رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات والسينما

يهتم معظم الباحثين عند دراسة تاريخ الزعماء والرؤساء برصد أدوارهم السياسية وتأثيرهم فى المجال العام، وربما أيضًا فى السياسة الدولية. بل ينظر بعض الناس إلى «الشخصية التاريخية» نظرة مختلفة عن بقية البشر، وكأن هذا «البطل» شخصية هابطة علينا من السماء، وليس من نبت هذا المجتمع. كما يتم التركيز على «مرحلة البطولة» حيث لعب الدور السياسى، ويتم تجاهل فترة النشأة والتكوين، بل الشباب أحيانًا، مع أن هذه الفترات هى الأساسية فى تشكيل نفسية وعقل الشخصية التاريخية. وربما يهتم البعض منا بطرح السؤال التالى: ماذا قرأت الشخصية التاريخية؟ حتى يحدد المنابع الفكرية له، لكن أحدًا لم يطرح على نفسه أسئلة مثل: هل يستمع «البطل» إلى الموسيقى؟ وإلى ماذا يستمع؟ ما علاقة الشخصية التاريخية بفن السينما، بل بالفنون جميعًا؟

بالقطع عندما ترد إلى أذهاننا صورة السادات فإننا ننظر إليه على أنه بطل الحرب والسلام، مع اختلاف البعض منا فى هذه الصورة الذهنية. لكنى طرحت على نفسى هذا السؤال: ما علاقة «البطل التاريخى» بفنون عصره؟ وفى حالة السادات، وجيله على وجه الخصوص، ما علاقته، وربما جيله أيضًا، بفن السينما؟ هذا الفن الوليد فى مصر آنذاك، والمصاحب لنشأة وشباب هذا الجيل.

ربما لا يعرف البعض منا أن السينما كانت لهذا الجيل بمثابة الفانوس السحرى الذى يرى فيه العالم الذى يحبه، وربما الذى يريده. وأن هذا الفن لعب دورًا أساسيًا فى تشكيل وعى هذا الجيل. كانت السينما لهم بحق «صدمة فكرية واجتماعية» بالمعنى الحسن للمصطلح.

وكان السادات وجيله من المغرمين بالسينما، حتى إنه فى ليلة قيام الثورة كان يصطحب زوجته إلى السينما! وما يهمنا هنا هو رصد صدمة اللقاء الأول بين الطفل، الشاب أنور السادات مع السينما. يحكى السادات فى «البحث عن الذات» عن طبيعة هذا اللقاء، عندما دخل لأول مرة إلى قاعة السينما. يتذكر السادات أنه شاهد على الشاشة منظر اندفاع القطار، وظن للوهلة الأولى أن القطار يندفع نحوه، فتملّكه الفزع، وقام من مكانه واندفع هاربًا، لكن السادات لاحظ بقاء كل المشاهدين فى أماكنهم.. ولنترك السادات يروى لنا مشاعره آنذاك:

«لفت نظرى أن الناس كلها قابعة فى مقاعدها وكأن شيئًا لم يحدث! هذا شأنهم، قلت فى نفسى، ولكن بمجرد أن بلغت نهاية الصف، وعيناى تسمرتا على الشاشة، لم أجد القطار، وجدت بدلًا منه رجلًا وامرأة يتناولان الطعام فى مقهى صغير، فاخترقت الصفوف مرة أخرى وعدت إلى مقعدى أراقب أحداث الفيلم فى هدوء، كما يفعل الآخرون».

لنا أن نفكر جيدًا فى هذه المشاعر العفوية، ورد الفعل لطفل، شاب ريفى فى ثلاثينيات القرن الماضى، وهو يشاهد اختراع القرن «السينما»، وكيف سيُدمِن هذا الجيل فن السينما.

عودة مرة أخرى إلى ذكريات السادات فى هذا اليوم: 

«كم انبهرت ذلك اليوم بما رأيت، وكان من نتيجة انبهارى أن حجزت تذكرة الحفلة التالية من الساعة الثالثة إلى السادسة بعد الظهر، وتسمرت فى مقعدى لأشاهد القطار العجيب مرة أخرى».

هذا هو البطل التاريخى «الإنسان»، وهذه هى السينما... تاريخ القرن العشرين.