رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفعال مصر تُكذِّب أقوال إسرائيل

تضطلع مصر بتقديم الحجم الأكبر من المساعدات الإنسانية المقدمة إلى قطاع غزة، حيث يمثل حجم المساعدات المُقدمة منها أكثر من ثلاثة أضعاف حجم المساعدات المقدمة من ثلاثين دولة مجتمعة، بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعتري البلاد.. وقد أصبح مألوفًا مشهد تكدس مئات الشاحنات، التي تحمل المساعدات الإغاثية لسكان القطاع، بالقرب من معبر رفح المصري، في انتظار السماح لها بالعبور لإدخال المساعدات، إلى القطاع الذي يتعرض لقصف إسرائيلي مكثف، واجتياح بري غير مسبوق، بينما يتواصل وصول طائرات تحمل مواد إغاثية من دول ومنظمات دولية عدة إلى مطار العريش، الذي خصصته مصر لاستقبال المساعدات من مختلف دول العالم.. بعد إعلان السلطات المصرية توجيه المساعدات الدولية المقدمة من الجهات الراغبة في إغاثة سكان قطاع غزة، إلى مطار العريش الدولي في شمال شبه جزيرة سيناء، مؤكدة أنها تُبقي معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع مفتوحًا للعمل باستمرار، وطالبت إسرائيل بتجنب استهداف الجانب الفلسطيني من المعبر.. في الوقت التي أوضحت المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة، أن عمليات البرنامج في القطاع تواجه صعوبات كبيرة في ظل القصف المستمر، ودفع سكان القطاع، ومنهم موظفو البرنامج وأسرهم في شمال ووسط غزة، إلى النزوح جنوبًا، مشيرة إلى أن هناك حملات حالية لجمع تبرعات لصالح غزة في عديد من دول العالم، إلا أن عملية جمع التبرعات (تواجه نقصًا حادًا لأسباب بعضها سياسي، خصوصًا في الدول الغربية المانحة).
نقول هذا، في سياف الرد على مزاعم محامي إسرائيل أمام محمة العدل الدولية، عن مسئولية مصر الكاملة عن معبر رفح، وكذبه بأن السلطات المصرية هي المسئولة عن دخول المساعدات، دون موافقة تل أبيب!!، مع أن تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح في أن كل المسئولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الطاقة، أكدوا، عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة وخصوصًا الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع، ولم يكن هؤلاء يعتبرون أن هذا المنع والحصار (جرائم حرب وإبادة جماعية) بموجب القانون الدولي، وعندما وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام محكمة العدل الدولية، متهمة بأدلة موثقة بهذه الجرائم، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر، في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة، لأنه من المعروف أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من المعبر، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعليًا في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي، قبل السماح لها بدخول أراضي غزة.
وهنا نعود إلى الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، ورفض تل أبيب دخول أي مساعدات إنسانية لأهالي القطاع، لنذكر بأن مصر قررت وقتها، أنه لا يمكن عبور حاملي الجنسيات الأجنبية من قطاع غزة إلى مصر، إلّا بعد السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المُحاصر، عندما حاولت الولايات المتحدة أن تعمل مصر على فتح معبر رفح أمام الأمريكيين والأجانب، والفلسطينيين، الذين يحملون جنسيات أخرى، إلا أن القاهرة رفضت الموافقة على ذلك، (إلا بالتزامن مع السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية)، واضطرت واشنطن إلى تأجل الإجلاء، بسبب عدم وجود تفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن أي اتفاق لإرسال مساعدات إلى القطاع.
وأمس، أكد وزير الخارجية، سامح شكرى، مجددًا، التزام مصر الراسخ منذ بدء الأزمة في قطاع غزة، بالعمل على استدامة إنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع، على الرغم من العراقيل المتعمدة التي يضعها الجانب الإسرائيلي، وناقش مع كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيجريد كاخ ـ في أول زيارة لها للمنطقة عقب توليها المنصب، بموجب قرار مجلس الأمن 2720، لتسهيل وتنسيق ومراقبة عملية إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وبشكل مستفيض ـ الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، والتقييمات ذات الصِلة بتردي عمل المنظومات الخدمية والإنسانية في القطاع،وحتمية زيادة تدفق المساعدات الإنسانية لغزة، على نحو كافٍ يلبي الاحتياجات الملحة للسكان، فضلًا عن دعم استمرار عمل المنشآت الخدمية والمستشفيات ووكالات الإغاثة لتقديم خدماتها لأبناء الشعب الفلسطيني، مما دفع المسئولة الأممية إلى التعبير عن تقديرها للجهود التي تبذلها مصر لتقديم وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ودبلوماسيًا، من خلال الدفع بطرح قرار مجلس الأمن في هذا الشأن، فضلًا عن تسهيل استخدام معبر رفح من قِبل وكالات الإغاثة الأممية لإدخال المساعدات والإمدادات الحيوية لسكان القطاع، وحرص مصر على تقديم كافة التسهيلات لتمكينها من أداء مهامها، لضمان التنفيذ الكامل لبنود قرار مجلس الأمن، بما في ذلك سرعة تدشين آلية تابعة للأمم المتحدة لتسريع إرسال شحنات المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، شريطة ضرورة التزام إسرائيل بتسهيل وعدم إعاقة دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة، لأن الوضع المأساوي الراهن، يحتم إنفاذ المساعدات العاجلة عبر المسارات المباشرة دون أي تأخير، بعد أن اعتمد مجلس الأمن للقرار 2720، الذي يعني إدراك أعضائه والمجتمع الدولي بوجود تحديات ومعوقات مرتبطة بدخول المساعدات للقطاع، ومن ثم مسئولية إسرائيل بإزالة تلك المعوقات، والتعاون من أجل تسريع دخولها لوضع حد للوضع الإنساني المتردي. 
