرًا، والكثير منها مفخخ بالشراك الخداعية، وبمجرد دخوله يفقد كوماندوز إسرائيلي مدرب تدريبًا عاليًا معظم الميزة العسكرية التي يتمتع بها فوق الأرض.. فالأنفاق ضيقة، وهذا يعني أن أي قتال داخلها يتم تقليصه إلى قتال واحد ضد واحد عن قرب.

عشية الغزو الإسرائيلي، قدر الجيش أنه سيحقق "السيطرة العملياتية" على مدينة غزة وخان يونس ورفح- أكبر ثلاث مدن في غزة- بحلول أواخر ديسمبر، وفقًا لوثيقة التخطيط العسكري.. لكن بحلول منتصف يناير لم تكن إسرائيل قد بدأت بعد تقدمها إلى رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة، ولم تكن قد أجبرت حماس على الخروج من كل جزء من خان يونس في الجنوب.. وبعد أن بدا أن الجيش سيطر على شمال غزة نهاية العام الماضي، قال مسئولوه إن الحرب دخلت مرحلة جديدة أقل حدة.. وسحبوا نحو نصف الجنود المتمركزين في شمال غزة، البالغ عددهم خمسين ألفًا في ذروة الحملة في ديسمبر.. ومن المتوقع مغادرة المزيد منهم بحلول نهاية هذا الشهر.. هذا خلق فراغًا في السلطة في الشمال، مما سمح لمقاتلي حماس والمسئولين المدنيين بمحاولة إعادة تأكيد سلطتهم هناك، مما أثار قلق الكثير من الإسرائيليين، الذين كانوا يأملون هزيمة حماس بالكامل في المنطقة، إلا أنهم فوجئوا بإطلاق نشطاء حماس في شمال غزة وابلًا من نحو خمسة وعشرين صاروخًا على المجال الجوي الإسرائيلي، مما أغضب الإسرائيليين الذين كانوا يأملون في تدمير قدرات حماس على إطلاق الصواريخ بعد شهور من الحرب.

في الأيام الأخيرة، عاد ضباط الشرطة وضباط الخدمة المدنية، من الحكومة التي تديرها حماس، إلى الظهور في مدينة غزة وبيت حانون، وهما مدينتان شماليتان، وحاولوا الحفاظ على النظام اليومي واستعادة بعض خدمات الرعاية الاجتماعية.. ولا يزال كبار قادة حماس في غزة- بمن فيهم السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى- طلقاء.. ويقول بعض السياسيين الإسرائيليين إن إسرائيل يمكن أن تهزم حماس بشكل أسرع وتُنقذ الرهائن، من خلال استخدام المزيد من القوة.. ويقولون إن المزيد من العدوان قد يُجبر حماس على إطلاق سراح المزيد من الرهائن دون وقف دائم لإطلاق النار، "يجب أن نمارس المزيد من الضغط"، قال داني دانون، مُشرِّع بارز من حزب نتنياهو الحاكم، الليكود، "لقد ارتكبنا خطأ عندما غيرنا الطريقة التي كنا نعمل بها".. لكن محللين عسكريين يقولون إن المزيد من القوة لن يحقق الكثير، "إنها حرب لا يمكن الفوز بها"، كما أكد خبير الحرب، أندرياس كريج، الذي أوضح أنه "في معظم الأوقات، عندما تكون في حرب لا يمكنك الفوز بها، تدرك ذلك في مرحلة ما وتنسحب، إلا أن الإسرائيليين لم يفعلوا ذلك".. بينما يردد نتنياهو أنه لا يزال من الممكن تحقيق جميع أهداف إسرائيل، ورفض فكرة وقف الحرب، "وقف الحرب قبل تحقيق الأهداف سيبُث رسالة ضعف"، هكذا قال في خطابه الأسبوع الماضي.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.