رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام جديد.. وتفاؤل بالمستقبل

مع استقبال العام الجديد، يمكننا القول بأن إمكانات انطلاق الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة متوافرة.. وهنا نتحدث عن انطلاق الاقتصاد وليس فقط استقراره، لأن استقراره يعني الاكتفاء بالحد الأدنى والضرورى فقط، وقد تم اختبار هذا وبشدة على مدار الفترة الماضية، واستطاعت مصر أن تثبت متانتها وصلابتها، ولم يقتصر هذا على حدود مصر فقط، بل كانت مصدرًا لدعم واستقرار من حولها من البلدان، ومانعة من التوتر والتدهور، من خلال التنسيق الدولى وبحكم مكانتها فى هذا الشأن، بالإضافة إلى تنوع الاقتصاد المصرى والبنية الأساسية التى تم الاستثمار فيها خلال السنوات الماضية، ووضع الأولويات فى علاج المشكلات الاقتصادية، وجزء منها يدخل فى إطار صندوق النقد الدولى.
ونحن نستبشر خيرًا، وخصوصًا أنه جرى التأكيد على خلق إطار لكبح التضخم، فى إطار تطورات اقتصادية جديدة، ويجب أن يكون استهداف التضخم بالتنسيق مع المالية العامة للدولة، والانضباط المطلوب من عجز الموازنة، وتوجيه الاستثمارات العامة لتشجيع الاستثمارات الخاصة والبناء عليها وزيادة التصدير، واستعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى، وهو يستحقها، ليجتذب مرة أخرى ما فاته من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، أو تراجع بعض الاستثمارات.. فكل هذا سيعود لطبيعته بعد التوصل إلى اتفاق متوازن مع صندوق النقد الدولى، بالإضافة إلى ما يتم القيام به من استكمال العمل فى البناء والتنمية، والاستثمارات والتعمير، والاهتمام بأولوية نراها الآن فى البنى الأساسية للجامعات، مع الاهتمام الموجه للعملية التعليمية ذاتها والرعاية الصحية.. فمصر فى نطاقها الجغرافى، ليس إفريقيًا وعربيًا فقط، ولكن فى منطقة البحر المتوسط، ينتظرها مستقبل متميز وواعد، والاقتصاد المصرى لديه كل الإمكانات التى تدعو للتفاؤل.
لكن، كيف نرى المؤشرات الاقتصادية للعام الجديد، فى ظل الحروب والنزاعات القائمة؟.
سؤال أجاب عنه، الدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنى بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، رائد الأمم المتحدة السابع رفيع المستوى المعنى بتغير المناخ، فقال إن الحروب أدت إلى إهلاك البشر، وهناك دمار وضحايا أبرياء، بغض النظر عن الأثر الاقتصادى لذلك على مستوى العالم، لكن يجب ألا ننسى أن هناك أبرياء من المدنيين على مدار الساعة يسقطون، وهنا أنوه بأن المساندة للمبادرة المصرية، ومناشدة الأمين العام للأمم المتحدة واجبة، ولا شك أنه من الممكن مع السلام والاستقرار تختلف الأوضاع، من خلال تدفقات أكثر للسياحة والاستثمار، لكن الأولوية الآن أهم من المال والاقتصاد، هناك بشر يُضحى بهم وبحياتهم ومستقبلهم، مما يترتب عليه مخاطر تضر بالاقتصاد، وهناك توجيه نفقات وتكلفة تتحملها البلدان، خصوصًا البلدان المجاورة للكارثة التى تعيشها غزة، وتؤثر على قطاعات مثل السياحة، وتحمل تكلفة عالية على النشاط الاقتصادى وزيادة المخاطر، وتهديد لحركة النقل، كل هذا يزول بتحقق السلام والاستقرار الأمنى، ما نتمناه الآن بالنسبة لغزة هو السلام والاستقرار الأمنى، ثم يأتى بعد ذلك الحديث عن إعادة إعمار غزة، إذا ما نظرنا إلى الدول التى تعرضت إلى حروب سابقة ودمرت، نجد أن إعادة إعمارها تتطلب الكثير من الوقت، وفى الوقت الحالى الأهم وما يجب السعى إليه وتحقيقه هو السلام والأمن داخل غزة، فعملية إعادة الإعمار تأتى بآمال وفرص عمل وتشغيل ومشاركات فى هذا الأمر.
فيما يخص حرب أوكرانيا، نتمنى لها أيضًا التوقف، لأن هناك أبرياء يسقطون من الجانبين، ونهاية أى حرب هى مائدة المفاوضات والسلام، والتأثير الاقتصادى لحرب أوكرانيا قائم مع استمرار الحرب، وتمت الاستعانة بما يمكن لاستيعاب التأثيرات السلبية، مثل التداعيات على الوقود والغذاء مع بداية الحرب عام 2022، وجرى استيعاب تلك التداعيات فى العام التالى وتدبير مصادر أخرى للطاقة فى أوروبا، وللوقود والغذاء فى بلدان أخرى مثل مصر، ولكن يجب التحوط ضد التغيرات المفاجئة فى هذا الشأن.
