رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب الصحفى سليمان جودة: «عدوى الاتكالية» تفشت بين المصريين بعد ثورة 1952 لأن الدولة قررت أن تعالج وتعلم وترفه عن المواطن

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز وسليمان جودة

- قال إن تغيير ثقافة المجتمع يتطلب المزيد من الوقت والحملات الإعلامية المكثفة

- عندما انتشرت أنباء عن وجود 70 مليار دولار لـ«مبارك» فى الخارج انقطع بعض المصريين عن العمل اعتمادًا على نصيبهم المتوقع من الأموال المستردة

- المصريون خرجوا ضد الإخوان فى 2013 بعد أن أيقنوا أن وصول الجماعة للحكم يعنى حرمانهم من تحقيق أحلامهم المشروعة فى ثورة يناير

- الرئيس السيسى استهل حكمه بالإعلاء من قيمة العمل ومخاطبة المصريين باعتبارهم شركاء فى الأحلام والإنجازات

قال الكاتب الصحفى سليمان جودة إن الرئيس عبدالفتاح السيسى استهل توليه حكم مصر فى ٢٠١٤ بالتأكيد على إعلاء قيمة العمل، وأنه بلا عمل لن يستطيع أن يحقق أحلام المصريين وتطلعاتهم، موضحًا أنه كان يتعمد التأكيد على قيمة العمل، لأنه يعى جيدًا أن عدوى الاتكالية كانت متفشية فى المجتمع بسبب أخطاء الأنظمة المتعاقبة بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، حيث قررت الدولة أن تقدم خدمات التعليم والصحة والترفيه وغيرها، وكل الخدمات تقريبًا بالمجان، فترسخ فى ذهن المواطن أن الدولة هى المسئولة عنه بشكل كامل.

وأضاف، فى لقائه مع الإعلامى الدكتور محمد الباز فى برنامج «الشاهد» المذاع على فضائية «إكسترا نيوز»، عن التغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية على مدى عقود- أن مخاطبة الرئيس للمواطنين بنداء «يا مصريين» إشارة قوية إلى اعتباره إياهم شريكًا له فى الحكم والعمل، وأنه بدونهم لم يكن ليحقق الإنجازات العملاقة التى تنتشر فى كل ربوع الوطن وجميع القطاعات، وأنه يتوجب تكثيف العمل لشرح خطة عمل القيادة السياسية وأحلامها للفترة المقبلة لجموع المواطنين، لضمان أن القيادة والمواطنين «على موجة واحدة»، ولديهم الرؤية والأهداف نفسها، وهذه هى الضمانة الوحيدة لتحقيق كل الأحلام والأهداف الكبرى التى تضمن للوطن مستقبلًا أفضل ومكانة أعلى بين دول المنطقة والعالم.

■ هل ترصد من ملاحظتك فقدان المصريين القدرة على الحلم، مع الظروف العصيبة التى مر بها الشعب المصرى طوال السنوات الماضية؟

- أعتقد أن هذا الطرح صحيح، لأن الحلم الذى كان موجودًا لدى الشعب المصرى فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وتكرر فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، يحتاج لإعادة اكتشاف وبلورة لضمان ألا تتوه الأحلام فى معارك الحياة اليومية.

وأرى أن القيادة السياسية تؤمن بقوة الحلم بشكل واضح، لأن الرئيس عبدالفتاح السيسى حين جاء للحكم فى ٢٠١٤ كانت لديه أحلام واضحة، وبذل كل الجهود لتحويلها إلى حقائق، وهذا ما تم له بالفعل طوال الفترتين الرئاسيتين السابقتين، وليستكمل ما بدأه فى الفترة الثالثة.

وحتى نضمن أن تصل الأحلام وخطة العمل لجميع المواطنين، فيتوجب على الحكومة بذل المزيد من الجهد فى هذا الاتجاه، حتى يصبح المواطن والقيادة السياسية «على موجة واحدة»، لأنه قد تتمكن ضغوط الحياة خاصة على المستوى الاقتصادى من إضاعة الأحلام.

نحتاج لإعادة شحن همم المواطنين ونحن على أبواب فترة رئاسية ثالثة، من أجل زيادة حجم الظهير الشعبى المساند للرئيس ليتسنى للقيادة تحقيق أحلام الوطن، لأن القيادة مهما بلغت من قدرات لا تستطيع أن تحقق الأحلام وحدها دون وجود دعم واسع من المواطنين، وهذه الرؤية نلمسها بوضوح فى الخطاب السياسى للرئيس، حين يشير إلى الشعب أو الجمهور بنداء «يا مصريين»، فهو يقول ضمنيًا إنه من دون دعم المصريين ما كان له ليحقق الإنجازات ولا مواصلة تنفيذ خطة التنمية والتطوير، وهذه طريقة الرئيس فى تشجيع واستنهاض المصريين.

كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يخاطب الجمهور بـ«أيها المواطنون»، والسادات كان يقول «الإخوة»، والرئيس مبارك كان يقول «أيها الإخوة والأخوات»، وهنا مع الرئيس السيسى نغمة مختلفة ومقصودة وواعية، وهو يوجه دائمًا الكلام لحليفه القوى الشعب المصرى، لأن مصر لا شىء من دون المصريين، ومصر هبة المصريين، والمصريون هم من روضوا النيل وأقاموا الحضارة على جانبيه.

■ الصحفى بطبيعته منغمس مع الناس، ولا ينعزل عنهم، ويستمد مادته من الشارع، ما أبرز ما رصدته من تغيرات فى الشخصية المصرية سلبًا أو إيجابًا؟

- التغيير حدث مرتين فى الشخصية المصرية، أولاهما بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، وحدث مرة أخرى بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، لأنه فى المرتين يوجد تشابه كبير فى الأحداث، لأن الشخصية المصرية التى عاصرت ما قبل ١٩٥٢، وجدت نفسها فى أجواء أخرى بعد ثورة يوليو، وبالتالى أظن أن الشخصية المصرية بعد ١٩٥٢ استيقظت على أحلام كبرى روجت لها الثورة فى ذلك الوقت، على مستوى الوطن العربى كله، وفى داخل الوطن، حيث رفعت شعار العدالة الاجتماعية والمساواة، وهو شىء إيجابى بالتأكيد، والأحلام كانت كبيرة جدًا بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، ولكنها تحطمت على صخرة نكسة ١٩٦٧، والشىء السلبى هو مساحة الحرية المحدودة التى أتيحت بعد ١٩٥٢ مقارنة بمساحة الحرية فى الحقبة الملكية، لأنه قبل ١٩٥٢ كانت هناك مساحات كبيرة من الحرية، ولم يكن الكل ظلامًا، وكانت هناك نقاط مضيئة، فمثلًا حين أسقط رئيس الوزراء وقتها، إسماعيل صدقى باشا، دستور ١٩٢٣ خرج المصريون فى مظاهرات لإعادة العمل بالدستور، وهذا يظهر مدى الوعى لدى المصريين، وتجسد هذا الوعى فى إعادة العمل بالدستور رغم أنف إسماعيل صدقى.

وبعد ١٩٥٢ لم تستطع الثورة أن تبنى على ما كان قبلها، وإنما وضعت خطًا فاصلًا، وقالت هنا البداية، وضربت قطيعة مع كل ما سبق، وفوتت على المصريين البناء على مكتسباتهم، وأن يكون لديهم تراكم خبرات فى الحياة السياسية التى تلعب دورًا فاعلًا فى مسيرة تقدم الشعوب، وحتى حين بدأت الثورة من الصفر فعلت أشياءً عظيمة على المستوى الاجتماعى، لكنها فشلت فى أن تجعل الأشخاص يشعرون بقيمة الحرية فى حياتهم.

وبعد ثورة ١٩٥٢ كانت الدولة تتولى كل شىء فى حياة المجتمع، وهذا أثر فى الشخصية المصرية وتسبب فى تفشى عدوى الاتكالية، لأن الدولة كانت تتولى التعليم والعلاج والتوظيف والترفيه وتقدم الخدمات مجانًا، وكان هناك اتكال كامل على الدولة، وهذا عامل سلبى طرأ على الشخصية المصرية، وأصبح من الواجب على العهود السياسية التالية أن تعالج هذا العيب، ولكنه عيب صنع فى سنوات ويحتاج لسنوات لمعالجته أيضًا.

■ فى عام ٢٠١٤ حين تولى الرئيس السيسى الحكم قال كل ما أملكه هو العمل، وكل ما أطلبه هو العمل، فهل بإمكان هذا التوجه أن يغير مستقبل الشخصية الاتكالية؟

