رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. هدى زكريا أستاذة الاجتماع السياسى: الجيش المصرى يتميز بظاهرة «الضابط المثقف» المتفوق فى العلوم المدنية

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز وهدى زكريا

- دعت المؤسسات الإعلامية والتعليمية لتوفير المعرفة بدلًا من البحث عن «الترند»

- الشخصية المصرية قطعة من الألماس ولا تستسلم مهما تعرضت للمخاطر والضغوطات

- الغرب تعمد ضرب مصر فى ضميرها الجمعى بعد فشله الكبير فى هزيمتها عسكريًا

- وجود الدولة المصرية فى إفريقيا دفاع عن البقاء فى مواجهة الأطماع الإسرائيلية للسيطرة على منابع النيل

- المعرفة تقود للتفاؤل بمستقبل الشعب المصرى والنهضة تأتى فى لحظة لا يتوقعها أحد

دعت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسى، المؤسسات الإعلامية والتعليمية إلى العمل على توفير المعرفة للأجيال الحالية والمقبلة بدلًا من البحث عن «الترند»، مؤكدة أن المعرفة تقود للتفاؤل الكبير بمستقبل الشعب المصرى ونهضته التى تأتى دائمًا فى لحظة لا يتوقعها أحد، كما حدث أكثر من مرة عبر التاريخ.

وأوضحت، خلال حديثها لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، الذى تنشر «الدستور» الجزء الثانى منه، أن الغرب تعمد ضرب الشعب المصرى فى ضميره الجمعى ووطنيته بعد فشله الكبير فى هزيمته عسكريًا، مشيرة إلى أن الشخصية المصرية تتسم بأنها لا تستسلم أبدًا مهما تعرضت للمخاطر والضغوطات، كما أن الجيش المصرى يتميز بأنه ليس جيشًا من المرتزقة، ويَعرف ظاهرة «الضابط المثقف»، الذى لا يكتفى بالعلوم العسكرية ويعمل على التفوق فى العلوم المدنية أيضًا. 

وأشارت إلى ضرورة الاهتمام بعلم اجتماع القوميات، لكونه يساعد فى التصدى لمؤامرة تزييف التاريخ، التى يحرص الغرب على تنفيذها، بالإضافة إلى مؤامرات الحركة الصهيونية، التى تعمل على اختلاق تفاصيل تاريخية كاذبة مع الإلحاح عليها وتكرارها، لتتحول بعد بعض الوقت إلى حقيقة يرددها الناس ويصدقونها جيلًا بعد جيل.

■ وفقًا لرؤيتك.. ما السمات الأساسية للجندى والضابط المصرى عبر العصور؟

- الجندى والضابط فى الجيش المصرى منذ بداية تكوينه فى التاريخ الحديث، على يد محمد على، نلاحظ أنه قارئ بطبعه، فهناك محمود سامى البارودى، رب السيف والقلم، وحافظ إبراهيم، الشاعر الكبير، كان ضابطًا.

والضابط المصرى لا يقتنع فقط بالعلوم العسكرية، ولا يعتبرها آخر اهتماماته، وعندما ذهبت كمحاضر إلى الكلية الحربية وجدت أن هناك أكثر من ١٢٠ ضابطًا مصريًا مسجلين لرسالات ماجستير ودكتوراه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

وكلمة ضابط مثقف نلاحظها فى حرص الضابط على أن يذوب فى العلوم المدنية، وهنا نجد يوسف السباعى، الكاتب الكبير، وثروت عكاشة، أعظم وزير ثقافة الذى شيّد أكاديمية الفنون، فهو كان ضابطًا، وأيضًا عندنا الفنان مثل أحمد مظهر، وهذا يوضح حرص الضابط المصرى على أن يكتمل ثقافيًا، ويجاور العلوم المدنية بالعلوم العسكرية التى تلقاها، فنجده متفوقًا بها بحكم انضباطه عسكريًا.

وعند المقارنة، ووفق علم الاجتماع العسكرى، سنجد أن الجندى والضابط فى الجيوش الغربية يعتبرها مهنة لتكوين نفسه على المستوى المادى فقط، خاصة أن المقابل لذلك يكون كبيرًا، وهذا يحدث كثيرًا فى العالم، وكان يحدث حتى فى أيام الخلافة العثمانية، أى أن الجندى هناك يكون مرتزقًا بطبعه، لأنه لم يكن «ابن البلد».

