"الدستور الثقافي".. تجديد دماء الثقافة والإبداع
عن مؤسسة الدستور الصحفية صدرت، بالأمس القريب، باكورة أعداد الدستور الثقافي "حرف".. أول جريدة ثقافية إلكترونية تصدر أسبوعيا (كل أربعاء) في 20 صفحة، في مقاله الافتتاحي "لماذا حرف؟.. جريدة ثقافية لاستعادة سلطة الكلمة وسطوتها" بيَّن الصديق الدكتور محمد الباز- رئيس مجلس الإدارة والتحرير، بدقة وشمولية، مجموعة الأسباب التي دفعت المؤسسة الكبيرة إلى هذا الإنتاج الثقافي المفاجئ، وبظني أن أبرز ما جاء في المقال اعتبار لغة الصحافة لغة إبداعية بالأساس، والمطلوب إعادة بريقها ولمعانها ورونفها ومجدها "نريد أن نعيد للكتابة الصحفية بريقها ولمعانها ورونقها ومجدها، وأعتقد أننا قادرون على ذلك، فلا يزال الإبداع هو لغة الصحافة المصرية لن يغادرها أبدًا، قد يكون تاه قليلًا فى حرب الوسائط العشوائية، لكنه موجود، لا يريد أكثر من عوامل تحفيزه، وهو ما سنحاول أن نفعله هنا".. في الكلمة درس بليغ لمن يستهينون بلغة الصحافة؛ فيكتبون ببساطة مخلة، ولا يمنحون سطورهم بلاغتها الحميمة المؤثرة.
سعدت، بشكل شخصي، أن الجريدة بدأت برئاسة تحرير الباز نفسه، المثقف التنويري الرفيع ذي الروح الصوفية الوثابة المثابرة والخبرات المهنية الوافرة القيمة، أعرف حجم مشاغله، لكنني آمل أن تمنحه الظروف زمنا طويلا في التحرير حتى ترسِّخ التجربة الوليدة أقدامها في عالم الصحافة الثقافية مائر البحور، ولو غلبته المشاغل بعد ذلك فيمكنه أن يعهد بمسؤولية التحرير إلى من يراه أهلها من المصريين النابهين، مكتفيا بالإدارة، وما أثقلها على أصحاب الجدية والإخلاص!
جاء الإصدار في وقته المضبوط؛ لأن أمورا عديدة قهرت الثقافة في بلادنا وهمشت الإبداع بكافة صوره، ولأن قضايا الثقافة والإبداع تراكمت حتى صارت جملة ممتدة من الهموم التي لا مفرج لها..
أرجو، كفرد ينتمي إلى قبيلة الثقافة والإبداع في الوطن العزيز، أن أرى أصحاب الأقلام المحرومة من التعبير عن أفراحها وأحزانها، وقد وجدوا مكانهم الرحب الأثير ببزوغ هذا الإصدار؛ فصالوا وجالوا معبرين عن دواخلهم بمنتهى الحرية، وأرجو أن تهتم الجريدة بأحوال المثقفين والمبدعين الإنسانية؛ فهذا جانب لا تهتم به مثلها عادة، وإن كان له من الخطر ما له، مما يدفع أحيانا إلى الابتعاد عن السوح برمتها، ومما يحفز أيضا إلى المواصلة بنفس القدر!
وأقترح على الجريدة، مستقبلا، أن تنشيء مسابقة أدبية تليق بها وبنا، مسابقة نزيهة مشهودة باذخة الجوائز، تكون محط الأنظار، وتضيف إلى المسابقات المصرية والعربية المماثلة مددا من التنافس الشريف والدعم المعنوي والغنى المادي..
النقطة الأهم أنني أود أن تجدد الجريدة دماء الثقافة والإبداع، تنظف هذه الدماء مما علق بها من شوائب الدهور، وتخلصها من التطاحن على السراب، وتعطيها يقينا خاصا هائلا بالمعرفة والإشراق.. أبارك للدستور الموقرة، وللكتيبة المثقفة والمبدعة بطول مصرنا وعرضها، متفائلا للغاية ومرتقبا خيرا كثيرا!