رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القصد من الكلام

يأتي الإيمان بأهمية بناء الأوطان وتعزيز دورها ومكانتها في المجتمعين الداخلي والخارجي، مرتهنًا على عدة معطيات مهمة، يظل في مقدمتها الإنسان "المواطن"، الموكول إليه المهمات والمسئوليات في الشدة والرخاء، وفي الحرب والسلام، وفي العسر واليسر.. والأوطان لا تراهن على عزتها، واستقلالها، وحياديتها في مختلف المواقف، إلا من خلال هذا المواطن المُعفّرْ جبينه بتراب وطنه، لذلك يظل هو المحور المرتكز عليه كل تفاعلات الوطن، ولأنه كذلك، فهو جبهته الصلدة، وعزته الماكنة.
هناك من يثمن دور الجبهة الداخلية في أوقات الحروب بشكل خاص؛ وفي تصوري أن الدور الأصيل للجبهة الداخلية في كل معارك الوطن، الحاضرة واللاحقة، ولا تقتصر المسألة على أوقات الأزمات فقط، وإن كان الناس يتكتلون بصورة غير موجهة، في كثير من الأزمات التي تمر على الأوطان، انطلاقًا من فطرتهم الإنسانية البحتة، مستشعرين الواجب الإنساني والوطني على حد سواء، دون إملاء، ولكن من المنظور العملي، فالمسألة تحتاج إلى كثير من الجهد والعمل حتى تكون "الجبهة الداخلية" حاضرة في كل مشاريع الوطن، في الشدة والرخاء على حد سواء.
على مدى أربعة مقالات، نُشرت قبل هذه السطور، تناولنا تحديات الأمن القومي والاقتصاد المصري، وحزام النار الذي يحيط بالدولة المصرية من جهاتها الأربع.. وقد قصدنا بها إيضاح حجم الخطر المُحدق بمصر، الذي يتهدد أمنها واستقرارها، وتأثيراته الضخمة على قدرة اقتصادها، ورحلة البناء التي بدأتها مصر منذ عشر سنوات وما زالت تستكمل مسيرتها.. إلا أن ما تبقى أن نقوله، هو دور المواطن في حماية هذه المسيرة والحفاظ على مكتسباته، وتحقيق الأمن القومي لبلاده.. ولا يتأتى ذلك إلا بالالتفاف حول القيادة السياسية ومؤازرة خطواتها، والعمل كتفًا بكتف، حتى يتحقق ما نصبو إليه جميعًا، ويتحقق الأمن والرخاء لبلادنا.
هنا، يلزمنا القول بضرورة تسامى الجبهة الداخلية عن المُكتسب المادي الآني، إلى تسجل خطوات وثابة في ذخيرة الوطن، لتصل في النهاية إلى مُكتسب وطني، أكثر منه ماديا مؤقتا.. ومن أجل ذلك، يُحتم الأمر أن يُولى لهذه المسألة الكثير من الاهتمام والعناية، وتُصان بكل الوسائل، ولا تُترك عرضة لأي مغرض.. صحيح أن المحافظة عليها مسألة ليست هينة، فالإنسان مخلوق ضعيف، تتنازعه قوى ذاتية كثيرة، قد توجد فيه الكثير من التشققات الداخلية، خصوصًا عندما يصطدم بواقع لا يتوقعه كما يريد، أو كما يتوقع، فتكون لديه ردات فعل سلبية تجاه مُنجزه الوطني.. ولأن المسألة فيها شمولية الـ"الجمع"، فيبقى من المعاناة الوصول إلى ترسيخ القناعات الإيجابية للكل، ولكن، "ما لا يدرك جُله، لا يُترك كله".
ومع اقترابها من استكمال مشروعها القومي الطموح، تتعرض مصرنا لمجموعة من الهجمات والمحاولات، تريد النيل منها ومن أبنائها ومن استقرارها.. وكلما اقتربنا من نهاية المشوار، أصبح الهجوم أشد ضراوة، وأصبح عدونا لا يتورع عن استخدام كل السبل غير المشروعة لهدم مشروعنا وبنياننا، وهذا يضعنا أمام مسئولية دعم الوطن والوقوف خلفه صفًّا واحدًا، فيما يواجهه من أخطار وتحديات كبيرة، لأنه لا يوجد خطر أشد على الأمم من الفُرقة والاختلاف، في وقت ينبغي فيه أن نجابه عدونا صفًّا واحدًا، مصداقًا لقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
وهذا يضعنا أمام مهمة غاية في الأهميةـ كما يقول د. شوقى علام، مفتي الديار المصرية، وأستاذ الفقه الإسلامي والشريعة بجامعة الأزهر، وهي ضرورة تماسك الجبهة الداخلية وتوحدها ضد الأخطار التي تُحدق بالمجتمع، لأنه في أوقات الأزمات والصراعات والمحن، لا ينبغي إهدار الجهد في الخلافات التي لا طائل من ورائها، بل يتحتم على أبناء الأمة التوحد ونبذ الفُرقة، وتقديم مصلحة الأمة على ما سواها، وتقوية روابط الاتحاد بينها؛ إذ إن مآل التنازع والفرقة هو الضعف والهوان وجلب الشرور، قال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)؛ ولعلنا فيما نواجهه اليوم، أحوج ما نكون إلى تلك الوحدة، لدرء الأخطار عن الأمة والقضاء عليها بكل طريقة.