■ تتحدثين عن علم اجتماع القوميات.. فما هو وما أهميته؟

- علم اجتماع القوميات تدرج من علم الاجتماع السياسى والعسكرى، وأتمنى أن يصبح ضمن العلوم التى تدرس بتوسع، لما له من أهمية كبيرة، وقد اقتنيت كتاب «علم اجتماع القوميات» للكاتب ديفيد ماكرون، منذ نحو ٢٠ عامًا، وهو يقول إن الأمم تنام وتصحو، وإن الغرب يوقظ أممًا ويحاول استبعاد أممًا من التاريخ، الأمر الذى يعد اعترافًا مع سبق الإصرار والترصد، كما أنه يحكى عن كيف أوجد الغرب أممًا بعدما كانت غير موجودة.

وهنا الإسقاط على إسرائيل والحالة الإسرائيلية والحركة الصهيونية، وكيفية اصطناع تاريخ مزيف لتبنى عليه واقعًا، وهم كانوا فى الحركة الصهيونية يزيفون التاريخ ويصرون بإلحاح شديد على تفاصيل تاريخية كاذبة، فتتحول بالإلحاح إلى حقيقة، وتجعل الأجيال تتبناها جيلًا بعد جيل.

والمثال على ذلك هو قصة سيدنا موسى، والتى قيل فيها إن فرعون موسى كان الملك رمسيس الثانى، وهى من ضمن الأكاذيب، لكن تم اصطناعها وتبنيها، مع تزييف الحقائق، إذ إن بين سيدنا موسى والملك رمسيس الثانى ١٨٠٠ سنة، فمن الذى يحاول القفز بتاريخ منطقة إلى منطقة أخرى.

وللإجابة عن سؤال من هو فرعون موسى؟، فالأمر نستنبطه من التراث المصرى، فهو أحد فراعنة الهكسوس، الذين حكموا مصر لمدة ١٥٠ سنة، لأن الملك رمسيس الثانى كان لديه ١٠١ بنت وولد، لأنه تزوج كثيرًا، لذا لم يكن بحاجة إلى تبنى آخرين، لكنهم تعمدوا تشويه صورته لأنه أعظم أجدادنا، مع تحميل مصر ورمسيس الثانى المسئولية الدينية، وتشويه الهوية الوطنية.

ولتنفيذ مخططهم صنعوا مؤامرة ناعمة، إذ طلبوا من الرئيس أنور السادات أن تسافر مومياء الملك رمسيس الثانى إلى معارض باريس، وبعد ضغط كبير، سافرت المومياء، لكن فى اليوم الثانى من وصولها ذهب موشيه ديان إلى المعرض، وأشار بعصاه إلى المومياء وقال: «أخرجتنا أحياء، فأخرجناك ميتًا»، وهذا تاريخ من الغل الصهيونى لا علاقة به برمسيس الثانى، وهنا ثار عليه العلماء الفرنسيون، وقالوا إنه لم يكن يجب السماح بدخوله إلى حرم المومياء، وأعادوها إلى مصر.

وهذه المطاردة التاريخية هى لعبة صهيونية، فعندما تملك التاريخ والذاكرة تملك الأرض، مثل «الهولوكوست» المعروف أن لها ملامح تاريخية لكن تمت المبالغة فى أرقام اليهود فيها من ٥٠ ألفًا إلى ٦ ملايين، ولا يجرؤ أحد على التحدث عن «الهولوكوست» أو مراجعة أرقامها وإلا يزج به إلى السجن، لأن الحركة الصهيونية سيطرت على العقلية الدولية، وليس العقلية اليهودية فقط.

■ هل هناك أمثلة على استمرار هذه المؤامرة؟

- هناك قناة أمريكية تسمى «هيستورى» ترصد الأحداث، مع تصنيع واختلاق التاريخ على مهل، وقد رأيت فيلمًا يردد الأكاذيب الصهيونية ويتجاوز حقيقة أن القبائل العبرانية لم يكونوا من سكان فلسطين لكنهم تجار عابرين، لكن الباحث الأنثربولوجى الإسرائيلى يقول: «كان أجدادى هنا وقام السوريون بطردهم فى الشتات فتشتتوا فى أنحاء العالم، ومن ضمن التشتت جنوب إفريقيا»، ويقول: «هنا يسكن أحفاد أجدادى من الأفارقة، لأنهم يهود»، ويقوم بتصوير نفسه وسطهم وهم يرتدون القبعة الإسرائيلية، وتنوه أحداث الفيلم إلى أن درجة لون البشرة تغيرت نظرًا لعوامل المناخ فى القارة الإفريقية.