إن مصر من الدول القليلة التي حققت معدلات نمو إيجابية، مدفوعة بالإصلاحات الاقتصادية التي نفذت خلال الفترة الماضية، وهناك توقعات باستمرار معدلات نمو مرتفعة، مقارنةً بمنطقة الشرق الأوسط التي حققت تراجعًا بمعدل النمو بنسبة 5% نتيجة جائحة كورونا، وهناك توقعات أن تعاود معدلات النمو الإيجابية خلال عامين.. وهنا لا بد أن نشير إلى أن فكرة مبادلة الديون قديمة، ومصر لجأت إليها بهدف تحويل بعض الديون إلى استثمارات مباشرة تتم مع عدد كبير من الدول، وقد جرى الحديث عن مبادلة الديون فى شرم الشيخ، ووجود إطار وتنظيم لهذه الفكرة، لتكون هناك مجالات لاستبدال المديونيات بمجالات الاستثمار فى موضوعات التكيف مع العمل المناخى واستثمارات تخفض من الانبعاثات، والأمر المهم فى هذا الشأن هو التحول من الشكل التجريبى إلى مجالات أكثر اتساعًا.
وأكد محيي الدين ضرورة أن تتسم السياسات الاقتصادية مستقبلًا بالمرونة، مع ضرورة تشجيع العمالة نحو القطاعات التي ستنمو، وتوسيع الضمان الاجتماعي، ونصح بضرورة أن تعيد الشركات صياغة سياستها، بسبب وجود معدلات عالية من اللا يقين تتعلق بإمكانية الإغلاق الاقتصادي مرة أخري في أي وقت، وفي ظل توقعات بارتفاع التكلفة والتضخم، وزيادة للبطالة.. ومن الأهمية الاستثمار في الاستدامة والتحول الرقمي، والاستفادة من مبادرات الحكومة المختلفة والمهمة، والتي من المتوقع أن تجذب الاستثمارات مثل مبادرة (حياة كريمة)، التي تستهدف توطين التنمية، بالإضافة إلى ضرورة أن يدعم القطاع الخاص ويشارك الدولة في التوجه نحو التصدير، مع التركيز على التحول الرقمي، ودعم الاستثمار في البنية التحتية للقطاع في كل الجامعات والمدارس، والاستثمار في التنمية المستدامة، لما له من أثر كبير على الاقتصاد.
قبل أزمة كورونا، كان هناك تخوف من استمرار انخفاض معدلات النمو، بسبب عوامل مختلفة، مثل الديون العالمية وتخوفات من تغيرات المناخ، وتحول شكل العولمة والاقتصاد العالمي، حيث عجلت أزمة كورونا من ذلك بصورة أسرع من المتوقع، وكانت كاشفة لكل نوعيات الاقتصاد المختلفة، من الشركات الصغيرة إلى الاقتصاد الكلي لدول العالم.. ومن الأهمية الاستثمار في توسيع هياكل الإنتاج القائمة، مع ضرورة التعاون الاقتصادي مع دول عربية وإفريقية والتركيز على دعم سلاسل الإمداد، والتركيز على دعم ما سبق بالتحول الرقمي.. إن مصر تستطيع أن تكون مركزًا مهم في سلاسل الأمداد وجذب إستثمارات ضخمة، وربطها بمراكز تجمع السكان، مع ضرورة التواصل مع الخبرات الناجحة في مختلف دول العالم.. وتستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من الظروف الحالية، بدعم شركات التحول الرقمي، والاستدامة، والنظر إلى السياسات المالية الائتمانية، ونوعية القطاعات التي تعمل بها أو ترغب في العمل بها وتوفير التمويل المطلوب.
مختار ديوب، مدير مؤسسة التمويل الدولية، أكد أهمية العلاقات الاستراتيجية بين مصر ومؤسسة التمويل الدولية، حيث تستهدف المؤسسة تعزيز آفاق التعاون مع القطاع الخاص في مصر، في ضوء خطط الإصلاح الهيكلي التي تسعى الحكومة لتنفيذها، لافتًا إلى أن مؤسسة التمويل الدولية تعمل على دفع التنمية في قارة إفريقيا، من خلال استغلال مكانة مصر لتكون محورًا أساسيًا للتنمية الإقليمية.. (ساعدت شراكتنا الوثيقة مع الحكومة المصرية، على إجراء إصلاحات فى قطاع الطاقة، وجذبت أكثر من خمسة عشر مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونحن نبحث عن طرق لدعم جهود مصر لزيادة الاستثمار فى مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، مع الاستمرار فى مساعدة البلاد على إصلاح منظومة دعم الطاقة).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.