رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع "البحر" أبدأ سنة جديدة

 بيني وبين "البحر" مد وجزر. 
عبر موجة حانيـة يغرقني بالحياة، مانحا روحي السلوى والعـزاء. عبر موجة أكثر حنوا، يجسد ساخرًا العبث والفناء.
سافرت إلى "البحر".
علني في امتداد الأفق اللا نهائي، أجد نهاية لعذاباتي. كلما أحسست بأن لا شيء يجدي، ولا إنسان ينفع، أجري إليه، إلى "البحر". في اتساعه، تهدأ تساؤلاتي الحائرة.
مع رائحته المالحة، أستعيد عذوبة وجودي. 
أعشق "البحر".
ترى، أيبادلني شعوري؟. لست متأكدة. أجمل ما في الحياة، أن نظل دائمًا على تلك الشفرة الحادة بين الشك واليقين، إننا دائمًا متأرجحون على المسافة بين السؤال والرد، على سفر – لا موطن له – بين السماء والأرض.
أتوق إلى "البحر".
وأعز أمنياتي، أن تأتي نهايتي على شكل موجة.
سافرت إلى "البحر".
لا شيء معي إلا تموجات اللون الأزرق،  قلم أسود، حنين إلى نفسي وهي جنين، وقصاصات من الذكريات، تركها لي أحد الرجال.
كتب مؤرخا سنة 2023: 
6 يناير 2023: ليلة وهبهـا لهـا القـدر، لتهجر عالمها الموحـش. بدأ في عينيه بريق اشتاق إلى توهجه، رغم حنينها الى حبيبها القديم. 
14 فبراير 2023: أشهر ضدها الهاتف، فأدمنت أذناها الرنين. قال لها: يوم فلانتين سعيد، دائما معك. ولا أحد سواكِ. 
21 مارس 2023:  قال لها إنه مسكون بها. أعلن أنها معبودته. مسح دموعها، وهى تتذكر أن اليوم الذكرى الثانية لرحيل أمها نوال.  
8 أبريل 2023:  فى يوم ميلادك، أهديكِ قلبا أربكه الاشتياق. 
22 مايو 2023: سبحـان الـذي أسمعني رنيـن الـصـوت، وأراني ارتعـاش البحر في عينيكِ. سبحان الذي أدهشني، وجعلني حتى الآن حائرًا بـدهشتي. سبحان الذي جعل لحظة تـوبتى لحظة رضـاكِ، وحين أدرك أن خيبة الأمل موعدي، تُفتح أبواب الأرض والسماء. أخبرته بأن اليوم الذكرى السادسة لرحيل شريف، أبيها، والشجن حملها على أجنحته، لتزور قبره. 
4 يونيو 2023:  لا أحتمل حرارة الصيف، مع اشتياق لا ترحبين بأمطاره.

أعرف أن اليوم عيد الميلاد السادس، لطفل صالحك على العالم. 
14 يوليو 92: لأنكِ كتاب مفتوح، تبدين غـايـة في الغموض، اخفي أسرارك قليلًا كي أفهمك. الليلة فى ذكرى حبيبتك أسمهان، ستسهرين مع أغنياتها. أتمنى أن تسمعى: "إمتى هتعرف إمتى إنى باحبك إمتى "ليكبر عندى الأمل قليلا.... 
30 أغسطس 2023: اخطفيني واطلبي من أهلي فدية كبيرة، فهم أغنياء، وليتهم لا يدفعون. 
13 سبتمبر 2023: تأتي المواعيد بما لا يشتهي الحنين لشفتيك ِ. 
22 أكتوبر 2023: اختفيت فى عيد ميلاد الأم الراحلة. هل تبق لك وقت لتفكرين فى مأساتى معك ؟؟،  أسأل عشرات الأسئلة، ولا تردين.
1 نوفمبر2023: يطول انتظاري، وأنت لا تكترثين. 
31 ديسمبر2023: في قسوة لا تليق بقلب أحبكِ، تقطعين الخيط الأخير.. ألملم ما تبعثر من أحلامى تركتها فى عينيك.. أجمع أشلاء عشق يحلله الاله، ويحرمه قلبك.