وعند مشاهدتى تلك المشاهد انتابنى شعور بالضيق، ووجدت الأحداث تشير إلى نوايا إسرائيلية للتحرك إلى جنوب إفريقيا والوصول عند منابع النيل، خاصة أن الفيلم تحدث عن مئات الآلاف من اليهود فى كينيا، لذا فوجود الدولة المصرية فى إفريقيا هو دفاع عن البقاء والاستمرار وليس رفاهية، لأن المجتمع المصرى محاط بالمؤامرات إلى يوم الدين.

والمؤرخ أحمد صادق سعد، ذلك المؤرخ المصرى الذى كان ينتمى للحركة الشيوعية، شعر بالخطر من عمليات التهويد وإزاحة اليهود من مصر واجتذابهم إلى فلسطين، ووجد أنه مدفوع للهجرة خارج مصر، فأسلم، وكتب وكشف أكاذيب الصهاينة، وهو من فضح أكاذيبهم، وكتب عن تاريخ الحركة الصهيونية دفاعًا عن وطنيته.

وهناك أيضًا يوسف حزان، وهو يهودى مصرى، حين تم دفعه إلى الهجرة سافر إلى فرنسا، وقامت حياته على استقبال المصريين المهاجرين ومنحهم فرص العمل والمساندة، ولما مات وجدنا ١٢٠ مثقفًا مصريًا ينعون «سوسو حزان»، كما كانوا يطلقون عليه، فالديانة اليهودية لا تتعارض مع الوطنية المصرية، وإنما الحركة الصهيونية أمر آخر، فقد حاولت إقامة أكاذيبها على أرضية «تديين القضية»، وهو ما يعملون عليه حتى الآن، الأمر الذى يمثل خطورة كبيرة على القضية الفلسطينية، لأنها قضية وطنية بالدرجة الأولى.

ولذلك، حدثت مذابح كفرقاسم ودير ياسين، فقد كان هناك تعمد لارتكابها واستفادت منها عصابات «الهاجاناه» الصهيونية، التى كانت مكونة من ٦٠ ألف مقاتل، والمذابح كانت مدبرة ومرتبة بفعل فاعل من دول أوروبا، وكان لها غرضان منها، الأول هو التخلص من فائض اليهود لديها، لأنهم يمثلون خطرًا على الطبقة البرجوازية فى بلادها، والغرض الثانى هو زرعهم كشوكة فى ظهر العرب الذين يطالبون بالتحرر من الاستعمار.

■ ما الفرق بين رؤيتنا للوطن ورؤية هؤلاء؟

- الوطن لدينا مقدس، ونحن نضحى بحياتنا من أجله، ولكن هؤلاء مثل حسن البنا وجماعته، الذين أرادوا ضرب المقدس بمقدس آخر عندما قالوا «ما الوطن إلا قطعة من تراب عفن»، وأنه من الممكن أن يحكمنا شخص من ماليزيا، وذلك من باب ضرب الوطنية.

فى مذكرات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، التى تحدث فيها عن ثورة الضباط الأحرار، قال: «فرض الوضع علينا أن تكون فئة منا هى المخلصة للفكرة الوطنية»، فـ«عبدالناصر» ورفاقه لم يريدوا أن يتصدروا المشهد، ولكنهم كانوا بين أمرين، الشيوعيين و«الإخوان»، فالأخيرة تقول إنه لا يوجد انتماء للدولة، والشيوعية تريد إسقاط الدولة لصالح الطبقة العمالية.

والاقتصاد المصرى قبل الثورة كان منهارًا، لأن من لديه ٥ آلاف فدان كان يزرع منها ألف فدان فقط ويترك الباقى بورًا، ما أسقط الاقتصاد المصرى، مع تنفيذ مخطط ليزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا، حتى إن أحد الإقطاعيين قال: «الإقطاعى منا فقير ولا يستطيع أن ينفق على الضريبة»، التى كانت قرشًا واحدًا عن كل فدان.

■ ما تعليقك على من يقول إن الاقتصاد المصرى كان عظيمًا قبل ١٩٥٢ وإن الثورة دمرته وفتتت الأراضى الزراعية؟

- من يحاولون ضرب الشخصية المصرية كانوا يضربون لحظة توهجها، وهذا التوهج كانت له إرهاصات، من بينها مشروع خطاب باشا، وهو رجل كانت لديه أرض زراعية عظيمة، وقبل الخمسينيات قدم مشروعًا اقترح خلاله ألا يملك الإقطاعيون أكثر من ٥٠٠ فدان، ويتم بيع الباقى، وكان يهدف من المشروع إلى تفتيت ملكية الأراضى التى لا تجد من يزرعها مع السماح للاقتصاد بأن ينهض، لكن تم تهديده واتهامه بأنه شيوعى ويريد القضاء على الاقتصاد المصرى.