- هذا يحتاج لوقت، والمجتمع لن يتقبل ذلك بسهولة، والناس تربت على الفكرة التى صنعتها ثورة ١٩٥٢، أن الدولة ستقدم للشعب كل شىء بالمجان، والآن تريد تغيير هذا المفهوم الذى ترسخ على مدى سنوات طويلة ولن يتغير فى ١٠ سنوات، ويحتاج لوقت أطول، ونحتاج لتوعية بهذا المفهوم أكثر، وأن نحدد: هل المواطن شريك أو اتكالى أو تابع؟، علينا أن نعيد دور المواطن، والوعى هو بداية الحركة والعمل، وأظن أنه فى السنوات المقبلة علينا أن نركز على أهمية العقد الاجتماعى الجديد، وأن المواطن شريك، ولا بد أن يكون واعيًا بذلك، حتى يلتقى المواطن والدولة عند نقطة فى الوسط، وهذا عمل إعلامى بحت، ومن ثم يجب أن تكون الفكرة واضحة ليتم إيصالها للناس، هذه الفكرة تحتاج لبلورة وتكثيف عرضها على مدار السنوات المقبلة.

المصدر الأول للمعلومة الآن فى العالم هو الإعلام، وبالتالى يجب التركيز على الكلمات التى تُبث عبر الإعلام لمدى تأثيرها على الرأى العام الآن.

وقد خرج المصريون فى ثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١ إلى الميادين، ولديهم تطلعات تصل للسماء، فقد حدثت قفزة للتطلعات المجتمعية، ويمكن القول إن بعض المواطنين، فى هذا التوقيت، قالوا إن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك لديه ٧٠ مليار دولار فى الخارج، وقال الدكتور عبدالقادر حاتم آنذاك إن أحد أقاربه توقف عن عمله لينتظر حصته من أموال مبارك التى فى الخارج، لذا المعلومات التى يتم تداولها تؤثر بصورة كبيرة على الرأى العام، وهذه المعلومات كانت ذات تأثير قوى على تطلعات المصريين.

ثورة ٢٠١١ لم تكن ثورة ميدانية، ولكنها كانت ثورة تطلعات، وتطلعات المواطنين فى هذا التوقيت كانت تفوق قدرات وإمكانات الدولة المصرية، لذا قال الدكتور محمود محيى الدين من قبل إن الدولة المصرية لديها ثروات وقدرات لا تمتلكها الدول النفطية، أى أن مصر لديها فرص واعدة، وأن مصر لديها موقع ومزايا تجعلها قادرة على تحقيق تطلعات المواطنين التى عبروا عنها فى ٢٠١١، لذا يمكن القول إنه رغم مضى اثنى عشر عامًا على ٢٠١١ فإن التطلعات المصرية ما زالت قائمة وموجودة.

■ ثورة التطلعات تعقبها ثورة إحباطات، والكتّاب والباحثون اهتموا بالآثار التى طرأت على المستويين السياسى والاقتصادى، لكن القليل منهم اهتم بالتأثيرات الاجتماعية والنفسية، لذا كيف عادت الإحباطات بالسلب على الشخصية المصرية؟

- التطلعات التى تجسدت أمام المصريين فى ٢٥ يناير عكر صفوها الإحباط بعد وصول الإخوان الحكم وتحولت إلى أوهام، حيث تبين للجميع أن هذه الجماعة تهدف لتحقيق مصالحها الشخصية وليس مصالح الوطن، لذا تابع المصريون هذه الأهواء الشخصية للإخوان على مدار عام كامل، ولهذا خرج المواطنون فى ٣٠ يونيو من أجل إنقاذ أحلامهم التى عبروا عنها فى ثورة يناير، أى أن ثورة ٣٠ يونيو كانت بمثابة استعادة لآمال المصريين بعد أن فقدوها على أيدى الإخوان.

الإنجازات التى قدمها الرئيس السيسى طوال العشر سنوات الماضية جعلت المصريين يدركون تأثير خروجهم فى ٣٠ يونيو، لذا المصريون يعلمون الآن أن الأمل ما زال موجودًا، وأن المستقبل سيشرق على أيدى هذه القيادة السياسية الحكيمة، ونتيجة هذه الثقة الشعبية فى القيادة أصبح المواطن طرفًا فى صناعة المستقبل بجانب الدولة بعدما تم القضاء على حكم الإخوان.

■ كان هناك إحساس بالخوف من المستقبل بعد حكم الإخوان لمصر، مع وجود تصور بأن الشعب المصرى سوف يتأقلم مع هذه الجماعة، وكانت المؤشرات تشير إلى استمرار الإخوان بالحكم ولكن فى لحظة ما تغيرت المقاييس، كيف تقرأ المشهد؟

- الشخصية المصرية ليست شخصية سطحية، بل هى شخصية عميقة بها جينات متوارثة، ويمكن القول إن قادة مصر العظماء هم أحفاد الملك تحتمس الثالث، حيث لم يدخل هذا الملك معركة إلا وانتصر فيها، ولهذا توارث المصريون هذه القوة والشجاعة التى تظهر فى أوقات الخطر.