لقد اعتادت مصر تطبيق القانون الدولى الإنسانى ونشر مبادئه، خصوصًا في  ظل الظروف والأوضاع التى تمر بها المنطقة العربية الآن.. لم تتجاوز في حق دولة من الدول، ولا تطيق أن يتجاوز أحد في حقها، وما سلوكها الدولي والإقليمي، إلا انتصارًا للقيم التي قام على أساسها المجتمع الإنساني، ونصرة للحق في كل مكان، دون غرض ولا مطمع.. لذلك، فعندما تصر مصر على الحفاظ على أمنها القومي، فلابد أن يحترم الجميع ذلك، وعندما تنحاز إلى الحق الفلسطيني الضائع، فلا أقل من يثمن العالم دورها هذا، ويعمل على تحقيقه، دون أن يطالب أحد بأن يكون الثمن على حساب مصر وأمنها القومي.. فمصر دولة عظمى وحدودها محددة ومحصنة ومنقوشه على جدران معبد الكرنك منذ سنوات بعيدة، وعبر التاريخ يأتيها الخطر من حدودها الشرقية، المتمثلة في سيناء، التى جاء منها الغزاه مثل الهكسوس.. ومنذ فجر التاريخ، أوصى الفراعنة بتواجد البشر على تلك الحدود، لأن العدو عادة لا يهاجم مدينة يقطنها الناس، وبالرغم من دخول الهكسوس مصر من البوابة الشرقية، واستخدامهم لمعدات وعجلات حربية لم يكن يعرفها المصري القديم، وظلوا في مصر ما يزيد عن مائة عام، استطاع الملك أحمس أن يخرجهم ويؤمن الحدود المصرية. وقام هذا الملك ببناء أول قلعة في منطقة القنطرة شرق، ثم قام ببناء إحدى عشر قلعة أخرى حتى الوصول إلى مدينة رفح، لتكون خط دفاع قوي عن مصر ضد أي معتدي.
وقياسًا على ذلك، فإن قطاع غزة، الذي تحول على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا إلى (سجن كبير مفتوح)، في ظل الحصار الجوي والبحري والجوي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، أصبح (مقبرة للسكان المُحاطين بالحرب والحصار والحرمان)، كما قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والذي انتقد تحذيرات الجيش الإسرائيلي، الذي دعا الفلسطينيين في شمال غزة إلى الانتقال إلى الجزء الجنوبي من القطاع؛ في الوقت الذي استمرت فيه إسرائيل في استهداف الجنوب أيضًا، (لا يوجد مكان آمن في غزة)، تعرض أربعون مبنى للأونروا، منها مدارس ومستودعات، للأضرار بسبب الغارات الإسرائيلية، واستشهد العديد من المدنيين الذين كانوا يحتمون بداخلها بشكل مأساوي.. وعلق على المساعدات التي سمحت إسرائيل بعبورها، والتي وصفها بـ (قطرة في محيط)، لأنه قبل هجوم السابع من أكتوبر، كانت غزة تتلقى نحو خمسمائة شاحنة مساعدات، تحمل خمسة وأربعون منها الوقود لتشغيل السيارات ومحطات تحلية المياه والمخابز.. مؤكدًا أن ما حدث في ذلك اليوم، لا يسوغ (الجرائم المستمرة ضد المدنيين في غزة، لاسيما الأطفال البالغ عددهم مليونًا)، وقد أصبح من الضروري احترام القانون الإنساني الدولي، والحفاظ على المدنيين وحمايتهم، وتفعيل وقف فوري لإطلاق النار، (للسماح بالوصول الآمن والمستمر وغير المقيد للوقود والأدوية والمياه والغذاء إلى قطاع غزة).
■■ وبعد..
ولأن التاريخ سوف يتساءل: لماذا لم يكن لدى العالم الشجاعة للتصرف بشكل حاسم لوقف هذا الجحيم على الأرض؟!.. فإن الدولة المصرية، ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، لم تتوقف مساعيها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بتقديم المساعدات لأهالى قطاع غزة، أو بالجهود الدبلوماسية التي تطالب بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.. وما المقترح المصرى لوقف الحرب على غزة إلا دليل على حجم جهود القاهرة لدعم القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ووقف نزيف دماء الأشقاء، كما يعكس سعيها نحو السلام الدائم، والحفاظ على استقرار المنطقة.. لقد أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي، العديد من الاتصالات مع زعماء دول العالم، للتأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار وإدانة جرائم الاحتلال، بالإضافة إلى عقد قمة القاهرة للسلام لطرح الرؤية المصرية الشاملة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وقد جاء المقترح المصرى الأخير، من أجل وقف إطلاق النار ليمثل محاولة جادة لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، بعد اتصالات مكثفة مع أطراف الأزمة والاستماع إلى مطالبهم، بما يضمن نجاحها، متمنين أن تنجح الدبلوماسية المصرية فى الوصول إلى اتفاق بوقف الحرب، في ظل ما تتمتع به مصر من تأثير كبير يؤهلها لإنجاح هذا المقترح، وتقريب وجهات النظر، بما يضمن حماية الشعب الفلسطيني، بعد وضع حد لجرائم الإبادة الجماعية ضد القطاع، ويحقن دماء الفلسطينيين.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.