أى أن بدايات المشروع كانت موجودة فى مضابط مجلس النواب المصرى، وكانت هناك محاولات لتطبيق الإصلاح الزراعى الأمريكى، فأمريكا كانت توزع هيكتارات من الأراضى الزراعية على الناس لزراعتها.

وفى مضابط الثلاثينيات نجد أحد الإقطاعيين بالبرلمان يقول إنه شاهد أحد الفلاحين وهو يرتدى جلبابًا أبيض، ويتساءل: كيف سيعمل؟، لأن الفلاحين وقتها كانوا لا يرتدون سوى الجلاليب الزرقاء، أى أنه لم يكن هناك أى إنسانية للفلاح.

ولذلك، كانت الطبقة الوسطى فى مصر وقتها صاحبة رؤية، وقصص نجيب محفوظ قبل الثورة كانت تدور كلها فى هذا الفلك، وكان هناك تمهيد لحركة ثورية لا بد أن تقوم.

ونيلسون مانديلا فى عام ١٩٥٦ كان مسجونًا فى زنزانته ويعذَّب، وكتب مظلمة يقول فيها: «لا تضربونا ولا تعذبونا»، وفجأة سمع صوت جمال عبدالناصر وهو يقول: «تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية»، فقال «مانديلا» لنفسه: «إنه أسمر مثلى وحرر أرضه، فلماذا لا نكافح كفاحًا مسلحًا؟، وقطع المظلمة». 

و«مانديلا» بعدما أصبح رئيسًا لجنوب إفريقيا زار قبر «عبدالناصر»، وقال له: «أنت تعلم أنى كنت فى السجن ولم أستطع أن أجىء إليك، ولكن أنت تعلم أنى كنت أشب على أطراف أصابعى لعل أنظارك تقع علىّ»، فهذه كانت مصر بالنسبة للعالم وقت «عبدالناصر»، وجميع الدول الخائفة من فكرة الثورة، والتى تقوم على الملكية، تواطأت ضده للحفاظ على الملكية الباقية فى العالم.

■ هل نجح الغرب فى ضرب المجتمع المصرى فى ضميره الجمعى ووطنيته؟

- قوة الضمير الجمعى تقوم على قوة التلاحم بين الأفراد فى اتجاه الهدف، وهو البقاء والاستمرار، وذلك كان هدف المجتمع المصرى طوال الوقت، والغرب تعمد ضرب المجتمع المصرى فى ضميره الجمعى ووطنيته، بعد فشله الكبير فى هزيمته عسكريًا، وكانوا يتحركون ببطء شديد.

وتوجد دراسة لباحث إيرانى يُدعى عاصم بيات، اسمها «الإسلام والبهجة»، قال فيها إن الدين الإسلامى دين عظيم نزل على قبيلة تدعى قريش، وتحولت لحضارة ودولة عظيمة من المهندسين والأطباء وصدرت للعالم الحضارة، وصاحب هذه الدراسة تساءل: لماذا يتحول الدين لأسود قاتم فى سيناء؟، ويكشف أن هناك مؤامرة قديمة لزرع الإرهاب فى سيناء.

وقد رصدت هذه التحركات حتى عام ١٩٩٦، وانتقلت من على المنابر المجهولة فى سيناء إلى منصة القضاء، ليقوم أحد القضاة بإدانة الكاتب نصر أبوزيد لأنه «مرتد»، وذلك بعد أن تم اغتيال الكاتب فرج فودة والشيخ الذهبى، وفى تلك الفترة، كان نصر أبوزيد زميلى، وكان يشرح لنا داخل هيئة التدريس نصوص القرآن الكريم، وكان سيتم وقفى عن العمل بشكل كامل بسبب علاقتى المقربة به، ولكن رئيس الجامعة ساندنى حينها وأبلغهم بفخره بوجودى معهم.

وبعد الحكم بإدانة نصر أبوزيد كنت أصرح دائمًا بأننى أرى أن زميلى، الذى أعرفه جيدًا، شخص صادق فى إيمانه ومسلم حقيقى، وشككت فى حكم القاضى، لأننى لا أعرفه إطلاقًا.