الشعب المصرى عندما تأكد أن الإخوان جماعة تريد تقييد الوطن لخدمة مصالحها الشخصية، ظهرت الشخصية المصرية القوية والشجاعة لإنقاذ الوطن من هذه الجماعة.

تاريخ الشخصية المصرية طويل وعصوره متعددة، وهذه العصور لا تعمل فى فراغ ولكن كل عصر يؤدى إلى الآخر، وهناك بطل فى كل العصور وهو المواطن المصرى.

الشخصية المصرية لديها تصور فطرى بأنها لديها القدرة على الفهم فى كل المجالات، وفهم كل الظواهر التى تراها فى حياتها.

■ بعد ٣٠ يونيو، وجدنا أنفسنا أمام واقع حزبى لا يساعد فى إنتاج حياة سياسية مناسبة، هل العقلية المصرية هى التى أدت إلى هذا الوضع؟

- بالفعل الحياة السياسية فى مصر كانت غير مكتملة، وكان من الممكن أن تكتمل لو أن ثورة ١٩٥٢ تم بناؤها على ما قبلها، حيث كان قبل ثورة ١٩٥٢ أحزاب تحتكم إلى الصندوق، علاوة على ارتفاع نسبة الأمية فى مصر، وبالتالى الحياة الحزبية فى مصر كانت غير مكتملة، وبالرغم من أن حزب الوفد حزب أغلبية فإنه لم يحكم فى الفترة من ١٩٢٤ إلى ١٩٥٢ إلا تسع سنوات.

العقيدة المصرية كانت تؤمن بحزب الوفد بصورة كبيرة، لذا كان من الممكن أن تكون الحياة السياسية المصرية مكتملة الأركان لو لم تحدث القطيعة فى ١٩٥٢، وتجب الإشارة إلى أنه بدأ يحدث استئناف للحياة السياسية المصرية بعد عودة حزب الوفد للمجال العام فى عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

■ ذكرت أن ثورة ١٩٥٢ غيرت الحياة السياسية والحزبية فى مصر.. فمن وجهة نظرك كيف حدث ذلك؟

- عندما جاءت ثورة ١٩٥٢ لم تستطع أن تستكمل وتبنى على الحياة السياسية التى كانت موجودة، إنما ما حدث أنها ضربت قطيعة حزبية ومدنية، لأنها قطعت الخيط تمامًا بين الفترتين، أى ما قبل ثورة ٥٢ وما بعدها، إلى أن استُؤنفت الحياة السياسية فى فترة السبعينيات مع المنابر والأحزاب فى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.

وللأسف كانت وكأنها تبدأ من الصفر، وبالتالى فنجد أنه منذ فترة السبعينيات حتى الآن وقت غير طويل يمكن أن يصنع حياة سياسية حزبية قوية ومجتمعًا مدنيًا جيدًا لمصر.

■ بالحديث عن حزب الوفد باعتباره حزب الأغلبية فى ذلك الوقت، لماذا لم ينجح فى استعادة بريقه فى الوقت الحاضر؟

- حزب الوفد لم يستطع اقتناص الفرص لتحقيق الوجود المفروض عليه، فدائمًا ما كانت الدولة تعمل على إجهاض عمليات التواصل بين الحزب والشعب، خاصة فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فالحكومة لم تكن مرحبة بأن يكون هناك حزب «وفد» قوى فى الحياة السياسية، وكانت ضد هذه الفكرة بل تقاومها. فمنذ بداية نشأته شهد حزب الوفد العديد من المواقف الرافضة تكوين علاقة بينه وبين الشعب، فدعنى أذكر لك واقعة حدثت قبل عام ١٩٥٢، عندما كان مصطفى باشا النحاس فى المعارضة، وكان فى ذلك الوقت، إسماعيل صدقى باشا هو من كان فى الحُكم، وقرر «النحاس باشا» أن يذهب إلى المحلة لعقد مؤتمر انتخابى، ولكن بمجرد أن علم إسماعيل صدقى لجأ إلى حيلة شيطانية، لمنع وصول النحاس باشا إلى المؤتمر، وأمر عمال القطار أن يفصلوا العربة التى ركب فيها «النحاس» بالجرار ويرسلوها إلى بنى سويف، وبالفعل حدث ذلك.

