رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

23 ديسمبر عيد النصر

هلت علينا منذ أيام ذكرى عيد النصر، أحد أهم الأعياد القومية فى تاريخ مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين. وأعتقد أن غالبية المصريين ممن هم تحت سن الأربعين، للأسف الشديد، لا يعرفون شيئًا عن هذه الذكرى، وهذا العيد! وربما يرجع ذلك إلى العادة الفرعونية القديمة، عادة الخرطوش، وهى أن يمسح الحاكم الجديد اسم سابقه من على الآثار، وعادةً ما كان يوضع اسم الفرعون داخل خرطوش على الأثر، وبالتالى تصور البعض أن طمس الخرطوش يعنى إزالة تاريخ سابقه. وللأسف الشديد هذا ما يحدث فى تاريخنا المعاصر؛ إذ يتم إلغاء بعض الأعياد القومية مع تغيير الأنظمة السياسية. شهدنا ذلك مع إلغاء عيد الجهاد الوطنى فى ١٣ نوفمبر، هذا العيد المرتبط بثورة ١٩؛ إذ تم إلغاؤه مع ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. وكذلك عيد النصر فى ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، المرتبط بالانتصار على العدوان الثلاثى على مصر، هذا العيد الذى تم إلغاؤه فى عهد الرئيس السادات، ضمن منهج «الخرطوش».

والأمر المثير للدهشة ألا ترث مصر المعاصرة من مصر القديمة إلا هذه العادة السيئة، عادة طمس الخرطوش، أو فى الحقيقة محاولة طمس التاريخ، والغريب أن يحدث هذا فى مصر، وهى بلد التاريخ. ولا وجود لهذه العادة السيئة فى تاريخ الدول الديمقراطية التى تحترم تاريخها، وتنظر إليه على أنه تاريخ الشعب وليس تاريخ الحكام، وبالتالى لا يجرؤ حاكم على تغيير تاريخ الأمة. لذلك نرى فرنسا تحتفل حتى الآن بعيد الثورة الفرنسية فى ١٤ يوليو، ويصبح اليوم القومى، ولا يتغير ذلك مع تغير الجمهوريات، كما لا تزال تحتفل فرنسا بذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى فى ١١ نوفمبر، ويكون عطلة رسمية، ولا يتغير ذلك مع تغير الأنظمة السياسية، لأن هذه التواريخ هى تاريخ الأمة الفرنسية، وليس تاريخ نظام سياسى معين.

عودة مرة أخرى إلى ذكرى عيد النصر فى ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، حيث لا بد من العودة إلى يوم ٢٦ يوليو من العام نفسه، والإعلان الشهير لعبدالناصر بتأميم قناة السويس؛ إذ أدى هذا الإعلان إلى أزمة دولية شهيرة. لكن الحدث المؤسف كان ذلك التحالف بين كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للقيام بالعدوان على مصر. وبالقطع لم تكن إمكانات مصر عسكريًا آنذاك تسمح بمواجهة جيوش ثلاث دول، لكن الانتصار الحقيقى كان فى رفض الشعب المصرى هذا العدوان، هذا الرفض الذى نجد صداه فى الأغنية الشهيرة آنذاك، والراسخة فى الوجدان المصرى حتى الآن:

الله أكبر فوق كيد المعتدى 

والله للمظلوم خير مؤيِّد

أنا باليقين وبالسلاح سأفتدى 

وطنى ونور الحق يسطع فى يدى

وكذلك الأغنية الشهيرة:

والله زمان يا سلاحى

اشتقت لك فى كفاحى

انطق وقول أنا صاحى

بالقطع لم يكن ٢٣ ديسمبر، جلاء المعتدى عن الأراضى المصرية، نصرًا عسكريًا، لكنه كان نصرًا شعبيًا، وكذلك نصرًا للدبلوماسية المصرية التى لعبت دورًا كبيرًا فى هذه الحرب. ولكن الأهم أن هذا النصر أكد ورسخ الدور المصرى الخارجى بين دول عدم الانحياز، وفى إفريقيا وآسيا.

دعونا نحتفل بأعيادنا القومية، ونحترم تاريخنا.. تاريخ الشعب المصرى.