وفوجئت بتصريحى منشورًا بالصفحة الأولى من جريدة «الأحرار»، بعنوان «فى مبادرة ضد الظلام.. قامت هدى زكريا بالدفاع عن نصر أبوزيد»، كما تواصلت معى مجلة «روزاليوسف»، وطلبت منى بيانًا حول هذه القضية، وأيضًا جريدة «الوسط» الكويتية، الأمر الذى جعل حياتى فى خطر حينها، وأصبحت مهددة بالقتل، ولكنى قررت الرد عن الظلم الذى واجهه زميلى نصر أبوزيد، دون أن أنتظر الخطر حتى يصل عند بابى.

والشخصية المصرية المتسامحة ضُرب تسامحها فى مقتل بفعل فاعل، وذلك لأن تلك منطقة قوة، وهناك باحث أمريكى كتب تعبيرًا مثيرًا فى أحد كتبه، قائلًا: «أفضل ممارسات القوة تلك التى لا تستدعى عنفًا، فقط قم بالسيطرة على مصادر المعرفة مثل التعليم والإعلام وغيرهما».

وهذا ما حدث مع الدكتور نصر أبوزيد، خلال قضيته، لأنه مات مظلومًا، ولكن تم إنصافه متأخرًا فى الكتب، لأن هناك مثقفين لعبوا أدوارًا بطولية فى المسألة الثقافية والوطنية على مدار السنوات الطويلة الماضية، ولا يزال التاريخ يحمل فى طياته نصرًا للعدالة التى كان ينبغى أن ينالها «أبوزيد» أثناء محاكمته.

■ كيف يمكن إعادة شحن بطارية الشخصية المصرية؟

- رصدت التغيرات التى تحدث فى الشخصية المصرية وتأثير الحروب العنيفة على هذه الشخصية، وفى ظل الظروف الصعبة التى يعيشها العالم، تحدثت عن كيفية إعادة شحن بطارية الشخصية المصرية بعد الحروب، وأؤكد أن ذلك يتم عبر العمل المكثف من قبل وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية؛ لأنه يجب الانتباه جيدًا إلى أن التعليم أصبح يخرج «شراذم»، فهناك خريجون من مدارس حكومة وآخرون من مدارس خاصة أو مدارس لغات وغيرهما، وهذا يُحدث تفككًا فى الضمير الجمعى والوطنية.

ولا بد أن نعى أن شخصية مصر دائمًا تستوعب القادمين من الخارج بكل حب وكرم، كما حدث مؤخرًا مع أشقائنا السوريين والسودانيين وغيرهم، من العرب والأجانب، فمصر لا تقيم أبدًا معسكرات لاجئين، مثل باقى الدول الأخرى، كما يقسم المصريون دائمًا لقمة العيش مع الغير، طالما أنه ليس عدوًا.

والمعرفة عمومًا لا تقود الإنسان إلى الاكتئاب، ولكنها قادتنى بشكل شخصى إلى التفاؤل الكبير بمستقبل الشعب المصرى؛ لأنه عند قراءة الأحداث التاريخية نعرف جيدًا أن النهضة تأتى دائمًا إلى مصر فى لحظة لا يتوقع فيها أحد لهذا الشعب أن ينهض مرة أخرى.

وإذا عدنا إلى الوراء، ونظرنا إلى عام ١٨٠٥، حين أصيب المصريون بمرض الطاعون، ثم سنجدهم ينتفضون فى عام ١٨١١ ويغزون المنطقة بأكملها، وساعتها سنعلم جيدًا مدى قدرة هذا الشعب، لذا يجب دائمًا النظر إلى الذاكرة والتاريخ، لأن المستقبل هو ابن الأمس، وابن خبراتنا التاريخية.

■ كيف يمكن أن نصف الشخصية المصرية فى كلمات بسيطة؟

- الشخصية المصرية عبارة عن قطع من الألماس ولا تستسلم أبدًا مهما تعرضت للمخاطر والضغوطات، فهى دائمًا سند العالم، ويجب على المصريين أن يثقوا فى أنفسهم، كما أن هناك دورًا كبيرًا لمصادر المعرفة التى من شأنها نشر الوعى بين المواطنين، وجعلهم يكتشفون حقيقة أنفسهم.

فالمصرى هو الذى يتوحد مع الوطن، وهذه المنطقة يجب حمايتها من الضربات، ومن المفترض أن تعمل المؤسسات الإعلامية والتعليمية على توفير المعرفة الكاملة للأجيال الحالية والقادمة، بدلًا من البحث عن «الترند».