ما حدث مع «النحاس باشا» كان يتكرر فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، عندما يتم الإعلان عن أى مؤتمر انتخابى أو سياسى للوفد، لم يكن مرحبًا به، ومثلًا على ذلك عندما كان ينوى مؤسس الحزب «فؤاد سراج الدين» تنظيم مؤتمر فى أى محافظة، كان يواجه بكم هائل ومعقد من التصاريح الواجب استصدارها، وحتى إن تم استخراجها فهناك أشياء خفية تفسد المؤتمر حتى لا يتواصل الوفد مع المواطنين.

■ لدينا ٥ انتخابات تعددية من ٢٠٠٥ حتى وقتنا الحاضر.. بماذا تفسر تفوق الأحزاب الجديدة على حزب الوفد خلال السنوات الأخيرة؟

- ما حدث فى حزب الوفد خلال مسيرته من منتصف السبعينيات حتى ٢٠٢٤، أى خمسين عامًا، هو حصيلة مسيرة «وفدية»، وهذه الحصيلة كان فيها السيئ والجيد، والسيئ هو الذى ظهرت حصيلته سواء فى ٢٠٠٥ أو ٢٠٢٤، لكن الحكومات المتعاقبة كانت لا ترحب وتخشى بأن يكون حزب الوفد قوة سياسية كبيرة، مع أن وجود الوفد كقوى سياسية لها هذا التاريخ ١٠٤ أعوام، لصالح الحكومة وليس ضدها.

فأنا أرى أن حزب الوفد له أفكار ليبرالية تتسق مع الروح المصرية، ويجب أن يكون موجودًا وبقوة فى الحياة السياسية، وإن كانت هناك عوامل خارجية وداخلية أثرت على أدائه السياسى الفترة الماضية.

■ ما رأيك فى التحالف الذى عقده فؤاد سراج الدين مؤسس حزب الوفد مع جماعة الإخوان الإرهابية عام ١٩٨٤؟

- سراج فؤاد الدين أخطأ فى التحالف مع جماعة الإخوان، وأيضًا «الوفديون» أخذوا عليه ذلك التحالف، وأعتقد أنه فيما بعد أدرك أنه كان مخطئًا ولم يكرر ذلك، والدليل على ذلك أنه ظل فى الحزب من ١٩٨٤، حتى وفاته فى ٢٠٠٠، ومن الممكن أنه فكر وقتها أن الوفد وعاء كبير يضم كل التيارات السياسية.

■ ونحن نتحدث عن العقل السياسى المصرى.. نرى أن هناك ظاهرة غريبة هى أننا نتقبل الدخول فى حوار عندما تطلب السلطة فقط مثلما حدث عندما دعا الرئيس لحوار وطنى واستجاب له المصريون، فهل العقل السياسى للسلطة يسبق العقل السياسى للقوى السياسية؟

- لا يجب أن ننكر تأثير العامل الاقتصادى على قدرة المواطنين على الحوار والحديث مع بعضهم البعض، فالمصرى لديه طوال الوقت فى عقله نوع من الحوار الذى لا يتوقف على مدى الـ٢٤ ساعة، ولكن ما يحتاجه هو أن ينتقل من مربع الحوار الداخلى إلى مربع الحوار الخارجى مع الآخرين. فالرفاهية الاقتصادية دائمًا تعطى مساحة لقدر أكبر من التسامح، وبالتالى تقبل الرأى الآخر والحوار معه والحديث إليه، ولكن عندما يكون هناك ضغط اقتصادى، فذلك قطعًا له تأثيره الخفى على أن تكون الشخصية المصرية مستعدة لأن تتحاور وتتقبل الرأى الآخر.

■ لماذا لم تتحاور الأحزاب والقوى السياسية قبل دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى عام ٢٠٢٢؟

- دعنى أقل لك إنه للأسف «الاتكالية» أصبحت جزءًا من الشخصية المصرية، وبالتالى دائمًا تنتظر الدعوة قبل أن تتحرك، فدائمًا تحتاج من يحركها ومن يدعوها إلى الخطوة الأولى.

■ هل دخول حزب الوفد فى سباق الانتخابات الرئاسية أعاد له بريقه السياسى من جديد؟

- بالطبع أتصور أن النتيجة التى حدثت فى السباق الرئاسى ٢٠٢٤ يجب أن تكون سبيلًا ودافعًا لمراجعة حضور الوفد فى الحياة السياسية، على المستويين الداخلى من خلال عمله على مراجعة أدائه وقدرته على التطور والتقدم داخل الحزب، وأيضًا المستوى الخارجى، فيجب على الحكومة أن تدرك أن لديها قوى سياسية كبيرة فى الحياة السياسية اسمها حزب الوفد، وأنه يجب أن تفعل ما يشجعه لأن يتصل بالمواطنين، لأنه حزب له قيمه الوطنية.