التماسك بين أبناء الوطن الواحد أمر مهم، لا يقل معه في الأهمية الضرب على يد المفسدين لمنعهم من تخريب الوطن وإسقاطه، وليس بعيدًا عن البعض حديث السفينة، الذى يرويه النعمان بن بشير رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا).. فهذا الحديث قد جمع بين ثناياه أهم معاني المسئولية المشتركة التي ينبغي أن نكون عليها، تلك المسئولية التي تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص، والتي تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذي لا يحيف على حق أحد.. والتشبيه بالسفينة يضعنا أمام حقيقة قد تغيب عنا أحيانًا، وهي أننا جميعًا في مركب واحد، وهذا المركب هو الوطن، الأمر الذي يقتضي تحديد المصالح العامة والقيم الضامنة والمسئوليات الشاملة.
المصريون جميعًا شركاء فى وطن واحد يعيشون آلامه وآماله، تجمعهم مبادئ وقيم وتقاليد عريقة ومصير واحد وهدف واحد، إيمانًا منهم بأن الدين لله والوطن للجميع.. ومع الأزمات التى تحاول أن تعصف بنا، فإن تماسك الجبهة الداخلية وصلابتها ضرورة وطنية لمواجهة هذه التحديات والصعاب التى تعترى مسيرة الوطن، والالتفاف حول هدف واحد، وهو أن مصر أولًا، نضعها فى قلوبنا وعقولنا ونفتديها بكل عزيز وغالٍ.. ورحم الله المشير محمد حسين طنطاوي، القائد العام، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأسبق، الذي أكد أن "الشعب الذى رفض الهزيمة فى الخامس من يونيو 1967، وحقق نصر أكتوبر المجيد عام 73، قادر على تخطى الصعاب وصنع التاريخ، بتكاتفه وتآلفه وتعاونه والتفافه حول راية الوطن".. فبالعزم، نمضى قدمًا فى بناء مصر دولة مدنية حديثة قوية، بشعبها وجيشها ومؤسساتها الأمنية والقضائية الساهرة على مصلحة الوطن والشعب، وبه أيضًا نواجه التحديات فى الداخل والخارج، بقوة لا تلين، (واثقون فى قدرتنا على التغلب عليها بروح أكتوبر التى قويت في مواجهة الصعاب وحققت النصر التاريخى المجيد).. قادرون بصلابة الشعب المصري الذي تصدى لجماعة الإخوان، وأفشل مخططاتهم، وأسقط حكمهم في الثلاثين من يونيو 2013.
■■ وبعد..
فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجهها مصر، شعبًا وجيشًا، على جميع الجبهات، نؤيد كل ما تتخذه الدولة المصرية لحماية مقدرات ومُنجزات التنمية، من المخاطر التى تهدد عمقها ومصالحها الاستراتيجية، ونؤكد دعمنا الكامل لجهود الحفاظ على مكتسبات التنمية التى تكاتفت لها سواعد المصريين فى الداخل والخارج حكومة وشعبًا.. لقد جاء اليوم الذى عرف فيه العالم كله، أنه لدى مصر رئيس عظيم، وطنى مخلص وصادق مع شعبه، مقاتل من طراز فريد.. وكيف لا، وهو الذى حمل كفنه على يده لإنقاذ مصر من قوى الشر والظلام والإرهاب، إن مصر دولة كبيرة وعظيمة، ويكفينا نحن- كل المصريين- شرفًا، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى حقق نجاحات وإنجازات ومشروعات قومية عملاقة، لم تشهدها مصر منذ أكثر من نصف قرن، وأصبح لمصر جيشها الباسل، القادر على حفظ أمن واستقرار مصر والحفاظ على جميع حدودها، وهو الدرع والسيف الفتاك، بكل من يحاولون المساس بها وشعبها.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.