لأني في حضرة "البحر"، فلا مفر من الصدق.
نعم، رفضتك. ولو عاد الزمان، ما ترددت في الرفض مرة أخرى.
رجل مثل كل الرجال، أنت. 
تريدني، وتريد الحب معي. لكنني لا أريد أحـدًا، ولا تستهويني فكرة الحب مع أي رجل.
خُلقت لأكون له. "هو" فقط، مصيري وغايتي.
"هو"، أزرق العينين، رمـادي الأفق.. متقلـب الـمـزاج، غيـر قـابل للأسر.. لا يقبل أنصاف النساء، في أعماقه ترقد أصـداف الحكمة، وحين يشاء يخاصم أو يصالح السماء.
هو "البحر" وحده الآمر الناهي في شئوني.
هو "البحر" له وحده السلطان على مجرى دمي ونشوتي.
هو "البحر"، سر فرحتي، وسر عذابي.
و"هو" مأساتي الجميلة.
"البحر"، القيد الوحيد فيه حريتي.. وطني هو وديانتي. 
" البحر قصتي التي أسكنها، وتسكنني، ولن أستطيع يوما كتابتها.
ولن أخون "البحر" معك، أو مع أي رجل.

بيني وبين «البحر» مد وجزر.
يناديني "البحـر". أسرع إليه. أرتمي على صفحته الفيروزية. أستسلم لأمواجه، كما لم أستسلم لأي رجل. 
ينادينى "البحر". كيف لا ألبى النداء؟؟. كيف لا أتلاشى بين أمواجه، وليلة رأس السنة، تنتظرنى عند حافة الشاطئ. 
تزوجت "البحر"، منذ ميلادتى.. الصخور والأمواج والأسماك، كانت الشهود، على عهد لم نكتبه. على سُنة الأمواج والأصداف، توحدنا.. أنجبنا بحيرات ذات عيون فيروزية، وشواطئ برمال ناعمة، تنادى العُشاق. 
أريد أن أبدأ سنة جديدة، و"البحر" يعانقنى. 
"مات العالم غرقا"، لأحيا فى "البحر"، سنة جديدة، وعالم جديد. 
-----------------------------------------------------------------------
من بستان قصائدى 
--------------------------------

فى ليلة رأس السنة 
أنا فى احتياج 
الى أجازة طويلة 
من دوشة الأطفال والميكروفونات 
من ذكورية الرجال وطاعة النساء
من منظر الشوارع وشكل المذيعات 
من تفاهة البرامج الثقافية
من شكل الحجاب والنقاب والعباءات
من انتهاء صلاحية البرامج الدينية 
من صرخات الاستغاثات
فى البيوت المغلقة والمستشفيات 
أنا فى أشد الاحتياج 
إلى أجازة طويلة 
من تدافع الذكريات الساخنة 
من فناجين القهوة الباردة 
من أفكارى وخواطرى ومشاعرى 
من سهرات العشاء الشاردة 
أنا فى أشد الاحتياج 
إلى أجازة طويلة 
من رنات التليفونات 
ومن رنات الحنين
من دقات الباب 
ودقات الساعات
أنا فى أشد الاحتياج 
إلى أجازة طويلة 
من تأنيب الضمير 
وصوت العتاب المرير 
أنا فى أشد الاحتياج 
إلى أجازة طويلة 
من صوت التفجيرات
وأخبار سفك الدماء 
من طيور لا تغرد 
ولا تطير فى السماء
من العادة وأوقات الضجر 
من أشباح الليل وعفاريت النهار 
أنا فى أشد الاحتياج 
إلى الاختفاء عن كل الأشياء 
من أقراص الأسبرين والحبوب المنومة
من وجبات الغداء والفطور والعشاء 
من دفع فواتير المشاعر اليائسة
وفواتير الماء والغاز والكهرباء
فى ليلة رأس السنة 
أنا فى أشد الاحتياج
إلى مدينة من الفراغ والخواء
أسافر إليها ليلا 
ليس معى 
إلا همسات البحر وقصائد قلبى
أحضان أمى وصورها وضحكتها الطفولية ومعطفها الأسود المصنوع  من الفراء.